مادغيس مادي
تمتعت بقراءة السيرة الذاتية للدكتور ادريس القايد، كانطباع أولي العنوان لا يفي الكتاب حقه في نظري، الكتاب فيه شذرات وقبسات رائعة بين عوالم وأزمنة عاشها المؤلف فهذه السيرة ليست ذاتية فحسب بل هذه ذاكرة جيل بأكمله، وهذا يذكرني بالسيرة الذاتية لكامل المقهور. الدكتور ادريس يجوب العالم ويرجع لشارع الزاوية والمقهور يرجع بنا للظهرة وكلاهما يجعل قريته محول لسيرته الذاتية بل يشتركا في انطباعهما عن مصر حيث قضى كلاهما جزء مهم من حياتهم هناك وفي أهم مرحلة من تاريخ مصر.
السيرة تدور حول ثلاث هموم واهتمامات للمؤلف: الدين وهاجس المعرفة وكيف تكون مسلم مثالي ومعايشته لكل التيارات ومحاولته الفهم أو الخوض في كل التجارب الدينية منها الصبيانية والملهمة، الموسيقى من السماع الى الممارسة الى الفهم على المستوى النظري والعملي. وآخرها مزاولة مهنة الطب وعلاقة المؤلف بهذه المهنة والثلاثي أعلاه قادت المؤلف وجسدت تفاصيل حياته.
في ثنايا الكتاب سير واشارات تاريخية مهمة استوقفتني فأعدت قراءة الكثير منها. كم تنميت منه سرد أوسع لسيرة أبيه وهو شخص على ما يبدوا عصامي عاش وعانى الكثير في حياته وهو مكون مؤثر مهم لشخصية الدكتور ادريس.
علاقة الدكتور بالجبل والتي اختزلها في قصص ظريفة منها حادثة البقرة والحمار. سرده جميل وممتع لتاريخ الموسيقى المصرية وأهم شخوصها وعلاقتها بالشارع الليبي ليبيا في نهاية الخمسينات التركيز على أوائل الستينات وشارع الزاوية ونادي التحدي آنذاك.
لا تخلو صفحة من السيرة من الفوائد التاريخية. وسوف تلاحظون تنقل المؤلف السلس بين النكات التاريخية ولكن!
مما يعيب الكتاب أنك تحس بالتيه أحيانا بسبب خلوه من تواريخ وخصوصا في مقدمة الكتاب وأنك لا تحمل نقطة انطلاق وهو يستدركه في عدة مواضيع تبني من خلالها هذه التواريخ بنفسك. فمثلا متى ولد متى دخل الابتدائي لكنه يحدد التواريخ من الاعدادية فترجع بيسر للصفحات الماضية وتحدد السنوات التي يتحدث عنها.
المؤلف يتسم بشجاعة كبيرة في الحديث عن مميزات الزمن الجميل كما يحلوا للكثير الحديث عنها لكنه يبين بعض العيوب المجتمعية التي ربما يستحي الكثيرون عن الحديث عنها. علاقة المؤلف بالدين المسجد والمجتمع علاقة قد يقع فيها الكثيرون لكنه كان صادقا مع نفسه في الكثير منها.
الكتاب بالرغم من كثرة فصوله وحجمه الا أنه جدا ممتع يشدك في كل ثناياه.
المؤلف عاصر وعايش الكثير من الشخصيات التي لا يجمعها أي علاقة سوى المؤلف وبحثه عن ذاته من خلال كل هذه التيارات. شغف منذ الصغر بالموسيقى يجعل من كتابه مرجع مهم.
تمنيت من الكثيرين من جيله أن يتركوا لنا نقطة انطلاق من سيرهم الذاتية لتبقى شاهدا على العصر.
شخصيا استفدت كثيرا من السيرة الذاتية التي في نظري لم ينصفها الكتاب فهي شهادة على جيل وعصر بأكمله بلغة بسيطة وسلسة وفيها صدق المشاعر بدون أي تكلف أو تصنع.
سعدت جدا بالقراءة للدكتور ادريس القايد وسوف اعيد قراءته مرة أخرى فالكتاب كون الكثير من الاسئلة في ذهني في عدة جوانب وأنصح بقراءته ووضعه في قائمة كتبكم لهذا الصيف.