من أعمال التشكيلي علي العباني.
قصة

شحّ السحاب في كفٍّ!

1

بعد أنْ أنطفأت مصابيح المساء الباهتات تأتى لها الحلم في حلة سحرية، صبية من مدينة العطر، فارسية السمت نجدية العينين غجرية الشعر، مرّ الحلم في غفلة مع رياح البساتين المعلقة في ابتهالات السماء وترنيم أنوار النجوم، ضوء القمر في ليل غافٍ لا يسهو عنها، غرفتها تعبق بشذى بخورعود رهيف يستشف المغيب وينادي بصوتٍ جدّ عجيب له رنين من كل جنسٍ…

2

رأت نفسها في علوٍ بعيداً عن الكائنات وعن فيافي المتاهات، تارة تلهو كفراشة برية بين بساتين تشدو بألحان سُنباطية، وتارة تلهد متمردة على صهوة جوادٍ أبيض فرحٍ، شامخ أصيل على بساطٍ وسيع من ” مكرٍ مفرٍ” حطه السيل في كلّ وادٍ خصيب، ينقر بحوافره الشرهة جلمود صخرٍ مترع بالدهشة فيخرج منه بئرٌ وعيونٌ ونهرٌ. نزلت هجعة دُجى على إمتداد السماء تمسح دمع النوافذ وترنو إلى طلائع الشمس وإلى كلّ نجمة صبح راسخة الأضواء…

3

 رأت نفسها تزدري وحشة المساء الشاحب وصبوات أحلامه الرّاجفة، رأت أنّها كانت تبتسم تملأُ الحياة بأوراق الربيع وغبطة غناء المطر، تأتي وتمضي في كلّ حين في شوارع المدينة الملهوفة على ري الظمأ المعلق في الفراغ، شامخةً بين صبايا حيّها، تنهل من شهد المُزنِ قصيدة الحياة ومن خلف الغياهب والظلال الوارفة تظل تنصتُ مع الليل الثقيل لأصوات الطل والندى.. وجهها مغموس بالرضى مع سريان البرد الخريفي ومع ايقاع الزمن الخفي، لم تسلك طريقاً مشابهاً لطرق الناس.. هكذا كانت تحرث الوقت للورد مُتحرّرة من ضجر الزمان..

4

استيقظت مع قطر الندى؛ تلامسُ الندى فيصير فاكهة شهية، أحست أنها تقاوم موج بحرٍ متموجٍ يندفع نحو دروب وسيعة يبحث عن جوادٍ في ليل جائع في الزمن المرّيشرب من شهد الحياة ومن دمه الطهور، الشمس لم تُشرق بعد ولا سرّ الشروق أباح بسره. غادرت بيتها بزمنٍ في شغفٍ مع وهج صهيل الفرس وهو يتحدّى بكبرياء الزمن المخذول…

5

 بعد أنّ ودعت الفراغ تحت سحاب الطريق الوعر وبعد جلمودَ صخرٍ حائرٍ. كان يوماً جميلاً وكان الربيع يهديها نوار العشية والياسمين من بين جنون المنحدر على التراب الطهور، فكلما حرابُ الزمان البغيضة تنال من جسد الروح، كانت قد رأت في عين الحقيقة إطلالة إنسان جديد في ” غزة” وأن التراب فيها يعاند شحّ السّحاب أما الأنسان فيعاند قلة الزاد في أنفة وصمود.

مقالات ذات علاقة

صورة لعِظام بالية

عبدالحكيم الطويل

السور

المشرف العام

10 قصص طويلة جداً

عبدالرسول العريبي

اترك تعليق