قصائد صباحية
ديالوج
كيف نعرف الصباح الكئيب!
البحر على يمينه والصحراء على شماله.
ما يحملُ من أصوات؟
رصاص المتقاتلين العميان.
هل تصحّ قهوته على الريق؟
عليكَ بالفودكا إن استطعت إلى ذلك سبيلا.
إذن صباحي هذا صباح كئيب حقاً.
*
قرأتُ بعض قصيدة للوركا هذا الصباح.
هل جرّبتَ قراءة الحارث بن حلّزة؟
ذلك جراب أخفيه لوقت الحاجة.
*
لم أرث من أبي غير ضنك ماهر في الاختباء.
وما كان يعمل ابيك؟
كان طبّاخاً أو مساعد طبّاخ.
حُقَّ له وحّقَ لك.
*
لقد رحل من العمر أكثره.
هل عصاك معك؟
وما شأني بها؟!
ستدقّ بها على أبواب كثيرة صمّاء ولن يسمع خطواتها غيرك.
سلحفاة
لو لم يذكرني لوركا بها لكنتُ نسيتها
سلحفاتي الصغيرة التي لم نسمها
وجدتها واقفة وسط الطريق في المنعطف الخطير لوادي كعام.
لعلها غادرت من الباب الذي فتحه المسلحون عنوة
لعلها تهشمت تحت إحدى سياراتهم
أو لعلها انتحرت تحت شجرة التين جوعاً!
شجرة
تلك الشجرة الصغيرة لم يغرسها أحد.
قريبة من ركن البيت وأكثر قرباً من كيس القمامة
التي تغلقه باحكام زوجتي كلّ صباح.
هل تعلم أننا نازحون من أرض المعارك؟
هل تستشعر كآبتنا وحرقة قلوبنا؟
لم أر طائراً يقف على أغصانها
ولا أسراب نمل تصعد جذعها.
أوراقها لا تسقط صفراء على الأرض.
ليتني شجرة مثلها.
قصائد القيلولة
في نشرة الحدث: صدفةً رأيتُ اهتزازة النهد في القميص الفخم.
——
في نشرة السكاي نيوز: تنهمر أرتال الملتحين كالمطر.
——
في نشرة البي بي سي: عصيّ وخناجر وسترات حوثية بلون الوحشة.
——-
في الفاصل الاعلاني بالإلبي سي: ساق في السماء وساق في البحر.
——-
في البي بي سي وورلد: كانت مترددة يد الضيفة بين الفخد الثري وسطح الماهوغني الناعم.
ما بعد ظهيرة حارة وأنا أحدّقُ في لوح رخامي كبير
طريقٌ يبزغ من أعلى الهضبة كشعر عانةٍ مبلول.
طريقٌ قصيرٌ مليء بروث الابقار السمينة.
النهر يتمهّلُ قليلاً عند قدمي العجوز النائمة.
كاد يسحب الطائرُ رغيف الخبز من صرّة الولد والبنت العاريين تحت الشجرة.
ظِلُّ الصخرة تقضمه فراشة زرقاء.
ما يفعل هذا الحوت الضخم يصعد تلّة المحاربين!
سحبٌ كثيرة تتجمع تحت حوافر خيلٍ مسوّمة.
قصائد مسائية
من النافذة المشرعة تأتي خشخشة أوراق اليوكيلبتس
لوهلة اعتقدتُ أن راعي البقر لوّح بقبعته!
——
شجيرات الرتم
تحيط بنباتات الشعّال
لم تتفتح أزهارها بعد.
——–
في سيارة النقل نوع كيا
مربع حديدي كبير
يا لخيبة ارسطو.
———
صاح الفتى بأعلى صوته:
بطيخ مسقي بماء الكوثر
حمرته لا شكّ فيها.
قصائد من بحر غرفتي
المصارعان بالأبيض والأسود مصارعان.
الصدر على الصدر
البطن على البطن.
—————-
كذلك لصخور البحر ورداتها.
آن يحطّ عليها خريف الماء
تطفو ككلمات تسقط من فم ميّت.
—————-
الفتيان اخرجوا قصيّهم
استغرقوا في العادة.
غابة المرجان مرّت بهم ليلاً.
—————
سترة القبطان
أزرارها تسقط وتعلوا
قاربٌ يتجه شمالاً.
قصائد الفجر
أريحٌ هذي
تهزأ بفكرتي
عن خيط العنكبوت؟!
———–
البندقية الكلاشنكوف ثقيلة
رائحة التي شيرت موحشة
الفتى غرق في النوم.
————
وراء أبعد أكمة
بيوت تحترق
لم يبك أحدٌ من النازحين.
شيموس هيني في صبراتة
سألتُ شيموس هيني والسماء تدنو كأنها تحملُ ثقلاً :
– ما تسمّون البحر بلغتكم؟
– نسمّيه البحر الكبير.
– هل أخبرتكَ، الساحلُ سريرُ البحر؟!
– ألم يقل ابن عربي: لجّةٌ ولا ساحل؟!
– كلّما رجع ابني من البحر، أجدُ ختم قنديل البحر على خدّه.
– هو من المقربين ولا ريب!
*
من طرف عيني قرأتُ ما كتبه شيموس هيني:
رشّاشة الماء تمطُّ عنقها لتقتنص نظرةً من بحر صبراتة.
رشّاشة الماء تحدّقُ في قطرات الماء على العشب.
*
جلس شيموس هيني على حافّة قبر الشهيد، قال لي بلكنته الإيرلندية:
لست متعوّداً على الشمس الحارقة. ثم أردفَ: قبرُ من هذا؟
كنتً قد انتهيت من اعداد شطائر السلمون وعصير النعناع المثلّج.
*
في السيارة، شيموس هيني بجانبي، الشمس تحاديه حارّة قاسية.
في المرفأ المحطّم، صيّادون نسيهم الوقتُ، وقِطّ رماديّ ينظف جسده بلسانه بهمّة.
*
أشار شيموس هيني بيده متسائلا:
ما هذه المباني التي شقّها الظلّ؟
كنتُ على وشك أن أجيبه حين لمعت صنّارة الصيّاد العجوز.
*
تراجعت سيارات الصيّادين فارغةً
من احداها تطلّ بندقية كلاشنكوف.
كان شيموس هيني شاحباً و….
لم أفهم ابتسامة الشاب الملتحي!
*
قال لي شيموس هيني ونحن نتقاسم الزجاجة الباردة:
في المرفأ المهمل تقترب الأسماك من الرصيف، تتلصص من بين شقوق الخشبات تقطف من شجرة الحزن -ما نسميه الصبر- ثم تسبح مليئة بالشجن.
*
جالسان، أنا وشيموس هيني قبالة البحر.
لم يقل شيئاً
لم أقل شيئاً
كان طنين الناموس يغرق المكان بالكآبة.
*
فكرّتُ أن أسأل شيموس هيني عن تلك الورقة في جيب صديريّته، ذات الحافّة الزرقاء! لم أعتقد أنها قصيدة كتبها على عجل كما لم أشمّ أي عطر فأقول أنها من احدى معجباته. حاولت يدي عدّة مرات أن تخطفها منه لكنني كلما اقتربت ملأتْ ابتسامةٌ ماكرةٌ وجهَه الجميل.