مراد الهونى
فى اعقاب اغتيال المرحوم ابراهيم الشلحى ناظر الخاصة الملكية فى الخامس من اكتوبر من عام 1954م على يد المرحوم الشريف محى الدين السنوسى الشاب انذاك الذى قام باطلاق الرصاص عليه من مسدسه و هو في سيارته في الشارع الواقع ما بين المجمع الإداري وموقف السيارات الحاليين في شارع الاستقلال، وكان قد نزل لتوه من مبنى رئاسة الوزراء. ببنغازى و ما تلا ذلك الفعل من تداعيات على علاقة الملك الراحل ببقية افراد العائلة السنوسية و تطور الامر الى اصدار اوامره بنفى البعض منهم الى دواخل البلاد و طرد البعض الاخر من الوظائف العامة بالدولة داخل و خارج البلاد و الغاء بعثاتهم و تقييد حرية البعض الاخر فى مناطقهم بفرض الاقامة الجبرية التى عليهم فتأثر اغلب معارفهم و اصدقائهم و جيران عمرهم بتلك الاجراءات التى وصفها بعضهم بالظالمة … فكان أن تأثر شاعرنا المرحوم الاستاذ ابراهيم الهونى بما ألت اليه الامور حتى وصلت الى الحيلولة بينه و بين مواصلة اصدقائه منهم كالمرحوم السيد صفى الدين و المرحوم محى الدين الشريف و المرحوم الزبير السنوسى و ابوالقاسم السنوسي رحمة الله عليه و غيرهم ممن تربطهم به علاقة و صداقة و حميمية ندر وجودها الان ..
فلم يستطع إزاء ذلك الا البوح بما كان يعتصر قلبه و فؤاده من الالم و الحسرة على فقدانهم و على عدم القدرة على رؤيتهم و السؤال عنهم فكتب هذه القصيدة و اخرى غيرها بعنوان ” سكان الفويهات ” و لم يستطع نشرهم فى ديوانه الاول الذى نشرته له دار الاندلس للطباعة و النشر ببنغازى فى عام 1966م ( قبل وفاته بعام ) بسبب قرارات المنع التى لا تبيح النشر فى مثل هذه الضروف .. و ظلت هذه الاوراق حتى بعد وفاة شاعرنا حبيسة الادراج عند ابنه الاكبرالمرحوم فرج الى ان قام الباحث الدكتور قريرة زرقون نصر بنشر الجزء الثانى لديوان الشاعر ابراهيم الهونى بعد ان حققه و نقحه فى عام 2008م حيث رأت النور هذه القصائد لاول مرة .. و انا هنا انشر احدى قصائده هذه بعنوان “سكان الفويهات” فى اشارة واضحة لجيرانه منهم على أمل نشر البقية منهم فى مناسبات قادمة بأذن الله ..
سكان الفويهات …
إذا تذكرت سكان الفويهات ….. تسيل على خدى دمعاتى
وإن تذكرت ماض كان يجمعنا ….. هاجت كوامن قلبى و انفعالاتى
لازلت أذكر حبآ كان يجمعنى ….. بهم و غايته بذل المودات
أزورهم علنآ فى غير ما حرج ….. و لم تكن فترة بين الزيارات
مجالس ما حوت غشآ و لا ملقآ ….. و لا دسائس لا كالاجتماعات
هيهات هيهات أن انسلى محبتهم ….. مهما يحاول بعض الناس هيهات
قد أجلى البعض عنا لا لسيئة ….. عدت عليه و لا بعض الخطيئات
عجزنا حتى عن التوديع إذ رحلو ….. عنا و ذلك من خوف الوشايات
فلست تسمع منا يوم ان رحلوا ….. الا تردد اناتى و اهاتى
و أدمع فارقت اجفان صاحبها ….. كادت تنم على باقى الخفيات
و البعض باق و لا نستطيع رؤيته ….. هذا عجيب على قريب المسافات
كانت زيارتهم للناس مكرمة ….. فأصبحت عندهم كبرى الجنايات
أرى الجنود و قد حفت بساحتهم ….. كأنهم لم يكونوا أمس سادات
أمر يسير فما من محنة عرضت ….. إلا و يفرجها رب السموات
يا صاحبى يا شريف النجد طاهره ….. يا طيب النفس يا حلو الفكاهات
سألت عنى و قلبى لا يفارقكم ….. فسله إن شئت عن حزنى و حسراتى
كأننى فى لضى مما أصبت به ….. من المآسى و تشديد الرقابات
اجول فى الطرقات اليوم منفردآ ….. بحثآ على مخلصآ اشكوه حالاتى
فلم اجد غير مختال و ذى شبع ….. و ذى صلافة من اهل الشماتات
اعود و الحزن يطوينى و ينشرنى ….. و ليس لى من نصير غير عبراتى
هناك تتجة الآنظار مسرعة ….. و القلب فى أثرها نحو الفويهات
يا هل ترى هذه الآيام ترجعنا ….. من بعد هذا لآيام هنيئات
عليك منى و من قلبى و من مهجى ….. فى كل آونة أزكى تحياتى
______________________________________________________________
هوامش:
(1) الفويهات : حى من احياء مدينة بنغازى .
(2) ابراهيم الهونى : الشاعر ابراهيم محمد الهونى من اسرة شولاك و هى عائلة بنغازية تنحدر اصولها القديمة من مدينة هون التى هاجرت منها اسرته
ولد ابراهيم محمد عبد القادر شولاك الهوني في بنغازي عام 1907، وتلقى علومه الأولية بالمدرسة العربية الإيطالية وفقا للنظم التعليمية السائدة تلك الفترة، ثم نال شهادة امتحان التعليم عام 1938 واشتغل بمجال التدريس لطلبة المرحلة
الابتدائية في المرج وطبرق، وعمل مديرا لناحية القوارشة ثم منطقتي طليمثة والأبيار، وفي عام 1950التحق بسلك القضاء بعد اجتيازه تأهيلا له في هذه المهنة، عمل قاضيا في كثير من المناطق من ضمنها المرج التي جمعته مع شاعرين آخرين عملا أيضا في السلك نفسه هما ابراهيم الأسطى عمر و عبد ربه الغناي، ثم عمل وكيلا لمحكمة بنغازي الابتدائية
ومستشارا في الاستئناف.
بدأ الهوني اهتماهه بنظم الشعر منذ أعوام الثلاثينات من القرن العشرين وكتب بعض المحاولات في الشعر المترجم عن الإنجليزية لكنه لم يستمر في ذلك وآثر من ناحية أخرى تطعيم شعره العربي ببعض العبارات الإيطالية، ونشر شعره في صحف
“برقة الجديدة و “العمل” و “الرقيب” وله مساجلات شعرية مع الشعراء: الزبير السنوسي وحسن السوسي وعبدربه الغناي. واشتهر بقصيده الطويلة (حسناء قورينا) التي لم تنشر في ديوانه الصادر في طبعته الأولى عن دار مكتبة الأندلس في بنغازي عام 1966، وهي كانت تعتبر محاورة وسجالا مهما مع الشاعر أحمد الشارف وآخرين في طرابلس خلال مسار سنوات الأربعينيات السياسي الذي شهدته ليبيا، وتعتبر صدى شعريا لبعض المواقف والاتجاهات السياسية للأفراد والجماعات ذلك الزمن، كما أن للهوني معارك شعرية طاحنة مع الشاعرأحمد رفيق في الفترة نفسها وما بعدها وقد رثاه
الهوني بقصائد جميلة بعد وفاته في يوليو 1961، ونظم
الشعر الشعبي وله مساجلات في ذلك مع الدكتور على
الساحلي ولكنه ظل حبيس الخصوصية ولم ينشر.
قصائد ابراهيم الهوني كثيرة وقد دأب على تدوينها بقلم رصاص
في سجل خاص لم ينشر أغلبه وتولى بعد وفاته متابعة
تدوينها صهره القاص المرحوم بن عيسى عمرالجروشي.
توفي الشاعر ابراهيم الهوني في بنغازي
يوم الثلاثاء 31/10/1967 وكانت آخر قصادئه رثاء في المجاهد صفي الدين السنوسي الذي توفي قبله في القاهرة بأيام قليلة.
أنجز البشتي الطيب بشنه، رسالة دكتوراه عام 1997 عن الشاعر بعنوان (خصائص التركيب في ديوان ابراهيم محمد الهوني) وهي دراسة تحليلية في نتاج الشاعر في ضوء الأساليب اللغوية المعاصرة، صدرت ضمن منشورات مركز الجهاد الليبي عام2000 .
ابراهيم الهوني كان واحدا من شعراء المدرسة التقليدية في ليبيا والتزم بأجوائها وبنظام الشعر المقفى ولم يبرحه، وعبر شعره طوال حياته عن مواقفه النفسية ومشاعره الخاصة باستمرار فيما لجأ الى الرمز في بعضه من خلال مناجاته البوم ومخاطبته الحوت، وتناول فيه في مرحلة لاحقة التغيرات
والتبدلات والتطورات المفاجئة عقب ظهور البترول وتأثيره في حياة الناس والمجتمع الليبي ورثى والده ووالدته وعديد الأعلام والرجال في الوطن وخارجه
( مقالة للباحث سالم الكبتى بعنوان الذكرى الاربعون لوفاة الشاعر ابراهيم الهونى )
(3) الشريف محى الدين احمد الشريف السنوسى : شاب فى مقتبل العمر لم يكمل غداة اغتياله للمرحوم ابراهيم الشلحى عامه الثامن عشر حيث ان شهادة ميلاده الصادرة من مركز صحة مرسى مطروح تفيد بأنه من مواليد 26 اكتوبر 1936م و كان طالبآ بالجامعة الامريكية ببيروت و هو ابن اخ المرحومة فاطمة احمد الشريف السنوسى الملكة السابقة ..
(4) فهيم الخير : و هو المحامى الذى حضر مع الشريف محى الدين المراحل الاولى من التحقيق الى أن اصدر مصطفى بن حليم بصفته رئيسآ للوزراء أمرآ يوم 11 من نوفمبر 1954م الى دائرة المهاجرة بابعاده عن البلاد بحجة أنه مصرى الجنسية فألقى البوليس القبض عليه وأودعه السجن أربعة ايام حتى تم ترحيله .. رجع الى ليبيا فى بدايات السبعينيات و ظل فىها الى ان هاجر من جديد الى مصر ليتوفاه الله بعد ذلك فى منتصف الثمانينيات .. رحمة الله عليه
(5) سالم عبدالقادر الاطرش : محامى من مواليد مدينة درنة 1924م بداء بمزاولة مهنة المحاماة فى الاربعينيات من القرن الماضى و هو خريج كلية الشرطة و القانون بالقدس اشتغل فترة بتدريس اللغة الانجايزية و ـاف عد كتب لتعليمها فى بدء حياته العملية أنشاء تجمعآ للمحامين بمدينة بنغازى تولى ادارته بالاشتراك مع زميله المرحوم حسن عبيدة المحامى و المرحوم سليمان الصلابى المحامى ..
تولى الدفاع عن المتهم : الشريف محى الدين السنوسى الذى قام بأغتيال المرحوم ابراهيم الشلحى ناظر الخاصة الملكية أنذاك فى القضية المشهورة إضافة الى عدة قضايا اخرى عديدة .. تعرض للاضطهاد و التهديد و الضرب و الاعتقال من قبل اعوان النظام السابق توفى رحمة الله عليه فى عام 1998م