لم يكن ليفعلها لو كان في بلادٍ أخرى.
عندما قرر أنّه لم يعد يحتمل كامل البذاءة التي تجرعها منذ أن لقمته أمه الثديَ البلاستيكي بدلاً عن ثديها، وعندما مرّ شريط حياته رأى كل البصاق الذي تلقاه- لم يكن يدري لماذا تذكر البصاق فقط!-، تذكر تلك المرة التي بصق عليه مدرس التربية الإسلامية والتصق البصاق على جبينه كملصق لمنتج رخيص عندما صرخ في وجهه لأن لم يكن يحفظ الآيات جيداً ” اختفوا عليك يا حمار!”، تذكر المرات الكثيرة التي بصق فيها والده عليه، وتذكر الشرطيَ الذي بصق عليه ذات كبسة في الحمرا، فقرر أن يكون شرطياً ليبصق على الناس ولكنّ الثورة وما أحدثه جعلته مبصوقاً عليه من الجميع، حتى أنّه تذكر أحد من يسمونهم الثوار كان يريد مخالفته، بصق عليه بقوة، كانت خضراء مليئة بالوخام قال له ” تفوا عليكم يا عبيد معمّر!”. تذكر المفتي وقد بصق على الشرطة بفتاويه وتصريحاته حول شرعية الثائر الذي بصق عليه، تذكر الحكومة وقد بصقت عليه مجازياً، والكثير من البصاق الذي لم يتذكر منه تلك البصقة التي ألصقتها في وجهه صديقته القديمة خدّوجة عندما صرفقاته كف قائلة ” تفواعليك، ما تجيش راجل!”.
تذكر كل هذا وأكثر، فأصبح يملأ شدقيْه باللعاب حتى جفت غدته المفرزة للسائل الشبيه بالصابون، أصبح يتملق الوخامة العالقة بين بلعومه وصدره حتى تختلط بلعابه ليتماسك السائل أكثر، حتّى أنّه اضطر أن يتقزز ليقوم بالتقيؤ ويحبسه مع الخليط، توسع شدقيه، توسعا حتى أصبحا كبالون فتحولا لكرة فمنطاد، لم يعد يحتمل كل هذه السوائل الممزوجة داخله، تذوق في لسانه بعض من جوانح الدجاج المقلية من مقهى الضيافة وأحس بلدغة مايونيز، حتى أنه كان يعتقد أن القيء الموجود يعود لآلاف السنين، ألاف من الإيترات تتميع بين ضرس عقله وضرس قلبه، وجهه أصبح غير مرئي، جسده أيضاً، كل ما هو مرئي منه شدقان يتدلدلان بالسوائل مغطيان مساحة واسعة بالظل، وفي لحظة قذف به حتى ملأ المدينة ودخل حواريها وأزقتها، ماتت أسماك الميناء عندما امتزج السائل بماء البحر الملوثة في الأصل، وأصبح الصيادون يلعنون حظهم السيء عندما امتلأت جيوبهم بحبّات من الفاصولياء دبقة بالسائل الأخضر الصابوني الفقاعات، يقال أنّ ميزران والوادي أصبحا كالبندقية وأنّ ميدان الشهداء أصبح بحيرة مليئة بالشهداء، عمك فتحي أصبح يصنع فروبّي من السائل معتقداً إياه نوع جديد من الفواكه المخلوطة.
السائل اللزج الناتج غطى الأبواب ومدقاتها، النوافذ المليئة بالملصقات ودعوات التظاهر، وبائعو طواسي الشاهي في طريق الشط أصبحوا لا يفرقون بين الشايْ والسائل الدبق، المساجد غطّت على حلوقها الإفرازات، والسيارات المتهورة منها والبذيئة صارت تطوف داخل اللعاب الوخامي اللون.
خرج عجوز يكاد يشبه الزومبي قائلاً ” يا ولاد الربي” ناظراً إلى السماء، اعتقد ملتحي في كفره لكنه لم يكن ليتحرك ضده لأنه كان لاهياً في تخليص لحيته وملابسه القصيرة من النجاسة حتى يلحق صلاة الظهر، يُروى أنّ بائعة هوى تحت جسر الودان نفضت عنها ملابسها لأول مرة وأصبحت تعوم مبرزةً جسدها بجلدها الأفعواني، صرخ مجنون كان جالساً تحت نافذة لسكن شبابي قائلاً ” ما تعرفوش إديروها في حمامتكم يا فروخ الحرام” معتقداً أن السائل هو سائل منوي لأحدهم، ثم أضاف ” الـزززز” لكنه توقف ولم يستطع أن يكمل الكلمة، امرأة كانت حبلى اعتقدت أن السائل الملطخ جسدها والمكان إنما هو السائل الخارج مع وليدها، طبطبت على بطنها فوجدتها لازالت مكوّرة، استغربت، ومضت تبحث عن طفلها داخل البصاق.
قال مسئول أمني لإحدى المليشيات الشرعية : نطمئن الأهالي أن البصاق إنما كان نتيجة انفجار إحدى أنابيب البصاق الآتية من الجنوب لتصب في الشمال!
قال ناشط جهوي : حتى في البصاق لا نتساوى! تهميش لابد منه، حلّ عليكم الخراء !
أضاف المفتي: البصاق وتماسكه يذكرنا بالتمسك بالشرعية!
ثم قال أحد أعضاء المؤتمر الوطني التابع لتيار كهربائي ما: من فعلها هم أصحاب التيار الكهربائي المعاكس!
ويقال أنّ عريش سعيد قال : قد بصقت السماء علينا بعد أن قادت الثورة.
وأنّ ناشطة حقوقية في صفحتها على الفيسبوك قالت: لماذا لا نرى سوائل أنثوية؟ لماذا لا يفعل ذلك إلا الذكور!
ناد شيخ جامع قائلاً: هذا ما تبقى من طوفان نوح!
لكنّ ناشط سياسي قال: رائحة الجري تدل على رجعية، لماذا لا تستخدمون الحمامات يا جهلة؟
صرخ أحد المعتصمين الدائمين أمام رئاسة الوزراء وقال: يبصق زادان !
لكنه هو وحده الذي نام مستريحاً يومها متخلصاً من كامل البذاءة التي ورثها طيلة 100 عام، رأى في حلمه أنه بعد البصق الواسع المدى المعبي بالوخامة أنظف وأطهر وأقدس من الجميع، ولم تكن رائحة ” الجري” العامة المكان لتوقظه!
__________________________
نشرت في الحوار المتمدن