البيت عال، شرفة نائية تختبئ خلف المشربية، تظلّني الياسمينة.
الصيف حار، وها أنا أتخفف من ثيابي، أسرح في فضاء حرية، وفي الشرفة النائية تظلّني الياسمينة. أوراقها الخضراء، أغصانها المتشابكة، زهورها البيض العبقة، وعيني من فتحات المشربية ترقبك.
أنت هناك يا حبيبي، تهل، تظهر في أول الزقاق، الزقاق المظلل، أصوات الخطيفة تعلو، ها أنا أتلمس ذراعيّ العاريين. شفتاي حارتان، عبق الياسمين يسكرني.
أنا معك، الزقاق لم يعد مظلما، يتنور بشمس. ها نحن معا، تلمس أصابعك. لا أحد هنا، نحن، أنت وأنا. أنا الفاغمة كوردة، المعطرة العبقة. حناء العروس بيدي وقدميّ في حمام درغوت تندى جسدي. نهر من العرق يسيل مني، الآلام العذابات، الخوف القهر. تحررت روحي، صارت لي أجنحة. كل الأصوات خافتة.
يعلو صوت جسدي، توق روحي، لهف نفسي. صارت البنت بحرا.
البحر الذي يهبك، يتلذذ معك، وأنت متولهًا ترقبني. الخائفة المرتجفة، صارت قربك يضمها رداؤها الطرابلسي. ضفيرتا شعرها عبقتان بالقرنفل وماء الزهر. شفتاها مضمختان، وفي عينيها تقطر حلاوة العسل. صارت لك.
لا أحد هنا. عبق الياسمين. صوت الخطيفات، ورائحة الصيف، صيف طرابلس.
طرابلس اللاهية على البحر
البحر الذي صار البنت
البنت التي صارت حمامة
وأنت هناك، قامتك تهل آخر الزقاق. والبنت خلف المشربية، تتلمس نهديها وترقبك.