بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين وتحت إشراف وتنظيم الجمعية الليبية للآداب والفنون – أصدقاء دار حسن الفقيه حسن – وضمن الأنشطة الاستثنائية التي تقام بين الحين والآخر لتغطية موضوعات مُلحة وعاجلة ولإحياء بعض المناسبات التاريخية بالإضافة إلى النشاط العام الذي يصادف الثلاثاء الأول من كل شهر، ألقى الأستاذ محيي الدين الكريكشي محاضرة بعنوان “ملامح من النشاط السياسي من أجل قيام الدولة الليبية” تناول فيها بشيء من التوسع وتتبع الخط الزمني للنشاط السياسي منذ بدايات القرن العشرون وحتى قيام الدولة الليبية بشكلها المعروف ونيل استقلالها ورفع الوصاية الدولية عنها.
وبعد تقديم الأستاذ محيي الدين الكريكشي من قبل الأستاذ مصطفى حقية والتعريف به وبسيرته العلمية استهل الباحث والمتخصص في تاريخ ليبيا الحديث محاضرته بإعطاء نبدة تاريخية هامة عن ليبيا الحديثة وبيَّنَ ما مر عليها من غزاة وما قام فوق أرضها من حضارات متنوعة قبل أن يتحدث عن الدساتير الخمسة التي عرفتها طيلة تاريخها الضارب في القدم، وفي كل ما سرد واستعرض الباحث أبتغى بحسب رأيه الحفاظ على ذاكرة الوطن وإحياءها وأخذ العبر والدروس من نضال الأجداد السياسي الذي سار بالتوازي مع النضال العسكري الذي واجه الاستعمار ومخططاته بكل أشكالها وأساليبها، ومن جانب آخر يعد هذا السرد احتراما لجهود السابقين التي كُللت في نهاية المطاف وبعد عناء ومثابرة وإصرار، كللت باستصدار قرار دولي تاريخي من الأمم المتحدة في الحادي والعشرون من نوفمبر باستقلال ليبيا ورفع الوصاية عنها وهو الشيء الذي يمثل في جانب من جوانبه الكثيرة نجاح سياسي ودبلوماسي غير مسبوق.
وفي سرده التاريخي الشيق تطرق الباحث في محاضرته التي لاقت استحسان الحاضرين إلى بعض الحقائق وشيئا مما دار في كواليس المفاوضات والمعلومات التي لم نكن لنعرفها لو لم يبينها لنا هنا، مثل حديثه عن عيد أو الأجتماع الذي تم فيه الأتفاق على إعلان الوحدة الوطنية الذي يصادف السادس والعشرون من ابريل وهو اليم الذي ينبغي إحياءه والأحتفال به بحسب الباحث، وحديثه كذلك عن الحقوق التي منحها الدستور للمرأة الليبية في التظاهر والأنتخاب وهو الشيء الذي سبق به دولا عديدة من بينها سويسرا، وأشار إلى ما كتبته صحيفة النيويورك تايمز غداة الأستقلال عن أستقلال ليبا من أنها دولة واسعة المساحة وقاحلة ولا يوجد بها طبيب أو مهندس ويصل دخل الفرد فيها إلى خمسة وثلاثون دولار سنويا وتتفشى فيها الأمراض والأوبئة مثل التراكوما وغيرها، هذا ما وصفت به النيويورك تايمز ليبيا عقب نيلها للأستقلال.
وأوضح الباحث الذي التزم بالوقت المحدد للمحاضرة أن هذا السرد التاريخي المتسلسل للأحداث السياسية المتعلقة بليبيا في الداخل والخارج وهذا الحراك المكثف حتى تاريخ استقلالها وما بعد ذلك بسنوات يمثل بعض من الكثير مما حدث حاول اختصاره في هذه المحاضرة المحدودة وبلا كثير من التفصيل والتدقيق وبيَّنّ أن الهدف من وراء كل هذا العرض التاريخي الذي يبدو أن الباحث قد اطلع عليه بالتفصيل وتمثله واستوعبه تماما، هو الأستفادة من الماضي للحاضر واحترام نضال الأجداد الذين وعلى تواضع مستوياتهم العلمية إلا أنهم نظروا للبعيد وكانت لديهم رؤية مستقبلية واضحة وشاملة إذ لم يدخروا وسعا في سبيل تحقيق حلم الدولة المدنية التي حلموا بها وسعوا إلى ذلك بكل السبل السياسية وضحوا بالغالي والنفيس لأجل جعل هذا الحلم واقعا ملموسا وأمرا معاشا، وقد اتضح لاحقا صدق رؤيتهم ونظرتم الثاقبة للأمور إذ لولا جهودهم لما كانت ليبيا على ما هي عليه اليوم من تماسك، ولهذا نأمل أن يتناسى الليبيون اليوم في شرق وغرب وشمال وجنوب ليبيا أحقادهم على بعضهم البعض ويوقفوا صراعاتهم العبثية حتى لا يقع ما لا يحمد عقباه من تشتت وتشرذم وفُرقة وانقسام وتفريط في جهود الرجال الأوائل الذين وضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولم يخشوا في سبيل انتزاع حقوقه لومة لائم ولا صولة صائل.
وكالعادة كان للحضور فُسحة للتعليق والمناقشة وطرح الأسئلة، حيثُ تقدم كل من الأساتذة أسامة الكميشي وأمين مازن وبعض الأخوة ممن لم ننتبه إلى أسماءهم ليضيئوا بأسئلتهم وإضافاتهم بعضا مما أشار إليه الباحث أو حتى بعض مما تجاوزه في زحمة سرده، ولم يتأخر الباحث بدوره في الإجابة والرد على كل ما تم طرحه من اسئلة وبأختصار شديد حرصا على الوقت الممنوح له، وبعد هذا النقاش البناء أعلن الأستاذ مصطفى حقية الذي أدار اللقاء بهدوء عن انتهاء المحاضرة، ليعلن عن نشاط الأصدقاء الأستثنائي الثاني هذا الشهر والمتمثل في إقامة امسية شعرية لأحد شعراء مدينة بنغازي وهو الشاعر عبد الحميد بطاو مساء الثلاثاء القادم الموافق للثالث والعشرون من هذا الشهر بقاعة مجمع اللغة العربية بشارع البلدية بطرابلس وذلك استغلالا لفرصة وجوده في مدينة طرابلس هذه الأيام بهدف الأحتفاء به في المقام الأول كصوت مهم وعريق في مدونة الشعر الليبي وكبادرة خيرة من الأصدقاء لتجاوز الخلافات والأنقسامات التي تسود الساحة اليوم ومحاولة للتقارب وبناء الثقة وإصلاح ما أفسدته السياسة بين الأخوة في الشرق والغرب بعيدا عن التجاذبات السياسية والتباين الحاد في وجهات النظر.
____________
نشر بموقع ليبيا المستقبل