متابعات

الجمعية الليبية للآداب والفنون.. صراع الخيمة والقصر ..رؤية نقدية للمشروع الحداثي الليبي”.. بدار حسن الفقيه حسن للفنون

لقاء جديد اقترحته علينا الجمعية الليبية للآداب والفنون بدار الفقيه حسن مساء الثلاثاء الماضي  الموافق 04/04/2017م  بباب البحر المدينة القديمة طرابلس والذي تمثل في إقامة ندوة فكرية كان محورها كتاب ” صراع الخيمة والقصر . . رؤية نقدية للمشروع الحداثي الليبي ” للدكتور مصطفى عمر التير ,

صراع الخيمة والقصر كتاب الدكتور مصطفى عمر التير

 حيث أُلقيت أربع ورقات أضاءت إلى حد بعيد وقاربت ما جاء في الكتاب وتناولت أهم أفكاره والآراء التي احتواها والأهم من ذلك بسطتها وقدمتها للمتلقي بصيغة سهلة متخففة من رصانتها العلمية وجديتها المنهجية .
البداية وكما هو معتاداً كانت مع مدير النشاط الذي بادر بافتتاح الندوة بكلمة تقديمية مقتضبة مهدت لما سيأتي بعدها من تحليلات واستعراض لفصول الكتاب ,
وتأتي هذه الفعالية تنويعا لأنشطة الجمعية وتعزيزا لدور الكتاب وترسيخا لهذه السنة التي من شأنها أن تدفع إلى المزيد من الأجتهاد في تأليف الكتب من قِبل الكُتاب والمختصين , ولا يخفى على أحد أهمية هذا الفعل سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام وللمجتمع كافة .
الأستاذ مفتاح قناو الذي أدار الندوة باقتدار رشَّح الكاتب رضا بن موسى لقراءة أولى الورقات البحثية التي اختار لها عنوان ” في وصف الحالة الليبية ” والذي من جهته تعمق كثيرا في المقولات التي حملها الكتاب وبدا أن الباحث قد تمثل كل الأفكار الواردة به الأمر الذي مكنه من استعراضها وتبسيطها ومحاورتها والخروج في نهاية الورقة بخلاصة أو رأي لا يبتعد كثيرا عن رؤية المؤلف حول المشروع الحداثي الليبي الذي مر بمراحل عديدة قبل أن يتعثر بفعل عدة عوامل فصّلها الكتاب وتناولها الباحث بقلمه الرصين .
وقدم الأستاذ والكاتب على المقرحي هو الآخر قراءة وافية حول الموضوع واختار جزئية صغيرة منه لمناقشتها ووضعها تحت المجهر لتحليل حيثياتها , حيث قرر أن يتناول الفصل الرابع المعنون ب ” الليبيون والقابلية للإستتباع ” بالتحليل والنقد مستدلا في سبيل الوصول إلى طرح رؤيته الخاصة التي تتوافق مع رؤية الكاتب وتعززها بأراء بعض الحداثيين وعلماء الأجتماع العرب , وفي سرده الموضوعي تطرق إلى عدة أحداث تاريخية مرت بها ليبيا منذ استقلالها وحتى الوقت الراهن حيث التغييرات التي عصفت بالمجتمع الليبي طيلة الستين سنة الماضية تركت أثارها على السلوك الفردي والجمعي لليبيين .
الكاتب ابراهيم حميدان من ناحيته أفتتح ورقته التي أعطاها عنوان ” تحديث مشوه وحداثة غائبة ” بأسئلة أجاب الكتاب عن بعضا منها مثل سؤاله الذي يقول :-
لماذا لم يؤدِ التحديث في ليبيا إلى الحداثة رغم أنه بدأ في العهد العثماني الثاني عام 1835 على سبيل المثال حيث عرف الليبيون المؤسسات الحديثة ؟
وهو سؤال عل ظاهره البسيط والموضوعي ينطوي على الكثير من الحرقة والتأسف لفشل المشروع في حين قد تكون مشاريع أخرى انطلقت معه بالتوازي أو بعده لاقت نصيبا من النجاح , في حين خسرنا في ليبيا كل ما تأسس وها نحن اليوم في فوضى عارمة نراوح في نقطة الصفر وقد لا ننجح مرة أخرى في التأسيس لمشروع جديد في ظل المعوقات الكثيرة والعقبات التي لا تعد ولا تحصى , وهو الشيء الذي عبّر عنه الدكتور مصطفى التير في تعقيبه بنهاية الندوة من أنه لا يرى ضوءً في نهاية النفق , سوى أن صدره ينشرح لكلام المتفائلين من أن ليبيا ستتجاوز محنتها وتنطلق في مسيرة التحديث من جديد .
هذا بعضا مما طرحه الكاتب إبراهيم حميدان من أفكار ونقاش في ورقته التي حاول أن يختزلها ويحذف منها قبل قراءتها ما رأى أنه تكرار لما طرحته الورقات السابقة .
وهذا مُجتزأ مما ذهب إليه الكاتب في شان مسألة التحديث والحداثة في هذا الركن من العالم إذ يقول :- يقدم المؤلف تفسيرات عديدة لترحيب فئات واسعة من الشعب الليبي بانقلاب سبتمبر 69 ،من بينها تأثر قطاعات واسعة من الليبيين بالخطاب القومي العروبي القادم من مصر ، ووعود الانقلابيين البراقة التي تمثل تطلعات الليبيين في كل مكان : رفع الظلم محاربة الفساد ، إقامة العدل والمساواة ، لكننا إذا ماتأملنا الأصول الاجتماعية لقادة الانقلاب لاكتشفنا أنهم ينتمون جميعا إلى الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة ،التي نشأت نتيجة لبرامج التحديث التي قام بها النظام الملكي بعد سنة 1951. . كما يقول الباحث الليبي دعلي عبداللطيف حميده ،فهم الشباب الذين درسوا في المدارس التي أنشأها النظام الملكي ،وتدربوا في الكلية العسكرية التي أنشأها النظام الملكي، ومعظم اعضاء مجلس قيادة الانقلاب ينحدرون من قبائل صغيرة وفقيرة من قبائل الدواخل او من الشرائح الاجتماعية الفقيرة في المدن الساحلية . وهنا نطرح سؤالا : هل كان هؤلاء الضباط الصغار الذين انقضوا على الدولة الوليدة الهشة ،أعداءً للتحديث أم ضحاياه أم تعبيراعن مخرجاته ؟
وبعد ذلك وجد مقدم الندوة الفرصة ليعلن عن النشاط القادم للجمعية والذي سيكون الثلاثاء الموافق للحادي عشر من هذا الشهر بمحاضرة بعنوان ” معارك اليوم ” يلقيها الأستاذ أمين مازن .
الورقة الأخيرة كانت من إعداد الدكتور محمود عمر الذي استعرض وبأسلوب علمي رصين محتويات الكتاب وفصوله وتطرق إلى بعض من مقولاته قبل أن يدخل في نقاش جاد معه بغاية مقاربته والوصول إلى صيغة فهم للأفكار الواردة به وتقديمها جاهزة للمستمعين الذين دلّ حُسن إنصاتهم على شغف كبير بالمعرفة والأستزادة من العلم , فليس ثمة ما هو أجمل من أن يعلم المرء نقائصه ليكملها وعيوبه حتى يصلحها والعقبات التي تعترض طريق تقدمه حتى يزيلها , هذا ما يقوله لسان حالهم حتى وإن لم يصرحوا بذلك , وأنا واحدا منهم إن لم أكن أولهم .
وفي العموم قدم الكتاب الذي نحن في حاجة له كي نتخذه كشافا به وبغيره قد نجتاز هذه اللحظ الزمنية المرتبكة والمعتمة – حتى لا نقول مظلمة – نحو أفاق أرحب وأكثر إضاءة ونور , قدم رؤية معاصرة لما كان عليه المجتمع الليبي في الماضي والحاضر ولما يجب أن يكون عليه مستقبلا , وأعتقد أن أولى خطوات أي مشروع حداثي هو الوعي الجمعي بالمشروع واتفاق الإرادة الجمعية على أهميته , وهذا بحسب وجهة نظري ما حاول الكتاب في المقام الأول قوله وترسيخه في الأذهان وتكفل من هذا المنطلق بلعب الدور التنويري الأساسي للمشروع .
كما اتفق الجميع على أن فترة الأربعين عاما التي هي مدة حكم القذافي قد أسهمت وبشكل كبير نظرا لعدة عوامل في تشويه هذا المشروع وعرقلته ووضعت في طريقه الكثير من العقبات بطريقة متعمدة أكثر الأحيان وأجهضت حلم التقدم بتخلي العسكر الذين حكموا ليبيا ومن دار في فلكهم عن ضرورات الحداثة وهذا عائدا في الأساس لجهلهم وتعنتهم ولقلة وعيهم , بسلوكهم الذي يبجل البداوة و يعزز النزعة القبلية , أوجدوا أنماط تفكير جديدة ليس من بينها بالتأكيد الوعي بالحداثة , وبذلك ألحقوا الضرر الكبير بالبلاد ويحتاج المجتمع الليبي إلى سنوات طويلة والكثير من العمل والجهد لا سيما في مجال التعليم حتى يتخلص من هذا الإرث المشوه الذي تركته الأربعون عاما العجاف ورسخته في الذهنية التي هي في الأساس تميل إلى البداوة والفوضوية فزادتها إغراقا في البداوة .
وهذا بشكل فاضح يتناقض مع بعض مقولات القذافي التي جاءت في كتيبه الأخضر والتي تذهب مثلا إلى أن ” الإنسان هو الغاية والثورة يجب أن تقع داخل الإنسان – وأن الغاية هي خلق الإنسان النموذجي الجديد ” في الوقت الذي كان فيه يعمل بمعوله هدما وتحطيما لهذا الإنسان من الداخل , والنتيجة هي ما نراه عليه اليوم من تشوه وخراب قد يصعب إصلاحهما , ولا شك في أن هذا النظام الإستبدادي أجهض مبكرا حلم الحداثة في ليبيا وراهن على تخلفها وبقاءها في خانة التبعية والجمود .
هذا بعضا تمت مناقشته في الورقات وصرحت به أو قالته مضمرا , وفي الختام كان لا بد من إعطاء الكلمة للدكتور مصطفى التير الذي ألقى كلمة عامة اختلط فيها العام بالخاص والعامي بالفصيح والتاريخي بالأجتماعي وخلص في نهايتها إلى أن هذه الأحتفالية أخرجته من وحدته التي كان قد كرسها للقراءة والكتابة وجعلته – أي المبادرة – ينخرط في الأنشطة الثقافية والألتقاء بالقراء وجها لوجه , وتعهد بالتواجد مستقبلا في مثل هذه الأنشطة , وبذلك تكون انشطة الجمعية قد كسبت عنصرا فاعلا آخرا وأزاحت بشكل أو بآخر شيئا من الجفوة والقطيعة التي كانت سائدة ما بين الجامعة والمشهد الثقافي العام , إذ لطالما اشتكى المثقفون من عدم انخراط الجامعة بشكل فاعل في الحراك الثقافي العام وعدم اهتمامها بإنتاجهم الأدبي والفكري , وها هي الجمعية تنجح في إنهاء بعض من القطيعة , ويعزز ذلك الحضور اللافت لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة للأنشطة ومساهمتهم في إثراءها كمحاضرين أو كمناقشين ومعقبين على المحاضرات .
وهنا لابد من الإشارة إلى عمق الموضوع ودسامة أفكاره وصعوبة التفاعل والتعاطي معها ليس من قبل القارئ والمتلقي العادي بل المختص كذلك إلا أن طرح الأفكار بهذه البساطة وبأكثر من أسلوب وبزوايا نظر مختلفة أسهم في اعتقادي في مقاربة رؤيته وتبسيطها للمستمع الغير مختص في هذا المجال وللقارئ العادي المقبل على قراءة الكتاب , وفي كل الأحوال لابد أن يكون المتلقي قد بلور عدة أفكار وتصورات حول الموضوع الذي هو من الأهمية بمكان لأنه يتعلق بمستقبلنا وبمستقبل أبناءنا , لا سيما في هذه الفترة الحرجة التي نمر بها هنا في ليبيا , وفي الوقت الذي يقارب فيه الكتاب الحالة الليبية يمكن أن تنسحب الكثير من أفكاره على عدة دول عربية لتشابه ظروفها التاريخية , خاصة تلك التي حكمها العسكر إذ هذا ما استنتجته بعض الورقات المقروءة .
وعند فتح باب النقاش أعطى الأستاذ أمين مازن أضافة قيمة للموضوع وتحدث عن جوانب أخرى فيه , في حين تناول مجموعة من الدكاترة الموضوع كلٌ من وجهة نظره التي بالتأكيد سلطت الضوء على ما جاء فيه وأكدت على ضرورة العمل على بناء الإنسان قبل التفكير في تعلية البنيان والتركيز على حداثة الفكر قبل حداثة المادة .
ولا نزعم عبر هذه المتابعة المقتضبة أننا أحطنا بكل ما جاء في الندوة من قراءات وتحليلات متنوعة , فذلك ما لا ندعيه ولكننا ابتغينا إلى جانب نقل أجواء الفعالية الثقافية والضوابط العلمية التي أقيمت فيها , نقل وتتبع أهم ما جاء فيها من تحليلات ورؤى , ونأمل أن نكون قد وفقنا في هذا المسعى , بل أننا لا نعد هذه الكلمات المرصوصة متابعة بقدر ما نعتبرها مقالا عن الندوة ومحاولة للدخول في حوار مباشر مع الأوراق التي أثثت فقراتها .
وكانت الندوة إلى جانب أهدافها المعلنة والصريحة والتي بالإمكان استشفافها مناسبة وفرصة لاقتناء الكتاب والاطلاع عليه وقراءته بالأستناد إلى الورقات التي قدمت عنه .

 

يوم الاحد الموافق 09/04/2017م

طرابلس / ليبيا

_____________________

المراجع موقع بالفيس الجمعية الليبية للآداب – دار حسن الفقيه حسن للفنون بالمدينة القديمة باب البحر طرابلس

مقالات ذات علاقة

الخروبي يُفسِّر اللون بالحروف

مهند سليمان

للحرف رسالة في معرض للخط العربي بدار حسن الفقيه

مهند سليمان

الرياني يغزل تفاصيل الحياة في لوحة جديدة

المشرف العام

اترك تعليق