حيدر علي الأسدي | العراق
* هل ما ينتج هنا من كتابة عبر الذكاء الاصطناعي يعد إبداعاً حقيقياً أم أنه مجرد خوارزميات تكرر نمطية الكتابة بصورتها المسبقة؟
* صعوبة أن ينتج الذكاء الاصطناعي صورة شعرية أو جملة سردية ذات صور متخيلة افتراضية
* مهما تقدّم الذكاء في تطوير خوارزمياته باتجاه إنتاج نصوص أدبية تقارع ما ينتجه الجنس البشري من إبداعات في مجال الكتابة ستبقى كتابة «الإلكترون» جامدة وشكلية.
بلا بُعد جمالي
* النص البشري لا يمكن العبور عليه إلا من النواحي الشكلية.. أما الدلالة والجوهر وصياغة الصور وتخيل الأفكار الإبداعية وإنتاج المعاني من خلال الصور والأحاسيس فهي ملك الإنسان.
كل النظريات التاريخية والجمالية والاسلوبية والكلاسيكية والرومانسية والتطورية، لم تكن قادرة على مصادرة النص الادبي بمختلف الاجناس الأدبية، فالنص هو العتبة الأولى لأي عمل، سواء أكان أدباً أو ضمن نطاق الفنون الجميلة، حتى تلك الفنون التي تتسم بطابعها المرئي، ولكن تبقى جدلية الكتابة قائمة مع سيرورة التطور الفكري والفلسفي، والذي يتسم بالتحولات التي تجري على المستوى الفكري، وعلى المستوى التقني.
أدب الذكاء الاصطناعي
ومع موجة التطورات التقنية، التي أحدثتها الثورة الصناعية، ودخول مفاهيم جديدة لحياتنا في مختلف مساراتها، ومنها المجالات الثقافية، فإن الذكاء الاصطناعي حاول أن يقترب من جماليات الفنون، ويؤسس لفعل موازٍ لهذه الجماليات من خلال الجوانب التقنية وعملية ملء المعلومات بصورة مسبقة، في ظل هذا السيل الكبير لتدفق المعلومات من خلال الشبكة العنكبوتية، قرأت قبل مدة ان ثمة كاتباً غربياً (بريت شيكلر) أنشأ كتاباً إلكترونياً للأطفال، مكوناً من 30 صفحة في غضون ساعات، باستخدام برنامج شات جي بي تي، والكتاب أدرج للبيع في «امازون»، ومنصة «كيندل»، بهدف تعليم الأطفال كيفية توفير المال، وصدر كذلك في جامعة الملك عبدالعزيز في السعودية كتاب تحت عنوان «في أدب الذكاء الاصطناعي: الرؤية والنص»، بهدف التعرف على ملامح تطور حركة النص في أدب الذكاء الاصطناعي، على اعتبار ان هذا الامر يمثل تحولاً مركزياً في عملية صياغة الخطاب المشترك بين الإنسان والآلة، وكان من بين المنظرين البارزين في هذا الصدد هو فيليب بوتز، والذي تحدث في كتابه المهم «ما الأدب الرقمي؟»، عن التحولات الجذرية في الممارسات الثقافية في عصر التطورات الرقمية، ومنها مسألة التداخل بين النصوص والوسائط الأخرى.
توليد النص
لكن هنا لابد من الإشارة الى ان تقدم الذكاء الاصطناعي في مجالات الابداع الادبي، يأتي من محاولة انشاء خوارزميات تستطيع توليد النص، تتسم بالنسقية والانسجام والسلامة اللغوية، اذ يتم اعتماد نماذج الذكاء الاصطناعي من قبيل GPT-3 من OpenAI لإنتاج مجموعة النصوص لمختلف الاجناس الأدبية، ولكن هل ما ينتج هنا من كتابة عبر الذكاء الاصطناعي يعد ابداعاً حقيقياً، ام انه مجرد خوارزميات تكرر نمطية الكتابة بصورتها المسبقة، او المتاحة مسبقاً؟ ذلك لأن الانسان (مبدع النص البشري) يمتلك أخيلة وفكراً فلسفياً ورؤية، وينتج النصوص عبر الافتراض المتخيل، الذي قد لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي ان ينتج مثله، فهو (أي الكاتب البشري المبدع) يعمل على انتاج «جماليات صورية» في بنية نصه الادبي، وهذا ما يصعب على الخوارزميات، التي تتسم بالأنماط المكررة، التي تملى بصورة مسبقة كما اسلفنا، وان اعترف بعض الكتّاب في العالم باللجوء الى الذكاء الاصطناعي في بعض من كتاباتهم، الا انها تبدو ضمن الأطر الشكلية ربما جيدة من حيث التسلسل او اللغة والنحو، ولكن صعوبة ان ينتج هذا الذكاء صورة شعرية او جملة سردية ذات صور متخيلة افتراضية تهز «المتلقي»، وتحيله الى وقائعيات يعيشها أو مرت به ضمن نسق الهم الإنساني المشترك، فمهما تقدّم الذكاء الاصطناعي في تطوير خوارزمياته باتجاه انتاج نصوص أدبية تقارع ما ينتجه الجنس البشري من ابداعات في مجال الكتابة، ستبقى كتابة «الإلكترون» كتابة جامدة وشكلية، لا تتسم ببعدها الجمالي، الذي هو سر من اسرار صياغة موضوع ينفذ الى ذهن المتلقي، بحيث تكون ثمة جمالية في عملية التلقي تهزه وتشعره بالإحساس الإنساني في عملية التفاعل مع هذا النص، على عكس النص الرقمي بالكامل، والذي يفتقد هذا الإحساس البشري القائم على التعايش بين بني البشر ضمن المنظومة المجتمعية والسيكولوجية، وبالتالي انتاج نص من وحي الواقع ومن معاناة الواقع، على عكس الخوارزميات التي تنتج نصوصاً ترتكز على البناء الشكلي وحسب، وهي فاقدة لأبسط الأحاسيس والمشاعر البشرية، التي يمتاز بها النص البشري، وهو سر خلود العديد من القصص والروايات والنصوص المسرحية والشعرية لأنها كانت تمتاز بطابعها الإنساني.
النص البشري
ومن هنا لا أجد أي مخاوف ممكن ان تشغل المثقف والمبدع، لان النص البشري لا يمكن العبور عليه الا من النواحي الشكلية، اما الدلالة والجوهر وصياغة الصور وتخيل الأفكار الإبداعية، وإنتاج المعاني من خلال الصور والاحاسيس، فهي ملك الانسان، الذي يعد افضل من امتلك ناصية التعبير على الامتداد، وبالتالي لا يمكن لأي تطور الكتروني ان يفقده هذه الميزة والخاصية، والتي تتوالد بفعل الخبرة المتراكمة ضمن البناء المجتمعي والاحساس النفسي بتطوراته ومشكلاته، والتي تنتج مندمجة عبر هذه النصوص بمختلف الاجناس، مما يحسّن من عملية صياغتها ووصولها الى المتلقي، لأنها من صميم الهم الإنساني.
القبس الثقافي | 23 يوليو 2024م