حسين عبروس | الجزائر
العلـوم والمعارف هي تجارب السنوات التي تمنح صاحبــها القدرة على الوصــول إلى حقائق الباهرة، وليس مـــن السهـل الوصول إليها إلا بعـــد جهد كبيـــر من البحث وتقصّي أسرارها، وهذا بالنسبة للعلـــماء الذيــــن يخوضون الإبحار فــــي هذا المجــال على اختلاف مجالات العلوم والمعارف، ويختـلف الأمــر مع الكاتب الموهوب الذي يكتب للطفل، فالكتابة العلمية للطفل تتطلب شروطا فنية ومعرفيـــة تسمـــح لصاحبها بتقديـم نص أدبــي بأسلوب شيّــق ممتــع، وبلغة سهلة رائقــة من السهل الممتنع يصعب تقديمها من قبل أيّ كاتب آخر، والحقيقة التي تغيب عن أعين الكثير ممن يكتبون للطفل بأنّ النص الموجه للطفل هو نص يصلح للكبار كما يصلح للصغار وبخاصة إذا تعلّق الأمر بالكتابة العلمية، ولذا يمكنـنا القـول بأنّ تجربة الكتـابة العلمـية للأطـفال واليافعين مـن البنـات والبنـين تقـوم علـى أسـس فنيّـة دقيـقة قـد يجهلها الكثيـر مـن الدارسيـن، والمهتمـين من الكتاب بهذا اللون من الأدب الموجّه لهذه الفئة من القرّاء.
– تقـوم الكـتابة العلمـــية فـي أدب الطفـل واليافعـين على أسس فنية تختلف من نص لآخر، ومن موضوع لآخر، فالطفل في كثير من الحالات لا يحبّذ المواضيع المعقّدة وخاصة إذا تعلق الأمر بسرد قصة أو حكاية، ويفضل في الغالب النص الأدبي الذي ينبض بالأحداث المشوّقة، والتفاصيل الدقيـــقة، وبالشخصيات الغرائبية التي تمنحه فرصة المتعة، والتأمل، كما تمنحه في مستويات أخرى فرصة الضحـك والتسلـــية، وقد تشغلـه فـي بعـض الحالات تلـك المواضيع ذات المدلول العلمي في بساطته التي تجعله يبحث دائما عن المزيد من المعارف العلمية، أمّا الأمر عند فئة اليافعين واليافعات فيختلف الأمر بحيث تشغلهم القضايا العلمية التي تكون ضمن النص القصصي والنص الروائي، وتقبل هذه الفئة من الناشئة على تقبل تلك المعارف العلمية تدعيما لقدراتهم، الفكرية والفنية، وفي الغالب يجد الكاتب لأدب الطفل واليافعين صعوبة في تقديم تلك المعرف العلمية ضمن تجربة الكتابة الأدبية، ومن أهمّ شروط الكتابة العلمية يجب علينا اتباع الخطوات الآتية:
– أن يكون الكاتب على درجة معينة من الموهبة والقدرة الإبداعية
– أن يكون ملمّا بفنيات الكتابة الأدبية، ومتحكّما في أدواته الفنية اللغوية والنحوية
– أن يمتلك قدرة على تطويع المصطلح العلمي، وتوظيفه داخل النص السردي المراد تقديمه
– وعليه أن يختار المجالات العلمية التي تتماشى مع صيغة الموضوع كتحديد عنصر من العناصر العلمية المختلفة وبناء النص وفق متطلبات معرفية تساعد القارئ على فهم النص الوجه إليه
– كما يجب على الكاتب أن يكون ذكيّا في كيفيّة توظيف المعلومات، والمعطيات العلمية داخل النص الأدبي الموجه للصغار، وعدم الوقوع في مطبّات الأخطاء العلمية.
– وتختلف الكتابات العلمية في أدب الطفل واليافعين من مجال لآخر، وأنت تكتب عن شخصية علمية معينة، وعن موضوع علمي آخر في مجالات العلوم كالطب، والفيزياء والكيمياء مثلا. فلكلّ موضوع أسلوبه وطريقته المحبّبة، وذلك من أجل تقريب القضايا العلمية والمعرفية من مستوى القارئ الصغير، وعدم نفوره من التعقيدات العلمية الصعبة التي يحتوي عليها النص.
– إنّ التجربة العلمية في أدب الطفل واليافع السليمة تعطي القارئ الصغير القدرة على فعل التأمل، والتدبّر، وتساعده على مواصلة البحث التلقائي من خلال ما تشكّلت لديه من معارف علمية يمكن توظيفها في ميادين متنوّعة في حياته الدراسية، وفي تجاربه المختلفة، وشتان بين من ينقطع للدراسة العلمية الخالصة، وبين من يدخلها من باب القراءة الأدبية المضمخة بأسلوب مشوّق هادف يمتزج فيه الواقع بالخيال العلمي المتأدّب.
– من خصائص هذا النوع من تجربة الكتابة العلمية أن يكون التوظيف العلمي على درجة كبيرة بحيث يعطي القارئ فرصة التّعرف على دور العلم في حياتنا اليومية، وكيفية الوقاية من الأمراض، والمحافظة على الصحة العامة، والبيئة، كما تساهم في تقوية المعارف العلمية لدي الطفل واليافع، وتكوين قاموسه العلمي والمعرفي الذي يصاحبه قاموس لغوي سليم، وتكسبـه مناعة لغوية الخالية من الأخطاء المختلفة، وتبعث فيه روح محبة العلم والجمال معا، وتشدّه دائما الى تلك الأسرار العلمية الخفيّة.
ومن عيوب الكتابة العلمية التي قد يغفل عنا الكاتب:
– استخدام المصطلح العلمي دون تمحيصه والتأكد من صحته.
– استخدام الجمل الطويلة التي تنفّر القارئ من صياغتها، وعدم تقبلها.
– السرد المباشر القاتل للمتعة الفنية والجمالية في النص.
– غياب عنصر الحوار في النص العلمي، وغياب عنصر التشويق.
وهنا يمكننا تقديم نص متكامل يشتمل على فنيات وأساليب تجعل القارئ الصغير يقبل على تقبل مثل هذه المواضيع العلمية بحب وبرحابة صدر، وبمتعة لا حدود لها.