زهرة سليمان أوشن
الأزمات بقدر ما فيها من آلام وأوجاع بقدر ماهي محطات للتأمل والتدبر وفيها وقفات عميقة تستحق النظر والاعتبار.
ولعلي أحبابي الكرام في هذا المقال أقف معكم في نقاط موجزة مع أهم محطات الاعتبار من أزمة كورونا التي اجتاحت العالم هذه الأيام، سائلة الله أن يحفظنا وإياكم من كل شر، فأقول وبالله التوفيق.
# فيروس كورونا، فيروس صغير يحتاج إلى تكبير مئات المرات حتى نتمكن من رؤيته، كائن هو بين الحياة والموت، ينشط أحيانا ويركد أخرى، يتطور، يهاجم بطرق مختلفة، يعدد أسلحته ويختار مناطق المناعة في الجسم ليقلل قدرة الجسم على المقاومة.
العالم كله في حالة هي أقرب للعجز معه، زهقت بسببه أروح، وتغيرت أحوال وتعددت الخسائر سياحية واقتصادية واجتماعية وغيرها.
فهل من وقفة تجعل الإنسان يتوقف عن غروره ويدرك أن عليه أن يتواضع ويترك تكبره وجبروته، ويوقن بمحدودية قدرته فكائن صغير يمكنه أن يهلكه ويدمره.
لذا فالإنسان اليوم بحاجة إلى وقفة عميقة تجعله يتيقن حق اليقين أن الله على كل شيء قدير وأنه لا حول له ولا قوة له إلا بربه الذي أعطاه إمكانيات وقدرات وسخر له ما في السماوات والأرض ليقوم برسالته في الدنيا، عبادة وإعمار، بناء وإحسانا.
# ولو تدبرنا في الأزمة الأخلاقية التي تمر بها البشرية لوجدنا لها تداعيات كثيرة تطفح على السطح في ظل أزمة كورونا، فمئات الملايين من الأموال تصرف على الأسلحة والمخدرات والعمليات القذرة من أجل فئات تمتلي جيوبها وتتسع أطماعها لتتحول إلى تماسيح لا تحسن إلا الابتلاع في مقابل ملايين من البشر تحت خط الفقر، والجوع وفقدان المأوى وفرص العمل مختنقات يمر بها مجموع غير قليل من سكان هذا الكوكب، فأين الحكمة في هذا الطغيان والظلم الذي يجتاح العالم.
اليس كل ذلك مؤذن بالخراب والهلاك، أوليس هذا الخلل الكبير في تبذير الثروات وانتشار الفساد يؤدي في النهاية إلى سيل من المصائب والكوارث على هذه البسيطة، وصدق الله القائل في كتابه: – (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم الآية 41
# ومع هذه الأزمة وانتشار فيروس كورونا يتبين بجلاء أن الوجه النافع الذي يجب أن تبذل فيها الأموال هو أن تنفق في البحوث العلمية التي تخدم الإنسان في المجالات كآفة، صناعية وزراعية، صحية واقتصادية، اجتماعية ونهضوية، لا أن تهدر الأموال على صناعة الأسلحة ووسائل الدمار أو يتم إنفاقها على الترف والمجون.
ففي عالم قد لا يجد فيه الباحث تمويلا لمشروعه العلمي، نجد أن هناك آلافا ممن تسلط عليهم الأضواء ويسمونهم مشاهير وهم لا يقدمون إلا أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تحطم القيم وتساهم في تفشي الفساد، ونجد هؤلاء يلقون التكريم والتبجيل ويعيشون حياة في غاية الترف والدعة.
يحدث هذا في عالمنا فيعكس غيابا للرشد وضبابية في الرؤيا وخللا في الموازين وصدق الشاعر حين قال: –
عالم ضاعت الموازين فيه
فغدا الدرهم الرديء جنيها.
# وفي مقابل ذلك الغث من القيم الفاسدة التي تعلو كزبد البحر في الملمات وعند الأزمات تظهر القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة التي تعلو بالإنسان وتساعده على اجتياز المصاعب والخروج من المجن والعبور إلى آفاق الراحة والاستقرار.
تلك هي قيم التعاون والتعاضد وأخلاق العطاء والإحسان.
فالبشر جميعا يعيشون على أرض واحدة وهذه الجائحة عبرت الحدود والقارات، ولن تتجاوز البشرية هذا الوباء الخطير ولن تتمكن من التصدي لكثير من مشكلاتها حتى تعي أهمية التعارف والتعاون وتبني جسورا من التواصل البناء وتصنع علاقات تقوم على الحب والمودة وتخلق أجواء من الاحترام للإنسان مهما كان دينة أو عرقه أو لونه.
# لذا فعلى كل الساعين لخير الإنسانية أن ينادوا بنشر هذه القيم النبيلة ويعملوا على ترسيخها في الأجيال ويساهموا في الدفع باتجاه السلام والانتصار للمبادئ السامية وتغير المفاهيم التي أدت إلى خلل في كبير في حياة الناس على هذا الكوكب.