أقبل حاملا في يده المجموعة الشعرية” دفء الابتهال، في حضرة الدموع و الاشتعال” يلوّح بها، إعجابا، و يتحدث عنها، كمن اكتشف كنزا، لا يعرف بوجوده غيره !
قال لي:
منذ مدة طويلة، لم أرقص فرحا و أنا أقرأ كتابا، إلا مع هذه المجموعة الشعرية الرائعة، التي تكاد لا تفارقني هذه الأيام !
* * *
أشعلت سيجارة، و نفذت الدخان عاليا، في فضاء امتد أمامي، و تراءى كأن ليس هناك ما يحده.
تذكّرت الصديق، و الشاعر، تذكّرت الكتاب، و . . تذكّرت الأثنين معا، تذكّرت، محمد الفقيه صالح، المحنة القاسية، عذاب المرحلة، ضريبة الوعي بالوطن، و بقيمة الثقافة و الإبداع، و ثمنا للتطلّع إلى مستقبل أروع، لاح في الأفق، لفترة، ثم غاب، في عبثية قاتلة، و غفلة مؤلمة من غفلات التاريخ !
* * *
تذكرت كل ذلك. و تراءت أمام ناظري، حادثة بعينها، كانت ساكنة في الأعماق، أفاقت فجأة و برزت على سطح الذاكرة، فأسرعت بالقول، و أنا ألتفت إليه:
لقد فعلها التليسي قبلك أيضا، نعم، لقد فعلها، بشكل أو بآخر، لقد كنت شاهدا على ذلك !
* * *
و عندما تأملني، صامتا و متحفّزا، و منتظرا للمزيد من الإيضاح، قلت له بود ظاهر:
في أمسية شعرية، مبهجة، لا تنسى، قرأ فيها محمد، قصيدته الشهيرة، و المعنون بها هذه المجموعة الشعرية الأولى، التي بين يديك الآن، “دفء الابتهال، في حضرة الدموع و الاشتعال”،
و في اللحظة التي أنهى فيها قراءة القصيدة، انتفض الرجل الكهل واقفا من على كرسيه، بحماس، كمن يريد أن يرقص، لولا وقار اجتماعي، لابد أنه منعه من ذلك، و قال بتوتّر و انفعال، وكأنه وجد شيئا افتقده لزمن، وكاد أن ييأس من الحصول عليه:
هذا هو الشعر، نعم هذا هو الشعر الحقيقي الذي نبحث عنه !