الشاعر والناقد المصري د.محمد أبودومة
طيوب عربية

أبودومة يروي شكاية الأيام

MEO

“لا تلعن البحر يا نورس الصيف
إنه وهمك المتهالك
إنه بيتك الرمل
إنه البحر، تنعش بشرتنا ريحُهُ الباردة
نوشوش أصدافه أعذب الذكريات
لكنما جوفه الحجري
يبسم للشدو، بسمته للبكاء
تُحرقنا شمسه المالحة”
(من قصيدة “اللحن لا يشاطرنا الفرح”)

الشاعر والناقد المصري د.محمد أبودومة
الشاعر والناقد المصري د.محمد أبودومة (الصورة: الشبكة).

“السفر في أنهار الظمأ” أحد دواوين الشاعر المصري الذي رحل عن دنيانا الأحد 30 ديسمبر/ كانون الأول محمد أبودومة، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في حوالي 150 صفحة، يضم بين دفتيه 16 قصيدة بعضها طويل جدا كـ “مقامات الرحيل في مقل الغربة الجاحظة”.
والديوان، وقت صدوره كان يمثل إضافة جديدة للشعر التفعيلي الحديث، من ناحية الشكل والمضمون معا. قد تصدمك أحيانا بعض الكلمات، إما لأنها من الكلمات القاموسية التي نسينا التعرف عليها مثل “بقبقة” أو للجرأة في استخدام هذه الكلمات في سياق غير مألوف مثل “قاءت رياحُ البين”.
ومن خلال قصائد الديوان يتجول بنا الشاعر عبر أروقة التاريخ العربي الإسلامي لا لكي ينقل لنا بعض الأحداث أو الوقائع التاريخية، ولكن لكي يتخذ من أسماء وأفعال وأحداث حدثت من قبل رموزا أو أقنعة لما يكمن في صدره، ولا يريد أن يبوح لنا به صراحة، يقول:
“وجئتك – خامس الخلفاء – يجذبني رواء الحق
وقفت ببابك المغلق
رويت شكاية الأيام
فانصفني
ولست بأرعن معتوه
أطالبكم بحكم الله في الموتى
فقد بلّغت .. أن الطير قد بترت قوادمه
وحلّق ريشه الأعصار
ولكني أطالبكم بحكم الله في الأحياء
وأنت الخامس المرجو
أخاف عليك من عدلك
أخاف عليك من نفسك
أخاف عيك من حراسك الخلصاء
فمازالت تعشش في جوانحهم فراخ المقت
وحين يحين حينهمو
وأنت الخامس المرجو
أخاف عليك ..
تروح ضحيةً للسهو ..
تروح ضحيةً للسهو” 
(من قصيدة “مشتكاي .. يا خامس الخلفاء”) 
ومن المعروف تاريخيا أن خامس الخلفاء هو الخليفة عمر بن عبدالعزيز، ولكن الشاعر يتخذ في البداية قناع الفلاح المصري الفصيح، ثم يعلو صوت السارد الحقيقي في مخاطبته لخامس الخلفاء الراشدين.

إن لغة أبي دومة تجئ مناسبة تماما لما يريد أن يقوله لنا، وما عليك – عزيزي القارئ – إذا صدمتك كلمة معينة إلا أن تفتح عنها القاموس فينكشف لك معناها فتفهم على الفور مغزاها. 

إن أبا دومة لا يكتفي بالرجوع إلى التراث العربي والإسلامي وحده، ولكنه أيضا يعود بنا – أحيانا – إلى التراث الغربي فيأخذ من رموزه الآله بوسيدون إله البحر في الميثولوجيا الأغريقية والرومانية:
“قدمت القربان لبيت الآلهة المتهدم 
بمعاول دمعات الجوعى 
وأراها قادمة بين خياشيم الأمواج 
تكلؤها رحمة “بوسيدون” الطاهر للشطئان” 
(من قصيدة “لقاء أخير من سقراط”) 
وأخيرا نقدم هذه الأبيات القريبة إلى القلب التي تستطيع أن نحفظها من القراءة الأولى لسهولتها وغزارة معانيها، ونشير هنا إلى أن الشاعر استعار البيت الأول من شعر الشاعر اليمني عبدالله البردّوني الذي يقول فيه:
عجيب أمر ما يجري ** وأعجب منه أن تدري 
ألا تدرين يا صنعاء ** من المستعمر السري؟ 
غزاة لا أشاهدهم ** وسيف الغزو في صدري 
ويقول الشاعر محمد أبودومة:
“(عجيب كل ما يجري ** وأعجب منه أن تدري)” 
وموتورون في المنفى ** ومغتربون عن عمدِ 
ومكتئبون في المنفى ** ومنسيون في البلدِ 
لنا أهل .. لنا وطنٌ ** بلا أهل .. بلا وطن” 
(من “مقامات الرحيل في مقل الغربة الجاحظة”)

وقد أصدر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، برئاسة أمينه العام حبيب الصايغ، بيانًا نعى فيه الشاعر والأكاديمي المصري الكبير د. محمد أبودومة، أستاذ البلاغة والنقد الأدبي المقارن، بكلية دار العلوم جامعة المنيا. الذي فارق دنيانا الأحد الثلاثين من ديسمبر/ كانون أول 2018، عن عمر ناهز الـ74 عامًا.
وقال الصايغ إن رحيل الدكتور محمد أبو دومة يعد خسارة كبيرة للساحة الشعرية والأدبية في مصر والوطن العربي، حيث كان صوتًا شعريًّا مميزًا، وله إسهاماته الظاهرة والكبيرة في الحراك الثقافي في مصر من خلال المواقع التي شغلها ونشط فيها، سواء في الجامعة، أو خلال عضويته لمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر عدة دورات، ورئاسته لفرع جنوب الوادي، أو حين شغل موقع مدير تحرير مجلة “القاهرة”، ومجلة “الكتاب” أو عضو مجلس تحرير مجلة “فصول”، التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وأشار الأمين العام إلى أن الراحل الكبير الحاصل على الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن، كان يجيد اللغات الإنجليزية والفارسية والمجرية، وعمل مترجمًا ومصنفًا للمخطوطات الفارسية والتركية، ورئيسًا لقسم المقتنيات الفارسية والتركية بدار الكتب المصرية، وشارك في العديد من المؤتمرات الخاصة بالاستشراق وقضاياه وفي المهرجانات الشعرية العربية والمحلية.
يذكر أن الشاعر الكبير محمد أبو دومة صدر له العديد من الدواوين الشعرية، منها، المآذن الواقعة على جبال الحزن 1978، السفر في أنهار الظمأ 1980، الوقوف على حد السكين 1983، أتباعد عنكم فأسافر فيكم 1987، تباريح أوراد الجوى 1990، الذي قتلته الصبابة والبلاد 1998.. بالإضافة إلى إصداراته في مجال النقد.

مقالات ذات علاقة

تجربة الكتابة العلمية في أدب الطفل واليافعين

حسين عبروس (الجزائر)

عابرة طريق

نورالدين بن بلقاسم ناجي (تونس)

هل العزلة ثقافة أتصال أم انفصال؟ (0 ـ 7)

إشبيليا الجبوري (العراق)

اترك تعليق