رشاد علوه
فيما يتصاعد الدخان ليغشى عينيه فيغمضهما، ساحبا نفسين من غليونه ليشتعل ويوقد الحريق في صدره، ويقوم بنفثه مع آهة طويلة، وزفرة من أعماقه متذكرا الأيام الخوالي، يعيد قطعة الحطب لمكانها تحت إبريق الشاي الأخضر الذى تحول الى اللون الاسود الفاحم، بفعل حريق النار أسفله.
التفت نحوي متسائلا: كيف تركت البلاد ورائك؟
لا رغبة لدي أن افتح مخزون ذاكرته، وأيضا لا أريد أن افسد على نفسى ساعة فسحة بعيدا عن هموم السياسة، وهموم البلد التي هو عادة ما يفر منها مع شروق أول شعاع للشمس، واعتدت أن ألحق به عند المساء لنقضي معا بمزرعته حوالى ساعتين بعيدا عن هموم البلاد؛ كما يحلو له أن يسميها شاي بالنعناع.
كان دائما يقول لي: هنا أجد قليلا من العافية برغم وجود جهاز الراديو بالمزرعة. إلا أنه قليلا ما تجده يعمل.
أخد قطعة كرتون وتناول بها إبريق الشاي، وضع كمية من السكر، قام بتصفية الشاي من الحشيشة، وبدأ في خضه لكى يعقد ومن ثم تناول شيئاً من النعناع، بدى طازجاً ومنعشاً تضوع رائحته بالمكان.
أعاده على الجمر لكى يسخن ويساعد على امتزاج النعناع بالشاي، وقام بصب طاسه ناولني إياها واخرى له، ووضع الإبريق على حافة الجمر كي يبقى ساخنا وجاهزا للصب حالما نحتاجه.
أكملت الشاي وأخدني في جولة لأشاهد خرافه التي ولدت بالأمس، كانت جميلة وصغيرة، تتنطط في حبور، اقترب منها واطمئن أن بطونها ممتلئة باللبن، أعطاها كمية من العشب وغادرنا المكان.
اليوم أتجول هنا في عين المكان بعد ان ارتحل ذلك الصديق وانطفأت النار، وبقيت عالة الشاي في مكانها تشهد على تلك الايام الخوالي، وهكذا هي الأيام دول ولا يدوم إلا من له الدوام.