حوارات

حسين نصيب المالكي: ليس من الطبيعي أن يتماهى المثقفون مع هذا الوضع السياسي المخزي

المستقل – (حاوره: ناصر محجوب)

عن المستقل

إذا جاز لنا التعبير فإن الكاتب والأديب الليبي حسين نصيب المالكي يعتبر حاضراً بوجود متميز ومواظب على الساحة الثقافية والأدبية في ليبيا منذ بداية الثمانينات، وظل في الوقت نفسه غائباً عن الساحة الإعلامية والصحفية، فبالرغم من كثرة وتعدد اهتماماته ونصوصه وإصداراته إلا إننا لا نكاد نرى الكاتب في محافل الصحافة، ولم نرصد له مقابلات صحفية أو تلفزيونية مثلاً.

تعرفت عليه في طبرق (مدينته) التي يعتز بها، منذ زمن ليس قصيراً، وكنت مذّاك متابعاً لما يكتب، وقارئاً لما ينشر، وما ينشره من نصوص عدد قليل قياساً بما يكتب.

عمل المالكي رئيساً لصحيفة البطنان لأكثر من عشرين سنة، ونشر إنتاجه في عدد من الصحف والمجلات الليبية، كما ترجمت بعض قصصه إلي الانجليزية والفرنسية، وكتب عن قصصه نقاد وكتاب معروفين من أمثال د. طه وادي، ود. عمر بن قينة، ود. عبدالجواد عباس، وغيرهم.

أصدر العديد من الكتب في الأدب الشعبي وخاصة الشعراء الشعبيين، منها «شاعر معتقل العقيلة» (1981)، و«الشاعر هاشم بو الخطابية» (2006) و«الشاعر عبدالسلام سليم حياته وشعره» (2012م). كما أصدر دراسات عن القصة القصيرة منها «كتاب القصة القصيرة في طبرق.. دراسات ونصوص» (2009)، و«قراءات في القصة الليبية القصيرة» (2005).

وفي حقل القصة القصيرة نشر المالكي «مقبولة» وهي مجموعته القصصية الأولى، الي أصدرتها شركة النشر والتوزيع سنة 1979م، وطبعت عدة طبعات، و«تجسد الحلم» وهي المجموعة القصصية الثانية التي صدرت سنة 1984م عن المنشأة العامة للنشر والتوزيع، و«الرجل والنورس» الصادرة سنة 2010م عن مجلس الثقافة العام، و«الطيار البرونزي» عن دار كتابات جديدة للنشر الالكتروني سنة 2015م، و«ملك الوز»، عن دار كتابات جديدة للنشر الالكتروني 2016م، و«من الذاكرة.. سيرة ذاتية» عن منشورات مجلة المستقل 2015م.

وللمالكي عدد من المخطوطات التي لم تنشر بعد، نذكر منها: «صالح بومازق الرفادي.. حياته وشعره»، و«الحطية»، وهي رواية قصيرة، و«هؤلاء عرفتهم» دراسة عن كتاب وأدباء مثل سعيد خيرالله صالح ومحمد عبدالله المحجوب واحمد بواقعيقيص وغيرهم، و«عبدالجليل سيف النصر..  حياته وشعره».

– أستاذ حسين.. يغلب على أسلوبك طابع التفاصيل اليومية ونقل الأحداث بطريقة واقعية… هل نعتبر القصة لدى حسين نصيب المالكي تعتمد على الالتزام بالواقع كما هو دون تصعيده أو البحث عن الجانب الغرائبي فيه؟

– في البداية أشكركم جزيل الشكر على هذا اللقاء، وكل عام وأنتم بخير، في ما يتعلق بأسلوبي الواقعي في كتابة القصة القصيرة يرجع ذلك إلى تأثري بالقصة الواقعية وقراءاتي للقصة الواقعية في المشرق العربي لكل من محمد عبدالحليم عبدالله ومصظفى لطفي المنفلوطي ومحمود تيمور وعبدالحميد جودة السحار ويوسف إدريس وغيرهم، وللقصة الروسية الواقعية المترجمة مثل تشيكنوف أثر آخر وخاص في نفسي فكتبت القصة الواقعية القصيرة متأثراً بالمحيط الذي أعيش فيه، وخاصة أنني عشت في حي اسمه حي «الحطية» يسكنه الفقراء والبائسين والمهمشين، وكنت لا أكتب إلا عندما أتأثر بموقف معين أو قصة معينة، وما أكثر ما كانت تمر أمام عيني عديد المواقف التي تربطني بالصور الكامنة في تلك الروايات والقصص القصيرة التي كنت ألتهمها بسرعة وأبحث عنها بنهم في ذلك الزمن الجميل رغم – بؤسه وفقره.

كنت أندمج مع شخوص تلك القصص والروايات وأعيش محنتها وبالتالي ربما تكونت لدي خلفية كبيرة وضجت بها ذاكرتي وهو ما جعلني سريع الالتقاط، وتقريباً كل قصة كتبتها هي نتاج الواقع أو تكونت من موقف معين أو حدث ما.

– أستاذ حسين نصيب أنت من الكتاب المداومين على الكتابة… ربما أنت تكتب أكثر مما تنشر. هل هل ظروف محدّدة أو أنك تكتفي بأداء المهمّة الرئيسية وهي الكتابة، ولا تهتم كثيراً بنشر إنتاجك؟

– أنا بالفعل أكتب أكثر مما أنشر، وخاصة ثمة أزمة في النشر إلا إن كنت قادراً على النشر على حسابك الخاص وهذا مكلف، مثلاً أنا الآن لدي العديد من المخطوطات ولكن لم استطع نشرها في كتب فلجأت إلى النشر الإلكتروني.

والكاتب القاص ميال دائماً إلي نشر إنتاجه القصصي، وأنا لا أكتب القصة فقط. أنا أكتب المقالة والدراسة وأكتب في المأثور الشعبي وأحبه كثيراً وله في نفسي مكانة خاصة ومميزة ولي عدة إصدارات في مجال التراث الشعبي والشعر الشعبي مثل «شاعر معتقل العقيلة» و«ديوان هاشم بو الخطابية» وغيرهما. وتربطني بالمأثورات الشعبية علاقة متينة، ولو توفرت لي ظروف مناسبة فأعتقد إنني سأنجز شيئاً مهماً في هذا المجال، أما عن سؤالك فكما قلت لك لا يؤخرني عن النشر إلا تكاليفه ولا يسعدني ولا يروق لي أن يظل إنتاجي حبيس الأدراج خاصة إن عامل الزمن مهم جداً بالنسبة للنشر.

– «من الذاكرة».. هذه التفاصيل المعيشة بكل كدّ واهتمام، تناولت فيه مرحلة الطفولة والشباب… هل سنرى بقيتها أو جزءاً آخر منها؟

– «من الذاكرة» هو محطات من حياتي نشرته لي مجلة المستقل… ولكن هل سبق وأن أخبرتك عن تطور هذا الكتاب – السيرة – لدي؟

– لا لم أسمع منك شيء عن هذا من قبل، هو سؤال حظرني فسألتك إياه.

– حسناً، هو كذلك ياصديقي هذا الكتاب «من الذاكرة» هي فعلاً تفاصيل معيشية، وكما أخبرتك سابقاً أنا أهتم بشكل كبير بالواقع وأنقله ربما بحذافيره وأبحث عن أدق التفاصيل، وأنا حالياً عاودت كتابته من جديد، مركزاً على محطة مهمة في حياتي وهي بداياتي بالقصة القصيرة وما علاقة كل قصة كتبتها وكيف جاءت فكرتها ومتى اكتب القصة القصيرة كذلك ركزت على محطة أخرى مهمة في حياتي وهي الصحافة، وخاصة صحيفة البطنان المحلية التي أسستها ومكثت رئيساً لتحريرها لأكثر من عشرين سنة، والمواقف التي وقعت لي وانا رئيس تحرير لها، هذا الكتاب أكاد أن أفرغ منه وجميل أنك سألتني عنه لأصرح لك إنني أسميته «شذرات من الذاكرة» بناء على رغبات وطلبات بعض من القراء الكرام.

– كيف تقيّم الوضع الثقافي العام في ليبيا، إنتاجاً وانتشاراً، بعد 2011؟

– الوضع العام الثقافي في ليبيا يشهد ركوداً وانقساماً وأثر عليه الوضع السياسي العام للبلاد بشكل كبير، وهذا شيء طبيعي ولكن من غير الطبيعي ولا المنطقي أن يتماهى المثقفون مع هذا الوضع غير الطبيعي بل والمخزي، لم نرَ المثقفين يشكلون طبقة أو درعاً واقياً يمكن من خلاله العمل على إنقاذ البلاد من هذا الهراء الذي يُمارس علينا وأصبح يدخل بيوتنا ويهدّد أمننا ويهدّد بلادنا، إننا لو أردت الصراحة نخذل أنفسنا ونخذل الوطن ونخذل الحق بهذا التقاعس.

وبالنسبة للنشر فهو في أزمة كبيرة، هناك كتب موقع عقدها منذ أكثر من أربع سنوات في وزارة الثقافة لم تطبع ولم تر النور، وما طبع في البيضاء في الفترة الماضية من قبل هيئة الثقافة لا يتجاوز أصابع اليد في فترة عمر القويري لاغير.

ولا أكاد أخبرك سراً إن قلت لك إننا ومجتمعنا نعيش حالة من الفراغ يمكنه أن يساهم بشكل كبير في ضياعنا وضياع هويتنا، فراغ يجعل من السهولة بمكان الدخول علينا من أي طرف آخر، ولدينا مثل شعبي يقول «المال السايب يعلم السرقة»، ونحن بهذا الفراغ سنكون مثل الشعب السايب وتسهل سرقتنا من أنفسنا ومن هويتنا، فراغ سيجعل أياً كان يطمع في أن يملأه وبالتالي نكون عرضة للإستلاب.

للأسف المثقف الليبي لم يستطع القيام بدوره في ظل التخبط السياسي وانتشار المليشيات المسلحة والانقسام الذي تغذيه أجندات خارجية واضحة للعيان، إن الثقافة في بلادنا تعاني والمثقف أصبح عرضة للاغتيالات والسجن على الهوية وغيره، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً في ظل هذه الأزمة إلا من خلال تواجده خارج البلاد من القاهرة أو تونس حتى يكون في مأمن وخاصة مثقفي المنطقة الغربية وطرابلس بصفة أخص، ولكن مع كل هذه النظرة المتشائمة – إن شئت – يبقى هناك دائماً الأمل الذي يغذينا ويجعلنا أكثر تمسكاً بالحياة وبالوطن وسنمارس فعل الحياة مهما أرادوا لنا أو مارسوا علينا أفعال الموت فالتاريخ يخبرنا إنه دائماً يسقط الخونة والعملاء وينتصر الوطن.

– ما هو دور المثقف في ظل الأزمات المتتالية التي تمرّ بها ليبيا وكيف يمكنه المساهمة في مواجهتها والتصدي لها وهل يقوم المثقف الليبي بهذا الدور؟

– هذا سيعيدنا إلى السؤال السابق وقد أخبرتك إننا يجب أن نتمسك أكثر بفعل الحياة في مواجهة أفعال الموت التي يمارسونها ضدنا، وكنت أقصد ذلك فعلاً. علينا أن نملأ هذا الفراغ الذي يعيشه مجتمعنا وإلا فإننا عرضة وغنيمة سهلة لكل دخيل ليس أقله التطرف ولا أكبره الإرهاب، وسأضيف إلى الواجب الذي يوجب على المثقف أن يقوم به وهو توعية الناس ونشر الوعي بينهم فمشكلة ليبيا حقيقة تكمن في الوعي أولاً ولو كان هناك وعي بين الناس وفي عامة الشعب لما وصلنا إلى هذا المنعطف الخطير الذي بات يهدد بأن يعصف ببلادنا، علينا أن نزداد تشبثاً بالوطن بالشعب بالتاريخ بالتراث لننقذ الهوية الليبية من الضياع الذي يحاول البعض أن يرسمه كطريق لنا علينا أن نعود إلى أصلنا وكما أخبرتك سنعود وسينتصر الوطن بإذن الله وسيكون على المثقف والكاتب والأديب مهمة أخرى وهي تسجيل كل هذه الانتكاسات وتقديمها للأجيال القادمة لنصنع أجيالاً أقوى وأكثر تماسكاً.

مقالات ذات علاقة

شكري الميدي آجي: “توقف نمو” بداية تشكل أسلوبي الكتابي!

حنان كابو

الناقد: أحمد الفيتوري/ إبراهيم الكوني يلخص العملية النقدية في ليبيا

المشرف العام

الشاعر السوري إياد حمودة…أنا فارٌّ منذ ولادتي وبقيت من أجل امرأة أحببتها

مهند سليمان

اترك تعليق