المقالة

محمد حسن صوت موجوع يسكن وجدان الليبيين

صحيفة العرب (فتحي بن عيسى)

الفنان محمد حسن.
الصورة: عن صحيفة العرب.

الصوت الليبي محمد حسن صاحب الروائع الليبية الخالدة، وملحن كبار الفنانات المغاربيات والعربيات أمثال الراحلة وردة الجزائرية، والمغربية سميرة سعيد، والمصرية غادة رجب، ولطيفة العرفاوي والراحلة ذكرى محمد من تونس، عانى بعد ثورة 17 فبراير الليبية التهميش والإقصاء، وها هو اليوم يرقد في إحدى المصحات التونسية بعيدا عن أهله ومحبيه، فهل آن لعقولنا أن تفي صاحب رائعة “يسلم عليك العقل” حق عقله وفنه؟

يرقد هذه الأيام في إحدى مصحات تونس الفنان الليبي محمد حسن، الذي تذكرنا فجأة أنه قامة وقيمة فنية، لها لونها المميز وطابعها الخاص وبصمتها الفريدة، وهذا أمر معتاد فعلى المبدع والمثقف والفنان أن ينتظر لحظة ألم ظاهر حتى نظهر مشاعرنا نحوه وتقديرنا له، وهي حالة تبلغ ذروتها يوم أن تخرج علينا الصحف تنقل خبر وفاته “أطال الله عمره”، لنتفنن في عصر ذاكرتنا واستحضار كل إيجابي في حقه بعدما تفننا في طمسه يوم كان بيننا، حيث تكفيه كلمة طيبة، أو نكف أذانا عنه.

أسئلة العقل

“يسلم عليك العقل”، من أشهر أغاني محمد حسن، والعقل هو ما نفتقده اليوم، وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى يضرب بالحالة الليبية المثل للأمم عن أهمية العقل، الذي إن غاب غاب معه كل شيء. ليبيا بلد حباه الله بكل خير، نفط من أجود الأنواع وبكميات هائلة، طاقة شمسية تكفي وتزيد ويمكن تصديرها، ساحل من أجود السواحل وأغناها ثروة بحرية وثروة سياحية، صحراء مترامية الأطراف تدفن في جوفها معادن وخيرات علمنا بعضها وغاب عن علمنا أكثرها، موقع جغرافي مميز يربط بين القارات جوا وبرا يمكن أن يدر علينا دخلا يكفينا وزيادة وفوق الزيادة.

قطاع السياحة فقط، يكفينا لو كانت لدينا عقول، فالسياحة البحرية متوفرة، والسياحة الثقافية لهواة الآثار والمعالم التاريخية تغطي كل العصور من قبل التاريخ، والسياحة الصحراوية، حدث ولا حرج، والسياحة الدينية، والسياحة العلاجية، وكلها مطلوبة في العالم خصوصا مع جودة مناخ البلاد واتساع رقعتها وقلة سكانها، تدر جميعا دخلا وتوفر فرص عمل تبدأ من سائق سيارة الأجرة ولا تنتهي بالمرشد السياحي، مرورا بالصناعات اليدوية، فالمطاعم والمقاهي والفندقة.

هذا بالإضافة إلى ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي لليبيين الذين سيعملون في هذه القطاعات، إذ هم بحكم عملهم مضطرون اضطرارا إلى تعلم اللغات وكسب مهارات التعامل مع مختلف الأمزجة والنفسيات والمستويات، مما يكسبهم أموالا وثقافة ومعرفة. يسلم علينا العقل، ويسألنا هل استوعبتم أهميتي في حياتكم أم لا؟ ويسأل ماذا فعلتم بنعم الله عليكم؟ لماذا لم تسخروها لخدمتكم ورفعتكم لتستفيدوا وتفيدوا جواركم؟ ماذا فعلتم بنعمة الصيد وأفضل أنواع السمك الذي منحه الله لكم؟

ماذا فعلتم بقطاع النقل والمواصلات لتصلوا العالم وتكسبوا الأموال من ورائه؟ ماذا فعلتم بقطاع الصحة ولديكم أبناء وبنات يعملون في أرقى مستشفيات العالم؟ ماذا فعلتم بالأرض الخصبة التي وهبكم الله، هل زرعتم فيها شيئا وقد أثبتت هذه الأرض يوما قدرتها على إنتاج أجود الخضروات والفواكه فغزت أسواق العالم؟

يسلم علينا العقل ويسأل لماذا تتقاتلون، وكل هذه الخيرات بين أيديكم، شعب قليل العدد، يقطن مثله مدينة واحدة من مدن القاهرة وليست مصر، ويديرها مركزا شرطة فقط، فما بالكم كيف تحكمون؟ يسلم علينا العقل ويذكرنا بمالطا التي تبلغ مساحتها 316 كيلومتر مربع فقط ومساحة عاصمتها 800 كيلومترا مربعا فقط، بينما ليبيا مساحتها 1.8 مليون كيلومتر مربع تقريبا، وعاصمتها طرابلس 400 كيلومتر مربع، ويذكرنا كيف كانت مالطا وكيف صارت، وكيف كنا وكيف صرنا وإلى أين سننتهي طالما استمرت عقولنا في غيبوبة! ويأبى العقل إلا أن يذكرنا بالإمارات العربية المتحدة كيف حولها العقل من صحراء قاحلة إلى مركز عالمي للتجارة والتقنية والعلوم، مساحتها 83.6 كيلومتر مربع فقط، فعندما حضر العقل تحول التراب إلى تبر.

لن أتحدث عن اليابان التي دُكت بالقنابل النووية وكيف نهضت من عدم، ولا عن الصين وكيف تدير شؤون مليار ونصف المليار مواطن، وكيف وصل احتياطيها النقدي إلى 3 ترليون دولار (كم واحدا يعرف دون الاستعانة بأي وسيلة كم صفرا يجب أن نكتب يمين الرقم ثلاث ليصبح ترليون)؟!

نقم النعم

يسلم علينا العقل ويخبرنا ويخبر من خلالنا كل العالم أن الموارد والأموال والخيرات والنعم هي في باطنها نقم إن غاب العقل، وحل محله الجهل والتخلف والعصبية، عندها يقفل باب العمل ويفتح باب الجدل، وننشغل بأوهام الزعامات الكرتونية، والانتصارات اللفظية والملاسنات البدائية، ويصبح الشغل الشاغل لنا كيف نسحق بعضنا البعض، ونتفنن في التنكيل ببعضنا البعض، وتكفير بعضنا البعض، نحقد على بعضنا البعض لأجل الحقد، حتى وصلت بنا الحالة إلى أن نقول عن شخص ما “والله نكره لله في الله” ردا على سؤال لماذا تكرهه؟ هل سرق؟ هل قتل؟ هل وهل وهل، فيكون الجواب لا، ولا، ولا، فقط أكرهه لله في الله.

يسلم علينا العقل ويخبرنا إن لم نتوقف ونعد الاعتبار لنعمة العقل، فمصيرنا الهاوية لا محالة، ولن ينفع الدعاء في مواطن العمل، فهذا يسمى التواكل وليس التوكل، فما غاب العقل عن قوم حتى غيبوا عن الوجود وصاروا نسيا منسيا.

مقالات ذات علاقة

القدوة المتجهة نحو السراب

آمنة القلفاط

أين سُرّتي يا أمي؟

أحلام المهدي

الصحافة في يومها

فاطمة غندور

اترك تعليق