المقالة

هل قرأنا علي عبداللطيف حميدة؟ (1-2)

كتاب (الإبادة الجماعية في ليبيا) للدكتور علي عبداللطيف حميده
كتاب (الإبادة الجماعية في ليبيا) للدكتور علي عبداللطيف حميده

حقّق عالم السياسة الليبي – الأمريكي د. علي عبد اللطيف حميدة، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة نيوانجلاند الأمريكية، نجاحاً إعلامياً لافتاً في عامي 2023 و2024، وذلك بعد استضافته في عدد من المنصات الإعلامية، والبرامج التلفزيونية، والندوات، والمؤتمرات العلمية داخل ليبيا وخارجها.

ولعل أبرز تلك الاستضافات كانت الحلقة التي أُذيعت في بودكاست «فنجان»، الذي يقدمه الإعلامي السعودي عبد الرحمن أبو مالح، على منصة «يوتيوب»، بعدد مشاهدين بلغ قرابة المليون والأربعمائة ألف مشاهد حتى الآن.

أتاح الظهور الإعلامي لـ«حميدة» الفرصة لأفكاره، التي ظلت مدة طويلة حبيسة الكتب والمجلّات العلمية، لأن تصل إلى عدد أكبر من القرّاء والمهتمين بتاريخ ليبيا وحاضرها، خاصة أن كتابه الأخير «الإبادة الجماعية في ليبيا: الشر.. تاريخ استعماري مخفي»، الصادر في 2020، حاز شهرة استثنائية بالمقارنة مع كتبه الأخرى: «المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا» 1994، أو «الأصوات المهمشة: الخضوع والعصيان في ليبيا أثناء الاستعمار وبعده» 2005، وحتى بالمقارنة مع كتابه «ليبيا التي لا نعرفها.. دراسات منهجية في التاريخ والثقافة والمجتمع الأهلي»، على الرغم من صدوره عن دار الفرجاني في ليبيا عام 2015.

لا شك في أن للجدل الذي أثاره كتاب الإبادة دوراً رئيسياً في الظهور الإعلامي المتكرر لـ«حميدة»، نظراً لتسليطه الضوء على مسألة حساسة ليست في تاريخ ليبيا المعاصر فحسب، وإنما أيضاً في السياقين العربي والأوروبي اللذين لم يهتم حُكّامهما، ونخبهما، ومؤرخوهما، وأكاديميوهما، بالنظر إلى إبادة عشرات الآلاف من الليبيين في مخيمات الاعتقال التي أقامتها سلطات الاحتلال الإيطالية الفاشية التي كانت تستعمر ليبيا -آنذاك- بشكل منهجي وموضوعي.

وباستثناء عدد محدود من المهتمين بكتابات «حميدة» داخل ليبيا، فإن كتبه وأفكاره لم تحظ بالاهتمام داخل الأروقة الأكاديمية الليبية والعربية، بل يمكننا القول بأن أعماله لاقت اهتماماً أكبر في الأكاديميات الغربية، بالأخص ضمن مجال الدراسات النقدية لمدرسة ما بعد الاستعمار.

ويعود ذلك لأسباب متعددة: أولاً، لكونه يعبّر عن تيار فكري راديكالي ضمن الدراسات النقدية، والمعروف بمناهضته مدارس التحديث، والتحليل الوضعي الإمبريقي المهيمنة في الأكاديميات الغربية والعربية، بما فيها الليبية.

ثانياً، منع كتابيه «المجتمع والدولة» و«الأصوات المهمشة» من التداول في عهد نظام القذافي، على الرغم من أن المطّلع على أعماله يجد فيها إنصافاً، إن لم تكن الأكثر إنصافاً، لعهد سبتمبر (ينظر فصل: الجماهيرية: الأصول التاريخية والاجتماعية للدولة الشعبوية، في كتاب الأصوات المهمشة).

ثالثاً، أسهمت الفوضى الأمنية، والأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى إرث العقود الطويلة من النكوص الاجتماعي والتقهقر الثقافي الذي ظهرت نتائجه بشكل أوضح عقب إجهاض وفشل انتفاضة فبراير، في تشتيت انتباه الليبيين عن معرفة تاريخهم، مع اختلاط مرجعياتهم الفكرية والثقافية بين السلفية والتبعية، مما أبقى أعمال حميدة المتسمة -حسب وجهة نظري- بالانضباط المنهجي، والرؤية غير التقليدية للتاريخ الاجتماعي الليبي بعيدة عن الليبيين في مقابل ذيوع نوع من الأعمال التي سجنت الليبيين في إطار الثنائيات الجامدة «الخيمة/القصر»، «القبيلة/المجتمع المدني»، و«البداوة/الحداثة السياسية»، أو تلك التي لم يتعدّ مضمونها في أن تكون أشبه بتقارير أمنية موجّهة أساساً لدوائر استخباراتية أجنبية.

وللأسف، لاقت تلك الأعمال بسبب سطحيتها وهروبها من طرح الأسئلة العميقة رواجاً سريعاً بين الليبيين على المستويين الشعبي وحتى النخبوي – الأكاديمي.


بوابة الوسط | الأحد 22 سبتمبر 2024

مقالات ذات علاقة

الليبيون والهوية

المشرف العام

المدينة الرمادية

يوسف القويري

موكب الكلمات

عمر عبدالدائم

تعليق واحد

محمد حسن البشاري 8 أكتوبر, 2024 at 07:24

نعم يا صديقي لقد أختصرت كل شيء في السطرين الأخيرين وما يؤلم فعلا هو رواج السطحية في ليبيا حتى على المستوى النخبوي – الاكاديمي. وشكرا جزيلا على هذا المقال الرائع لتغطية أعمال الرائع علي عبد اللطيف احميدة والذي تشرفت بتغطية بعضه في مقالي الأخير عن العقيلة والذي كان المقال الأول لي الذي أنشره على هذا الموقع المتميز ويمكن الوصول اليه عبر الرابط :
https://tieob.com/archives/90817?fbclid=IwY2xjawFxro9leHRuA2FlbQIxMAABHap_FVD7UrIu-mXb485QFTuiTJ5eu8rOO37OOmdPoioMyRj4w5hlYOkkqg_aem_wy_vYy91eQ8SMhm8zXTXsw

رد

اترك تعليق