متابعات

ألف داحس وليلة غبراء في مكتبة البلد

أقام مركز المستقبل للفكر والأبداع  بالقاهرة ندوة ثقافية أدبية  في موعد نشاطه الأسبوعي مساء الثلاثاء 14فبراير 20177  حيث أحتفت مكتبة البلد (بوسط البلد شارع محمد محمود) بإصدار ميادين الأول (كتاب ميادين) رواية  “ألف داحس وليلة غبراء”  للكاتب الصحفي والروائي الليبي أحمد الفيتوري، كان الاحتفاء بوضع الرواية على بساط النقد والتحليل من  قبل كل من: الناقد د. يسرى عبد الله، و الشاعرين: محمود القرني، وجمال القصاص. وقد أدار الندوة وسط نخبة من المثقفين والمهتمين الشاعرعلي عطا الذي استهل اللقاء بالترحيب بالروائي والاساتذة المشاركين بقراءتهم للعمل وبالحضور الكريم.

غلاف رواية ألف داحس وليلة غبراء.

وكان الاستهلال للناقد والشاعر محمود القرني الذي عنون ورقته النقدية عن الرواية: “ألف داحس وليلة غبراء –  ثلاثية لتحولات ليبيا العاصفة في نصف قرن”، مُشيدا في مدخلها بمقدرة الروائي الفيتوري بالانعتاق من أسر التصنيف الروائي والعمل دون أملاءات مسبقة ودون أن يُسقط معايير النسق الكتابي، جازما بأن الرواية من حيث الموضوع هي واحدة من روايات الذات، وهي من هنا تقف علي حافة المحنة الشخصية، كما وتتضافر كرواية للذات مع محيطها بشكل شديد التماسك، وسوف نلمس ذلك عبر مقاربتنا للصورة المدهشة لأبطال الرواية في تلك المدينة الصغيرة  كبذرة كاشفة لأزمة الوطن الليبي بأسره، لاسيما في تحولاته الكبرى في تاريخه الحديث بداية من الاحتلال الإيطالي ثم مابين الحربين وحروب الحلفاء مع دول المحور، ثم اكتشاف البترول منتهيا بانقلاب الجيش علي الشيخ السنوسي وتولي القذافي لمقاليد السلطة. كما و أبرز ما يمنحه الفيتوري لقارئه حين يباشر بإقامة بنيان لأحداث غير مكتملة ليظل ملء فجواتها ملكا للقارئ وحده، وحسب القرني ستبدو تلك النهايات المفتوحة واحدة من امتيازات أو إن شئنا ملامح تلك الرواية، وفي معرض تفكيكه لما أعتبره الجزء الثاني من الرواية  المعنون “غابة القضبان الحية” والذي مثل السيرة الذاتية لابن الرايس، حيث سنتابع مع الراوي العلاقة التي تنشأ بين المكان القاسي المظلم وبين سكانه الجدد المتعلمون الثوريون. سنشهد في هذا السياق كيف يبتكر السجناء أشكالا عدة لاختراق هذا المنفي، و سيكشف لنا القرني عن تصنيفه للرواية كونها الملحمة التي استعرضت تحولات ليبيا علي مدار يتجاوز الخمسين عاما، عبر تلك الأبنية المتماسكة التي لم تخذل صاحبها، وعبر أبطال كانوا تعبيرا جازما علي مدار الزمن السردي عن تلك التحولات. من هنا – حسب القرني –  فإن الرواية الثلاثية هي أحدى ملاحم الرواية الليبية.واختتم القرني قراءته بملاحظته حول الإسراف في استخدامات اللغة الشعبية محدودة الاستخدام خارج جغرافيتها، ثم الأخطاء المطبعية مع غياب علامات الترقيم آملا تصحيح ذلك في طبعة قادمة للرواية.

وجاءت القراءة الثانية  لرواية الفيتوري من الشاعر جمال القصاص  وقد أعلن للحضور عن ما حملت قراءته من عنوان: الفيتوري… حطّاب في غابات ليبيا ومتاهاتها”، ثم عرض لمكون الرواية وهي روايات ثلاث صغيرة، مشيرا الى انها بمثابة ثلاث كتل نصية تربط بينها رمزية الغابة (غابة الأشجار الميتة- غابة القضبان الحية – غابة الرؤوس المقطوعة)، بينما يظل خيط درامي شفيف، في حالة شد وجذب طيلة صفحات الرواية المائتين والخمسين، يتكثف في العيش تحت ظل براءة مغتالة، صارت تهمة من لا تهمة له. وإن أعتبر القصاص أن الرواية الثانية تقف كرواية منفردة كاملة الاركان كسيرة سجنية، موكدا سيطرة ثلاث مفاتيح رئيسة على فضاء الرواية هي: المخبز، المعتقل، اللجان الثورية، ويشكل كل مفتاح كتلة نصية، وأن الفيتوري يُنوع من خلالها مساقط السرد وأزمنته ومناخاته ومقوماته فنيا ولغويا، موليا شغفا خاصا بروح البيئة وبداهتها وحكمتها التي اكتسبتها عبر تراكم الخبرات في عباءة التاريخ والزمن. وكما أن  لغة الرواية  تعكس كل ذلك في بساطة سردية سلسلة، فيما يبدو زمنها مفتوحا على البدايات والنهايات، ويرى الناقد القصاص أن في الرواية  لعبة وحيلة تأخذنا مدهوشين حين ينقسم الراوي على ذاته، فيتوهم انه سرق روايته من راو آخر، يحمل اسمه نفسه كان رفيقه بالسجن، بل يخترع شخصية يسميها “كاتب الرواية” يستعين بها أحيانا كظله الهارب. تكسر هذه الحيلة السردية من أحادية السرد وتنوع مساربه، ليعيد البطل استنطاق واستحضار الحكايات والأشياء كما تتراءى على مرآته وفي نفسه كذكريات سجين سياسي.

أحمد الفيتوري – الشاعر جمال القصاص – الناقد د.يسري عبدالله – الشاعر محمود القرني – الشاعر علي عطا الله.
عن بوابة الوسط

ثم جرى تقديم القراءة الثالثة للناقد والأستاذ الجامعي د. يسري عبدالله والذي ولج نقده بتفكيك العتبة العنوان طارحا تشابك اسم الرواية مع المخزون التراثي الانساني عامة والعربي بخاصة : ألف داحس وليلة غبراء : ألف ليلة وليلة، وداحس والغبراء، لنرى ظلال تلك العلاقة في متن الرواية من خلال الحصان في الرواية الاولى والتي سنتابعها في الرواية الثالثة إذ سؤال النهاية عن الحصان الذي ظهر كما الاسطورة التي حيكت حوله الحكايات والتوصيفات العجائبية، سؤال الحصان الذي يظهر كتيمة أسطورية تلقي بظلالها على حي بأكمله، ما أوصل بطل الرواية الثالثة سجينا في حصن باب العزيزية ليتعرض للتحقيق والسؤال عن الحصان الذي ببنغازي ويقض مضجع القذافي؟ وتأخذنا الرواية حسب الناقد يسري في استقرار ظاهري لا يلبث أن يعلو بحدث سردي جلل وهو جريمة قتل الحصايني التي ستغدو مركز الاحداث داخل الرواية الأولى في شبكة من متاهات التحقيق والاستقصاء من شخصية الى أخرى ولكنها لا تفضي لكشف المستورحول من أرتكب تلك الجريمة، وسنقرأ على لسان الفقيه محاولته لتسيد تعليله الساذج لما حصل مُحيله الى غضب السماء لأن أهل الحي أدخلوا أولادهم وبناتهم المدارس وو….، فيما هو حي فقير يدعو للتعاطف، والسعي بحثا عن القاتل الذي هز واقع الحي، كما والتقط  الناقد يُسري تعدد ملامح  صورة الأب  البطل المركزي بالرواية الاولى غابة الاشجار الميتة، مضيفا : هناك كتابة حميمة وشفيفة ونافذة صوب الروح كما وتتزايد مساحة المجاز داخل السرد، مشيرا الى توظيف الروائي للثقافة الشعبية الحاضرة حضورا متواترا كما وأنه يختار الجغرافيا السردية التي يتحرك فيها وهي البيئة المحلية، هناك مفردات محلية وأمثال وأقوال سائرة شعبية مثلت جزء من الذاكرة والوجدان الليبيين.

مدير الندوة أعطى حيزا من وقت بين قراءة نقدية وأخرى  ليباشر الروائي أحمد الفيتوري بقراءة مقاطع من  الرواية الثلاثية على أسماع الحضور، كما ومنح مساحة لأية كلمة يريد أضافتها، الفيتوري الذي افتتح كلمته بشكر المركزين: المستقبل ومكتبة البلد  وقال : أعتبر أن ما قُدم من قراءات متينة مست عمق الرواية و تمثل اضافات وأضاءات مفيدة علها تحيلني لأكتشف نفسي من موقع القاريء، وعرج الفيتوري على ثلاثة مرتكزات ثمثل قضايا عامة قاربتها الرواية ومنها ما أشار إليه الناقد القرني حين تناول قضية واشكال النوع والتصنيف الروائي وأضاف قائلا : هنا تقع سلطة القاريء حين يراد منك أن تكتب نمطا من الافكار والتيمات التي تسيطر على مرحلة بعينها فلا يمكن لأي روائي أن ينكر سقوطه الواعي أو حتى في لاوعيه تحت مظلة هكذا سلطة، لذلك حاولت أن اصارع بل أن أتخلص من تلك السلطة فدخلت اللعبة وحاولت أن أكتب ذاتي وأن لا يسلبني ذاتي وموضوعي أي ارتهان لمعطى يراد لي كروائي نهجه والسير عبر دروبه. وطرح الفيتوري ما دار في ذهنه ساعة أنتوى الشروع في كتابة الرواية وهي قضية تخص الشرق الاوسط أبان ظهور النفط الذي أعتبره ثورة قلبت الكيان الانساني وكمتغير اقتصادي ما مثل حرقة ومحنة لوالده كخباز وله أيضا من تعلم المهنة وأقامت أود عائلته إطعاما وحياة بكل ما فيها مما يستلزم الاستقرار المعيشي طارحا لنموذج ما قامت عليه المخابز كوقود يومي وهو الحطب فمع توفر النفط ارتفع سعر الحطب وهذه معادلة مسكوت عنها وعجيبة ! الخبز بكل دلالاته تعرض لمحنة سببها ظهور النفط، ودافع الفيتوري عن صورة الأب التي جرى تنميطها في الاعمال الابداعية بصنوفها المختلفة  إذ حاذت مفهوم الذكورة الفرويدي للأب المتسلط الديكتاتوري، وفي روايته وقف ضد هذا الاستلاب والتعميم المؤسطر مما جعله يدخل في صدام يقلب الفكرة لصالح الأب المُؤسس المدافع الحامي والذي يقدم لأبنائه فرص الحياة الكريمة.

________________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

 

مقالات ذات علاقة

وزارة الثقافة تُطلق فعاليات موسم الصيف الثقافي بأصبوحة شعرية ومعرض فني

مهنّد سليمان

عمر غلام يدعو لإعادة قراءة طوق الحمامة في قالب فكري جديد

مهند سليمان

شمس على نوافذ مغلقة ؛ أنثولوجيا بأقلام شابة

المشرف العام

اترك تعليق