سعده الصابري الاعلامية (رئيسة القسم الاقتصادي) براديو مونتي كارلو (باريس): “فرنسا بلد احتضن الجميع وكنتُ اسمي فرنسا رباية الذائح كما كانت بنغازي حاضنة لكل الليبيين”… هنا بيتُنا (ليبيا) ومحطة مونتي كارلو (باريس)”… “سابقا ليس لي علاقة بثقافة الراديو او الاستماع اليه وفي باريس شاهدتهم يعتنون بالاستماع الى الراديو”… “اسمع أراء من أغلب الاطراف التي استضيفُها منذ أكثر من سنة و كُلها تتفق على الحل الليبي من توافق ومصالحة ولكنهم متفرقون مختلفون اثناء اتخاذ قرارتهم على الطاولة”… “مُؤخرا كنت ضمن اربعة من كل المذيعين والمراسلين بالمحطة تم اختيارهم من الادارة لمتابعة قمة المناخ”…
كنتُ في لقاء بمدريد حين التقيت بمُديرة راديو مونتي كارلو الدولية الأستاذة سعاد الطيب وفي حديث جانبي بادرتُها وقلت لها: اين ليبيا من برامجكم ومتابعاتكم فباغثتني ضاحكة: عندنا سعده الصابري (مش مقصره) ومُجتهدة في ذلك وهي من ليبيا، وكانت سعده من راسلتُها للتعارف واجراء هذه المقابلة، فبادرت بالرد والاتصال بي وايضا لتُغني لي ومن باريس: الصابري عرجون الفل، الصابري عُمره ماذل، د. سعده الصابري الاعلامية والباحثة الليبية المُقيمة بباريس منذ سنوات طالبة علم ومُذيعة في راديو مونتي كارلو وقبلها كباحثة في مكتب اليونسكو ومُنظمة التعاون والتنمية الدولية.
• د. سعده من أنتِ و ماذا تعرفين عن الصابري؟
انا من مواليد لندن 1980، وأولا سؤالك عن الصابري كان سؤالي ايضا وبحثي سألتُ عن مدينة والدي وأجدادي (وكان هذا ما حدثني به رئيس مجلس قبائل ليبيا د. الشحومي!) قيل لي أنها تأسست من قبائل عربية هاجرت من الجزيرة العربية الى الشمال الافريقي وانهم عملوا أثناء حكم الاتراك كأداريين (وبعضهم في التجارة والعمران ) في مؤسساتهم واستقروا مادياً واستطاعوا ان يُشيدوا حيا بأسمهم واسموه (الصابري) ومنه توزعوا في ليبيا، وحقيقة في الاونة الاخيرة ارتفع خطاب الليبيين تجاه بعضهم البعض بشأن الانتماء لأي قبيلة او مدينة.. انت من وين؟؟؟ بل ومن أين أخوالك وأعمامك؟؟ فوجدتني مضطرة أنا ايضا لاسأل وأبحث ( تضحك) انا انسان بالاخر وإن كنت أحيانا انزعج من السؤال، وإن كان عقلي الباطن ليس مع ذلك البحث والتقصي القصدي، ومن ذلك وجدت ان لأعمامي مزارع ( كما يُقال سواني ) بسوق الجمعة بطرابلس، ومنهم من عاش واستوطن في مصراته، وأيضا في ورفله وفي الزاويه، ودعيني اضيف انهم – ومن أصلهم شرق ليبيا – منهم اليوم آل الصابري في الخليج وتحديدا في السعوديه والكويت وعمان واليمن.
أما عن فوالدي هو اللواء جمعه الصابري وكان ضابطا في الجيش و في مهمة في لندن عندما وُلدت، وقبلها عمل كعسكري في بنغازي وفي سبتمبر عام 1969م كان في احد المعسكرات التي تم اقتحامها مع الضابط شعبان عبد الونيس وهو معسكر قرناده، وقد فقد يده اليُمنى ومنها تطلب الحال أن تصبح وظيفتهُ اقرب للعمل المدني ومنها شؤون القضاء العسكري اتذكر انه اتجه أيضا الى الامداد الطبي العسكري، ثم كان في باريس في بداية السبعينات مُلحقا عسكريا ومُختصا بالمشتريات العسكرية، وكان قد تزوج والدتي عام 1973 في طرابلس، مُؤخرا عرفت بعض اصدقائه بعضهم من عمل في الدفاع أو الداخلية سابقا ومنهم اللواء خليفة حفتر، ومن آل بوشريده، والسيد عمر السنكي، و مُلحقنا العسكري هنا وهو من الزنتان، وايضا هناك اصدقاء لوالدي من قبيلة الزويات الشيخ السنوسي الزوي، وكان عمي رشيد الصابري من الذين تم ترشيحهم منذ سنتين في حرس المنشآت النفطية، ومما لا شك فيه ان عملي الصحفي بالراديو واثناء تغطيتي للشأن الليبي كنتُ اتقارب مع من عرفوا والدي وحقيقة كان حديثهم عنه أنه رجل طيب على الرغم من كل اللغط الذي حصل من 2011 الى يومنا هذا والاتهامات التي تُكال دون تفريق لمن عمل مع النظام السابق ولمن تبنى خطابه، والحمد لله كان من التقيت بهم يُنزهون والدي عن اية مسؤليات أو أنهُ تسبب في أي اذى لأي أحد، توفي والدي في مستشفى بجنيف اثر اصابته بورم خبيث في الكبد، أما والدتي ثريا سليم فهي استاذة علم نفس من مدينة امسلاته وأمي تعني لي الكثير شخصية مهمة ومحورية في حياتي لعدة اسباب ومن كل النواحي حيث حين زواج والدي بامرأة اخرى عام 1990 ما جعلها تتحمل مسؤليتنا لوحدها وكنا خمسة ابناء ولم تُشعرنا بأي نقص أو فقد، ناضلت من أجلنا معنويا وماديا وأتصور هي سبب من أسباب نجاحي واخوتي رغم بُعد الاب عنا وقد كان خيارها أن لا تنفصل عنه بالطلاق، والدتي كانت استاذة علم نفس بالكلية العسكرية للبنات وكنت تعرفتُ على بعضهن حين كانت والدتي تُحضر بعضهن من يسكُن بعيدا عن طرابلس وتستضيفهن في نهاية الاسبوع وكنت ارى فيهن بساطة وعفوية، كن طالبات مرحلة ثانوية وأمي تُدرسهن بعد الظهر حيث في الصباح يأخذن دروسهن العسكرية ومساءً يُكملن صفوفهن الدراسية العادية.
• ماذا عن تحصيلك الدراسي بين طرابلس وباريس كيف كان؟
أمضيت مشواري التعليمي والحمدلله بتفوق وكنتُ أحصل على تراتيب مُتقدمة سواء على مستوى المدرسة أوالفصل، درستُ الابتدائي بمدرسة بشارع الصريم، والاعدادي في مدرسة الشروق بميزران وكنت انتقلت لمدرسة صرخة الحرية (كم شهر) ثُم عدت للشروق، بالنسبة لمعلماتي يمكن أكثر معلمة أتذكرها بالابتدائي ابلة زينب التريكي كانت مُعلمة حازمة وصعبة وكان شكل حجابها مُلفتا لي هي ابنة الشيخ المعروف عبد السلام التريكي، وأتذكر من معلماتي في الثانوية وكان تخصصي علمي التي درستُها في (امعتيقه) بشارع النصر ابلة حميدة بوهديمه وابلة كريمة الدرباسي وابلة لقبها السنكي (لا اتذكر اسمها الاول) درستني في علم الاجتماع، كان تخصصي علمي و طبعا كانت لدينا مواد أدبية ندرسها رفقة المواد العلمي وكُنت أحبها وجرى أني حصلت على تقدير ممتاز عند اجتياز الشهادة الثانوية 6. 87%، وكانت رغبتي أن أسجل (هندسة كومبيوتر) وقدمت وعملت امتحان القبول ونجحت فيه اذ نزل اسمي في قائمة من سيدخلون ذلك القسم، وبدأنا الدراسة ولكن ورغم أن والدي لم يكن يعيشُ معنا إلا انه اتصل وأبدى رغبته في أن اكون ابنتهُ الطبيبة وقتها خضعتُ لرغبته حتى أني تعذبت في الاجراءات لكي انتقل من كلية بدأت فيها الدراسة الى كلية أخرى وهي الطب وقد التحقتُ مُتأخرة رغم ذلك وقد كانت نسبة النجاح بنهاية الفصل (اعدادي طب) حوالي 10% ولكني حصلت على تقدير جيد جدا وكانت نهاية تلك السنة صعبة علي اذا مرض والدي وتوفي في اسبوع الامتحانات، حتى أن العائلة حاولت أن تجعلني احضر اليوم الاول للعزاء ثم أواظب على دراستي وقد نجحتُ والحمد لله، ولكن عقب وفاة والدي كان على والدتي ان تنشغل بشقيقاتي الثلاث وهن من ذوات الاحتياجات الخاصة وقبل سنة من وفاة الوالد كانت والدتي قد باشرت الحجز الطبي لشقيقاتي للعلاج بالخارج، ولعدة ظروف أيضا قررتُ ان اختصر طريق دراستي فالطب يمتد لسبع سنوات وبعدها سنتين امتياز وو…. وكان ان غادرنا البلاد الى باريس مع الوالدة التي عملت بالسفارة، وسجلتُ في تخصص طب (تغذية) وتخرجتُ بعد أربع سنوات، ثم سجلتُ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لاربع سنوات درستُ اقتصاد دولي، ثم عملت الماجستير الأول في جامعة السوربون وكانت تحت اشراف (جان كلود) وهو أحد أشهر متخصصي مجالي الاقتصاد والتنمية (وفي مجال الاقتصاد الدولي والتنمية)، حول التنمية ومحاربة الفقر ما أهلني للعمل مع اليونسكو كباحثة فنشاطتهُ والامم المتحده وبعض برامجهما مثلا لمحاربة الفقر في كثير من المناطق تقف كيانات محلية كعائق في إنجاح هذه البرامج ومنها قيادات وشيوخ (ديانات محلية ليست لها علاقة بالتوحيد) تُحارب ذلك وتعتبره من دعاوى الضلال والتحالف مع قوى شيطانية تعادي الله!! كنت درستُ وحللتُ تلك الظاهرة من واقع دول عربية ووسط افريقيا، وكان موضوع الماجستير الثاني في قوانين وسياسات التنمية في ربط مع موضوعي الاول فكانت الاطروحة الثانية في جامعة باريس (1) بانثيون حول موضوع الفقر وحقوق الانسان، او الفقر كانتهاك لحقوق الانسان قد تكون حقوق الانسان معروفة ولكن محاربة الفقر ليس من بينها، فالفقر ينتهك جملة من الحقوق للمواطن، كيف لهُ ان يتوفر على حق التعليم والعلاج وحرية التعبير. .ثم كانت أطروحتي الاولى للدكتوراة: المياه والعلاقات الدولية اقصد الصراع الجيوسياسي وقد كانت هناك مشكلة قائمة يومها حول ذلك بين الارغواي والارجنتين.
• كيف كانت قصتك مع اللغة وكلنا يعلم أنها استُبعدت تماما لأكثر من عقد من المناهج والتعليم الليبي عموما؟
نعم علاقتي لم تكن موجودة أصلا بالفرنسية ولكني أخذت كُورسات مُكثفة في اللغة الفرنسة في جامعة السوربون وعندهم دورات تسمى دورات الحضارة الفرنسية وهي دورات مكثفة بمعدل خمس ساعات في اليوم لخمسة أيام في الاسبوع، وفي نفس الوقت تلقيت دروس في الصوتيات والتعابير الشفهية، والحقيقة اني كثفت عدد الدورات حتى اني بالاجازات الصيفية التي لم نرجع فيها لليبيا منذ سنة 1990 خصصتها للدورات التدربيية في مهن وتخصصات مختلفة كنت أسابق الزمن والتحق بكل ما يُتاح لي من دورات (تضحك في اي شيء وفي كل شيء): عقارية، وأسواق، مواد تجميل، وعملت أيضا باليونسكو بعد ان اجتزت دورة تدريبية بعد حصولي على الماجستير.
• ما قصتك مع محطة مونتي كارلو وكيف دخلت كأعلامية لها وكُنتِ الباحثة في اليونسكو؟
عملي في اليونسكو هو الذي تعرفتُ من خلاله على صحفيين واعلاميين وكانت سيدة قديرة وهي صحفية مصرية اسمها ميرفت تانيون مُقيمة منذ سنوات في باريس قد نصحتني بالتوجه بالعمل بالاعلام، كنتُ اتحدث وألقي أوراقي كباحثة فانتبهت السيدة ميرفت لي واعتقدت اني انجح في التواصل و العلاقات العامة فقالت لي لديك قُدرات جيدة، لماذا لا تعملي براديو مونتي كارلو هنا بباريس ايضا، فمنحتني العنوان والبريد الالكتروني وجهزتُ سيرتي المهنية وقدمتُها لادارة الراديو وتم تحديد موعد للأمتحان واحتوى يوم الإمتحان على: ترجمة من العربي الى الفرنسي والعكس، تصحيح لغوي لنص باللغة العربية، تحويل أرقام الى أحرف، ثم قدمت لنا مجموعة من المقالات الطويلة ليجري تلخيصها بتركيز على ان لا تتعدى عدد مُعين من الكلمات، هذا الجانب النظري ثم تحولنا الى الجانب العملي منحونا مجموعة من الاخبار وطلبوا صياغتها ككتابة اذاعية وصراحة كان المجال جديد علي وانا أدخل من محور اختباري الى اخر، وكان قد لفت نظري المخرج الفرنسي دومنيك كوميانجي والذي مازلت التقيه اليوم فأتذكر أول دخولي وتعرفي على راديو مونتي كارلو وكان هو مسؤل اختبار الصوت خاصتي فقال لي: هل عملتي كمذيعة سابقا واعتقد اني سأجيبه بنعم فقلت له هي أول مرة فشجعني بقوله انه اعتقد اني عملت سابقا وقد لمس اني كنت جيدة بالاختبار، بعد ذلك انفكت اساريري وانبسطت في أول تجربة لي مع محطة راديو معروفة علما بأنه سابقا ليس لي علاقة بثقافة الراديو او الاستماع اليه ربما التلفزيون أكثر إلا أني هنا في باريس شاهدتهم يعتنون بالاستماع الى الراديو، وكنت قبل المُغادرة في ذلك اليوم تقابلت مع السيدة المديرة لكن تعابير وجهها لم تدُل على شيء حول قبولي من عدمه لكنها حيتني وقالت لي: تمام سنكون على اتصال بك اذا ما وافقنا على التحاقك بالمحطة، موقفي ازاء ذلك لم يكن مُتفائلا، وعشت ايامي التي تلت ذلك دون ان أعول على قبولي، ولكن بعد حوالي ثلاثة أسابيع جائني اتصال واستقبلته وكانت الجملة: مرحبا بك لو كنت راغبة ومازلت مهتمة بالعمل معنا فنحن يسرنا ذلك، فرددتُ ( تضحك: قُلت على طول) نعم طبعا شكرا لكم، فأجابوني اذا الاسبوع القادم تكوني معنا، وكان أول يناير 2010 كُنت معهم ودخلت محطة الراديو.
• حضورك كمذيعة أو برامجك تحديدا هل تم اختيارها لك أم أنهم تركوا لك حرية اختيار ما ترين نفسكِ فيه؟
في البداية قالوا لي لك أن تخوضي في كل البرامج، ولن يتم تحديد برنامج بعينه لكِ، كُنت احجز استديو التسجيل واسجل أي برنامج يسمونها اصطلاحا (برامج بيضاء) أي مُسجلة للحفظ كتمرين وليست للبث، ثم تمرنت على المونتاج وبعض الاعمال الفنية الاخرى ظللت هكذا حوالي شهر ويقولون لي تمرني واصبري الى ان جاء يوم من الايام وقالوا لي جاء دورك وستظهرين على الهواء مباشرة ولديك مقابلة مع ضيفين أحدهم صحفي سوري وكان برنامج ثقافي وفني عنوانه (موجة جديدة) كان برنامج يقدم على فترتين يفصلهما الاخبار، ساعتان من العاشرة الى الثانية عشر صباحا، ثم من الثانية الى الثالثة بعد الظهر، وكانت مذيعة البرنامج لديها ظرف استلزم ان استلم البرنامج عوضا عنها اتذكر أن عقد عملها انتهى، فتقرر أن أستلم البرنامج، وكان أن انطلقتُ أيضا في الاستطلاع والتحقيقات (الريبورتاجات) وكان أولها حول العمالة التي تشتغل في البرد وفي تلك السنة كان الشتاء قاسٍ جدا وخرجت وسجلت حوارات مع البنائين والباعة الجوالين والكهربائيين ووو…، وتوالت الريبورتاجات عن: الموسيقى الريفية، معرض الكتاب، في بداية العمل براديو مونتي كارلو مررت بكل البرامج تقريبا سياسية ثقافية اجتماعية فنية، وصحية وهذا الاخير جعلني استرجع بداياتي في كلية الطب بطرابلس، ايضا قدمتُ برامج وتغطيات تتعلق بالشأن السياسي هنا بباريس كاجتماعات الاليزيه.
• هل تنوع وأمتد عملك الاعلامي الى خارج المحطة والمدن الفرنسية؟
نعم ولجت ايضا في مهمات المراسلة من الخارج، خارج باريس في مدن مُتعددة ثم في عواصم ومدن دول اروبا وهو ما فتح لي مجال اوسع لتجربة من نوع اخر مثل مؤتمر (دافوس) الاقتصادي، و(اليورو موني) وقد غطيته صحفيا في مكانين في الدوحة وفي القاهرة، وغطيت منتدى المقاولون المغاربة في مراكش وهم ليس من يعمل بالعقارات فقط بل ايضا اصحاب وأرباب الشغل اي مصنع او شركة يسمونها مقاولة، غطيت ايضا المنتدى الاقتصادي العربي الافريقي في تونس، غطيت تسليم طائرة ايرباص جديدة من فرنسا الى تونس، وسافرت للجزائر لتغطية المنتدى العالمي (فكرة) وهو يخص الشباب من رجال الاعمال، وفي الرياض تابعت منتدى اقتصادي، كنت أيضا في لبنان لمؤتمر يخص أتحاد المصارف العربية.
• مُؤخرا مالذي تنشغلين به إعدادا وتقديماً كبرنامج رئيس بالمحطة؟
حقيقة لم يكن لدينا قسم اقتصاد وكنت قدمت مقترح مشروع للإدارة حيث كنا سابقا نذيع ذات النشرة الاقتصادية لمحطة فرنسا 24، صحيح نحن ذات المؤسسة لاذاعة فرنسا الدولية والتي تبث بأربعة عشر لغة، وعادة يقع التقديم البصري باعتماد الفرجه والصورة وكنا نحن قناة مسموعة بلغة عربية، قلت لهم انا تخصصي اقتصاد لما لا نفتتح قسما يعنى ببرامج ونشرة الاقتصاد وبالفعل تقبلوا مقترحي وصرنا نقدم نشرتي اقتصاد باليوم، بالاضافة الى برنامج اسبوعي كل أحد (المجلة الاقتصادية) وأصبحت مسؤلة عن هذا القسم بالكامل وأقودهُ مُنفردة، وهناك أيضا برنامج تفاعلي سياسي (معكم حول الحدث) وهو برنامج يومي مُهم في المحطة مدته ساعة يواكب الاحداث ونستضيف فيه من لهم علاقة بالحدث في كافة المجالات، وهو نفس البرنامج المدرج على برامج محطة فرنسا الدولية ، واتذكر اني عملت حلقة حول السينما والمجتمع في مصر: السُبكي والمجتمع من يؤثر في من؟ كان الشق السياسي حاضر، حول دور جهات خارجية أو داخلية واستخدام ذلك سياسيا.
• هل مررت بتجربة مُفارقة أو محظورة كسرت تابو اجتماعي لديك كأعلامية وكمواطنة عربية مسلمة بباريس؟
ذات مرة كان ريبورتاجا ترددت في قبوله وانتابتني الحيرة، ولكنه عملي ووظيفتي مالعمل؟، وكان كسرُ تابوات تربيتي وقيم مُجتمعنا المُغلقة والمحافظة، وأنا حقيقة من جاءت أيضا من ذلك المجتمع المُحافظ، وكان الريبورتاج من داخل معرض أسموه (الشبق) وفي نفس مكان ارض المعارض الذي يقام فيه حاليا لقاء قمة المناخ، الموضوع كان عن الرقص الجنسي، افلام البورنو ممثليه ومخرجيه ومنتجيه، والاغراء بحضور الجنسين، وووو..كان العمل في هكذا تغطية تحدي كبير بالنسبة لي كيف لي ان اجري لقاءات مع كل هذا الوسط وعلى تنوع الموضوع الجريء لمستمعين عرب، كنت جمعت المادة التي ستظهر اخباريا فيما لا يزيد عن ثلاث دقائق هي مدة الريبورتاج الاذاعي الملحق بالاخبار، وفكرت كيف لي ان اقدم مادة يسمعها اب وابنته دون خجل او حياء، ترجمت ما تسنى ليؤديه الزملاء بأصواتهم المُعبرة عن الشخصية المُشاركة في معرض (الشبق!)، وأتذكر حتى بعض الزملاء والزميلات تندروا ضاحكين ومتبرمين حول توزيعي لادوارهم بين الراقص والمخرج والممثل!.
• كأعلامية تربيتي في مدرسة مونتي كارلو – ان جاز التعبير – كيف تتعاطين مهنياً مع الشأن الليبي؟
سأقول لكِ أولا أنه من الطريف وخلال عملي كانوا من جهتهم ومن استضيفهم من الليبيين يُرحجون اني من الشرق الاوسط : لبنانية او فلسطينية واحيانا مصرية، وبالنسبة لي من جهة عملي كأعلامية أعد وأقدم برنامجي علي ان اتوازن واكون موضوعية وحيادية واتعاطى مع الكل، ومن فترة اصبحت تقريبا مرجعا أولياً لزملاء بالمحطة أساعدهم وأرشدهم لبعض من الشخصيات الليبية شرق وغرب وجنوب ليبيا وامنحهم سبل التواصل معهم، صرت على معرفة بما يدور اخباريا ومن يجب استضافته حوارياً، ومن جهة كوني مواطنة ليبية فالغريب اني اسمع أراء من أغلب الاطراف التي استضيفُها منذ أكثر من سنة و كُلها تتفق على الحل الليبي من توافق ومصالحة ولكنهم متفرقون مختلفون اثناء اتخاذ قرارتهم على الطاولة وكأن هناك اطرافا تتدخل و تأمُرهم أو تلعب بالمصير الليبي فيغيرون توجهاتهم التي هي في مبدأها انقاذ للوطن ولمصلحة الوطن وليست المكاسب من الاموال والنفط دعونا من المكاسب اللحظية، علينا ان ننظر لمصلحة المواطن الليبي وهو الاستقرار والامان ووتوفير مستلزمات حياته اليومية خاصة الموجودين بالداخل ممن نزحوا او مجبرين على البقاء في بُؤر الصراع والتوتر، وعموما فإن اخلاقيات مهنتي تفرض علي التوازن فأنا اتعاطى مع كل الاطراف الليبية شرقا وغربا وجنوبا وبمن لهم علاقة بالنظام السابق اذا تطلب الامر الاعلامي ذلك.
• ستبلغين الست سنوات عمل مع محطة مونتي كارلو مع يناير 2016 كيف ترين أو تقيمين تجربتك؟
وكأني اليوم أبدأ، حتى أني كنت اليوم مع رئيس التحرير ولدينا تقاليد بالقناة فكل موظف له بالسنة يومان، مهداة له كأجازة يقررهما متى يشاء خارج نطاق الاجازة السنوية، بالنسبة لي لسنوات لم أخذ هذه الهدية وصار في حوزتي ثمانية أيام فقال لي رئيس التحرير اذا لم استمتع بهذه الايام المهداة قبل نهاية هذه السنة فستضيع مني ولا سبيل لتعويضها، وهو يُذكرني ويقول لي ضعي ما تشائين من خياراتك البرامجية واذهبي لأجازتك فكرت كيف لي أن اقترح حلقات وأخذ اجازتي وانا مرتاحة! حقيقة أنا لم أتِ من خلفية اعلامية لكني أتعلم وما زلت، واسعدني رأي اساتذتي في وأعتز بكلامهم وتعليقاتهم المشجعة، والثقة التي منحوني وتقديرهم لعملي وتوفير الاجواء لذلك مؤخرا كنت من اربعة من كل المذيعين والمراسلين بالمحطة تم اختيارهم من الادارة لمتابعة قمة المناخ.
• ماذا عن علاقتك بالوطن بليبيا اليوم؟ اين انتِ منها مالذي يشغلك مع تعقد الاوضاع وارتباك مآلاتها؟
كنتُ في اذاعة مونتي كارلو أثناء الثورة الليبية ولكن فترتها قدمت برامج ولم تكن في الشق السياسي، وكنت أعمل بالفترة الصباحية وهي الفترة التي تبدأ من الثانية عشر ليلا الى الرابعة صباحا ومن الرابعة صباحا الى الثامنة كُنت مذيعة الفترة وعادة ما نقدم في هكذا توقيت النشرة الجوية، وأخبار الاستهلاك والتسوق والاخبار الاقتصادية وحوار مع خبير في علم الفلك (فقرة الابراج) لكن ذلك لم يمنع متابعتي اليومية من خلال اجتماعات التحرير لتحضير النشرات وكنت على اطلاع بها أول بأول وللأسف لم تكن لي علاقات داخل البلاد، كان للمحطة موفد خاص في طرابلس وموفدة في المناطق الشرقية وظلت لأشهر المراسلة الزميلة هدى ابراهيم واتذكر زميلة منى زويدية من الجزائر أيضا، ومؤخرا لكني قررت أن يكون موضوعي الثاني للدكتوراة حول ليبيا لأقترب اكثر مما يدور وكيف كانت الحياة السياسية بليبيا وما خلفياتها، منذ يومين كنت أجري مقابلة مع رئيس التجمع التباوي في ليبيا وهذا لم يكن متاح أو معروف قبلا الالتفات الى مكونات مجتمعنا الليبي، وحقيقة وحتى هنا بباريس وفي المناسبات الوطنية (سابقا ما قبل الثورة) حين كانت السفارة تُؤجر قاعة مناسبات لم أكن احبذ الحضور وربما لمرة واحدة حضرت وانسحبت مبكرا من الحفلة، ليبيا موجودة في القلب والواحد منا يشتاق لها مازلت في ذاكرتي واحيانا اتمنى لو يكون في مكنتي ان اطلب (مصباح علاء الدين) لينقلني في لحظة الى اماكن مُفضلة لدي واحبها جدا، وكنا كعائلة نتردد عليها كثيرا ومنها كورنيش طرابلس، المدينة القديمة، سوق المشير والترك وسوق الحوت، وأنا بطبعي تستهويني الاماكن ذات العبق القديم أكثر من تلك المباني الحداثوية، أحب السرايا الحمراء التي فيها المتحف وفي ذاكرتي كانت الزيارات المدرسية تتكرر لهذه الامكنة فترسخها وزيادة ( تضحك) وكان طبعا تواصلي العائلي مع جدتي- رحمها الله – وجدي وأخوالي عبر الاتصال الهاتفي.
• مالذي يُلفتك في الواقع الفرنسي، لما يُقارب العقدين تتعايشين مع مواطنيهم وتعملين في محطة مقرها باريس؟
في فرنسا التنوع مُريح وهو مكسب انساني ترين اطياف وانتماءات متناغمة ومنسجمة، هنا البوذي، المسلم من اصول عربية، أو أصول اسيوية، هنا اسبان، لاتين،. يهود، سمي ما شئتِ لكنهم كلهم فرنسيون لا تفرقة بينهم، في اطراف باريس هناك لقاءات تقام ومناسبات يحضرها من يرغب يوم للجالية اللبنانية، يوم فرعوني، يوم للجالية للروسية، هذا جميل فرنسا بلد احتضن الجميع وكنتُ اسمي فرنسا رباية الذائح كما كانت بنغازي حاضنة لكل الليبيين حتى وإن كانوا من مدن وقبائل مختلفة ففيها تعايشوا وتوحدوا، هنا نتعلم ان لا اختلاف بل مُشترك حقوقك وواجباتك تجاه هذه الرقعة التي تعيش فيها و تتوحد فيها مع اخرين، أحلم بهذه القبول للتنوع ان يحصل بليبيا.
• حديثنا ختاماً عن ايقاع العائلة والبيت كأُسرة ليبية هنا، وهل تُبقي سنوات الاغتراب بعضا من حنين لعادات وتقاليد وطن؟
انا في بيتنا مع الوالدة والأخوة اعيشُ ليبيا بكل ما فيها من نشر (القديد) ووجبة رأس العام، الى اضحية العيد التي نحضرها من عند الجزار، صحيح الحصول على الامعاء (المصارين الرقيقه) اصعب من الحصول على المعدة (تضحك: الكرشة المتوفرة عموما) والبازين في يوم العطلة، العصيدة في مولد النبي محمد (الميلود)، ومازلنا نُكحل عيوننا مع قص اخر شعرنا مع الفول والحمص، وطبيخة (هريسة) العاشوراء، البسيسة لا تفارق الحافظات، مع الزميطة التي تُلفقها والدتي لغياب بعض مستلزماتها هنا ولكنها تُعدها في كل الاحوال، لم نفارق تلك الروائح الزكية في مطبخنا الليبي هي معنا في بيتنا، وفي شهر رمضان الشُربة العربية من لزوم ما يلزم، شقيقي لا يُحب غيرها فهي الاولى لثلاثين ليلة، حلويات العيد ايضا تحرص عليها والدتي والتي مازالت تحتفظُ بعالة الشاي وببدلة تخص رداء العروس (الردي البودري) وبدلة الجلوة (المحضر)، والحمد لله هنا التوانسة والجزائرييون والمغاربة يوفرون في محلاتهم ما نتقارب فيه معهم (في فالدكاكين والاسواق عربية) أشعر دوماً اني اغادر بيتنا (ليبيا) واذهب الى (باريس) ساعات العمل (انا رايح جاي الى ليبيا)، وإن كانت امي تشعرُ بالذنب احيانا وقد خرجت بنا من ليبيا عقب وفاة الوالد لتأمين مستقبلنا وحالت الظروف دون عودتنا، يظل الوطن حاضراً عندها كثيرا ولا تريد أن ينقطع انتماءنا وجذورنا منه، ربما نحن الاجيال الجديدة قد نتماهى مع العمل الذي يملأ وقتنا ويُشعرنا بقيمتنا، ورغم ذلك فأنا أيضا وبالمقابل اعرف هنا عربا وغربا لكني انسجم مع من يشبهني، وأرى أن الليبي نموذجي لذلك ربما أبدو تقليدية وانا بقلب باريس، حتى أني قلت لوالدتي حين دار نقاش بيننا من أني قد اتخذ قرارا بالتوقف عن العمل ؟ قلتُ لها ما المانع هناك تكريم للمرأة ببقاءها في البيت مُعززة ومكرمة وهناك من يقوم على خدمتها وإحضار الاشياء اليها، (تضحك) لعل احدهم الان سيفكر ويقول لي: انهضي واعملي وإن شاء الله تعيشي.. أموال ليبيا تبخرت وأُهدرت هذا ما قد يحصل اخيرا ربما سيطلب الليبي من رفيقته أن تعمل وإن كان تقليديا مثلي قبلها.
________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل