قصة

ابنـتي وأنـا

جاءتني ابنتي الكبرى “دانية” التي تطمح لأن تكون صحفية، طالبة إجراء مقابلة معي، تقدمها في إطار فروضها المدرسية وتشارك بها لاحقاً ضمن مسابقة على مستوى المدرسة.

ابتسمت وكنت مستلقية عند القيلولة بعد يوم طويل مضن….

جلست على الطاولة أمامي، وعقدت ساقيها، وبدأت في طرح الأسئلة، بينما وضعت كراستها المفتوحة على الطاولة إلى جوارها، لكتابة الإجابات عليها..

بدأت في طرح السؤال وراء الآخر، وعلى وجهها ارتسمت علامات الفضول، وما إن تجاوزت في إجاباتي مرحلة طفولتي وقصص شقاوتي فيها، وانتقلت إلى مرحلة دخولي مجال العمل، والحديث عن عالم المحاماة وفنونه، وعن مشاركاتي ونشاطي في المجال العام، حتى فوجئت بتغير في ملامحها… وبدت لي علامات الضجر تدب في تقاسيم وجهها، حتى توقفت تماما عن أخذ الملاحظات ووضعت قلمها جانباً،… ثم دفعت بمقدمة أصابعها الكراسة برفق بعيدا عنها… وتنهدت.

اضطربت وأقلقتني ردة فعلها، بينما كنت لا أزال أحكي لها عن مناقبي ومآثري، واعتدلت في استلقائي، وقد أفقت من إغماء القيلولة…أمعنت النظر إليها، أستنطق ملامحها الواضحة، بعينيها الواسعتين الملونتين تغلفهما نظارة طبية، تضفي عليها طابعا من الجدية… وخلتني أمام صحفية حقيقية….

وبنبرة اعتذار، قالت… “لا أرى فيما قلته يا ماما شيئاً مهماً ولا ممتعاً….”

رددت عليها بلهجة دفاعية…. “كل ما ذكرته لك، لا تجدين فيه شيئا واحدا مهما ولا ممتعاً…”؟

أطبقت شفتيها وقلبتهما نحو الداخل، وهي تتجه بنظرها نحو النافذة، وتحرك كتفيها، كأنها تهم بقول صادم، وقالت … “لو قرأت ما قلته لي على طلبة الفصل لما وجدوا فيه شيئا ممتعا… يستحق الذكر والثناء، وفي كل الأحوال لن أفوز في المسابقة….”

ثم استدارت نحوي مستدركة.. “أعلم أنك فخورة بعملك، لكن قد لا يرى الآخرون ذلك! أرغب في سماع حكايات ممتعة، أعمال مثيرة، ولا أرى فيما ذكرته ممتعا ولا مثيرا….” مكررة اعتذارها لي.

أصبت بالذهول وابنتي تفصح عن رأيها بصراحة وعفوية أمامي.. لكنني استوعبت الموقف، واستدرت بجسدي نحو الجهة الأخرى واستسلمت لقيلولتي بقلب منقبض….

بعد دقائق استفقت على أصوات بناتي وهن يتصايحن ويتضاحكن إلى جواري.. ..

وإذ بدانية تعود بقلمها وكراستها… تتمهل في خطواتها متجهة نحو جدتها الجالسة إلى جواري دون أن تنتبه إليها، جلست مرة أخرى على حاشية الطاولة في مواجهة جدتها التي تجاوزت الخامسة والثمانين… التفتت نحوي وهي توميء برأسها في اتجاه جدتها، وقالت…. “أعتقد بأنني سأجري مقابلة معها، يبدو أن حياتها كانت ممتعة وزاخرة”…

اعتدلت في جلستها والتفتت نحو جدتها، وبدأت في طرح الأسئلة..

كانت نتيجة المسابقة، فوز المقابلة التي أجرتها  دانية مع جدتها بالترتيب الأول.

طرابلس 29. 6. 2010

مقالات ذات علاقة

ليس كل من يأتي من إنكلترا يحبُ “الروك أند رول”

مهند سليمان

مشوار العمر

خالد السحاتي

اقعدوا فيها

المشرف العام

اترك تعليق