كاتب النص
كاتب نص (الحُفـاة) زكريا العنقودي عرفته قبل عقدين من الان في احد مدرجات كلية اللغات كنت أدرس الفرنسية وزكريا بقسم اللغة العربية،ثم طال غيابه عن الجامعة وأضنه تركها ليعود لمكتبة والده الشيخ محمد حجازي العنقودي والتي اجزم انه استفاد منها اكثر مما استفدته أنا على مقاعد الدراسة لسنوات طويلة . التقينا مرة أخرى في عمارة الصحافة أصبح أستاذي وكنت تلميذا انتهازيا معه أطلب منه بود مبالغ قراءة مأاكتب وتصحيحه قبل نشره مستغلا لغته العربية الفصحى الجميلة التي درسها على اصولها في معهد مالك بن انس الديني في الضهرة بطرابلس الليبيية واستفاد منها كثيرا عندما امتهن الصحافة.
زكريا العنقودي مثقف تشدك طريقة حديثه وكتابته سواء كتب عن شعر جرير والفرزدق ، أو عن تاريخ ليبيا أو حتى وهو يكتب على صفحته في تويتر والفيس بوك عن اقرانه في جامع الشيخة راضية أو عن نخلة الطابونية التي غرسها جده الاول في سور منزله، أو عن البلوز ميوزك، و الروك اند رول و عن الفن السوريالي وموسيقى اوربا.
احترف العنقودي مهنة الصحافة بحب وتدرج في سلمها المهني على أساس متين ولميستعجل الوصول لما يريد،بد أ محررا بصحف المؤسسة العامة للصحافة ، ومشرفا فنيا لبعض صحفها ،كما نشر بعض نتاجه الادبي في مجلتي (لا) و (الفصول الاربعة ) التابعتان لرابطة الادباء والكتاب الليبيين، تم استلم مهام تحرير صحيفة البيت وبعدها مجلة المؤتمر ثم رئيسا لتحرير صحيفة فبراير التي واكب صدورها الايام الاولى لثورة الليبيين في 2011
نص الحفاة
النص الذي أتناوله هنا نشرته أولا مجلة الفصول الأربعة في أحد أعدادها الخاصة ضمن ملف المشهد الشعري الليبي سنة 1993 ، ومجلة الفصول مجلة ثقافية شهرية, كانت تصدرها رابطة الأدباء والكتاب في ليبيا, تم أعيد نشر نص الحفاة في عدد من المدونات والمواقع الالكترونيه فنشرته مدونة سريب والمشواشي وكذلك في موقع بلد الطيوب وكلها مواقعً ومدونات تهتم بالأدب والثقافة الليبية على وجه الخصوص, كما لابد من الاشارة أيضا انني اتناول نص الحفاة هنا فقط كقاري وليس كناقد يعتمد منهجا نقديا محددا أو يتبع مدرسة نقدية معروفة فمعرفتي بالنقد لاتتعدى مقرر كتاب البلاغة في المرحلة التانوية منتصف الثمانينات من القرن الماضي، لذلك قراءتي لنص صديقى زكريا تعتمد بالاساس على انطباعات قاري عادي يهتم بنص فيكتب عنه دون تكلف أو تصنع ويحاول كشف خباياه دون قيد أو شرط طالما الغاية نبيلة والهدف مشروع.
قبل أن أعرف من هم الذين نعتهم العنقودي في نصه (بالحفيانين) كما في لهجة الليبيين ؟ ولماذا يخاطبهم منذ تسعينات القرن الماضي بهذة الحدة؟ خطر على بالي و أنا أقرأ حالتهم شاعرين : الاول شاعر فرنسا الكبير أرتر رامبو عنده وصفه الشعر بأنه(رؤية ما لايرى وسماع ما لا يسمع) ،والتاني الشاعر الليبي عمر الكدي وقصيدته(أرى مالا ترون) فهل فعلها شيطان الشعر عند العنقودي ورفع الغبش عنه ليحدرنا ويلوح في وجوهنا منذ زمن مضى بمفردات استخدمها في نصه مثل) جرذان تعدو لحتـفها، دخان من مجمرة، موكب الملك، بقايا المهزلة، المجزرة، المفعم بالهلوسة، الراقصون… الخ) قبل ان يخطب بها أعتى الطغاة من فوق السراي الحمراءعندما افاق الليبيون من الغيبوبة وقرروا رفسه بأرجلهم العارية. !!
يستهل الشاعر نصه بمفردة (الحفاة) التي تكررت كثيراً في النص ، ومع أن التكرار للمفردات بشكل عام يضعف البنية اللغوية للقصيدة، إلا أن زكريا استطاع وبسلاسة أن يكرر مفردة (الحفاة) في النص دون احداث خلل في بنيته، وحتى دون أن يلفت انتباه القارئ إلى مثل هذا التكرار. والنص في مجمله يحمل نبرة خطابية حادة تعكس نفسية الليبيين في فترة التسعينات حيث لن يحد القاري صعوبة ليكتشف نبرة الحزن وربما الخوف في مطلع النص (الحفاة..الذين نموا بسياط العسف) ويخاف الشاعر نفسه من القمع فيتجاهل كشف الاسباب التي اوصلت حفاته لحالتها فتسبق النتيجة الاسباب دون ان يعترض أحد.
ورغم أختفاء عامل الزمن في نص الحفاة بشكل صريح لغاية في نفس زكريا ، إلا أن الاحساس بوجوده فرض نفسه في النص نحو قوله (ليل لا يخون النهار، القمر يعتزل الانفصام،أيام بكر) مما أتاح ذلك عاملا مساعدا للشاعر لينكز بذكاء الحفاة الذين يريدهم أن يكفوا عن الاستهداء بالاضرحة كقوله ( يستهدون بالأضرحة) وان يتنفسوا عوضا عن ذلك الحرية ويمارسوها فقال (يتنفسوا أيامهم بطمأنينة) ولينعموا في نهاية المطاف كما ختم نصه ( بنومة عشق هانئة ).
وللمكان قصة في نص الحفاة حيت يهرب بنا العنقودي عن قصد أو بدونه مستعينا بحالته الشعرية ليحدثنا عن امكنة لاتعنيه ولايعيش فيها فكيف بالشاعر الطرابلسي الذي ولد في حي الشيخة راضية ، أعرق أحياءمدينة طرابلس الغرب ان يحدتنا عن الحمير التي تاكل البرسيم عند قوله (برسيم الحمير) و اتوقف قليلا هناكقاري للنص بعين تالثه فالمفردة وسط النص تقيلة وكان بامكان الشاعر أن يتجنب كلمة الحمير ويأتي باخرى وكأني به وهو ويفضحه نصه بشكل ملح عند تدخله فيما لايعنيه فالحمير الليبية لاتاكل البرسيم إلااذا كان يقصد حمير )الأرض اليتيمة) الارض التي قال عنها انها ( تمل الدوران) وهذا ملمحاخفيا جديد يضاف للنص برمته ويعكس سخط الشاعرعلى الحفاة وعدم رضاه عنهم ويصفهم بأنهم (ضالون،هائمون،مرتادون للكذب، جرذان تعدو لحتـفها )
فهل بعد عقد من الزمن استفز نص زكريا العنقودي الحفاة امثال البوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر وفتحي تربل في ليبياو وحتى توكل كرمان في اليمن لينتعلوا احذيتهم البالية ويهدموا بها قصور الطغاة ؟ ولما لا فالشكر موصول لصديقي زكريا على اية حال
سالم أبوظهير
مانشستر في28-6-2014