د. محمد الوليد
قهرَ القذافيُّ الأدبَ الليبيَّ بعظائمَ، وأرهقه بفواجعَ : قيَّدت انطلاقه، وحاربت عالميَّته، وجهَّلت أعلامَه، وبأسَّت أهلَه.
نَظْرة القذافيِّ إلى الأدباء الوطنيين الليبيين إمَّا أن تلهج بذكري فأنا الوطنُ، وإلَّا فالقتل أو السِّجن أو التَّهميش، وسأعرض عليك أمثلةً بإيجاز عن تعامل القذافيِّ مع الأدب الليبيِّ ورموزه:
1. كل نصٍّ أدبيٍّ يتحدَّث عن دور الحركة السُّنوسيَّة أو أعلامها ممنوعٌ إلقاؤه أو تدوينه.
2. لا قيمة رسميَّاً لأدباء الحركة الوطنيَّة الليبيَّة كأحمد رفيق، وما أُقيم عن شعره من مناسباتٍ هي قليلةٌ جدّاً، وبجهود فرديَّةٍ خالصةٍ، ومن الأدلَّة على عدم العناية برموز الحركة الوطنيَّة أنَّ أعظم شُعراء الوطن الشَّاعر أحمد رفيق المهدويِّ نُبش قبرُه، ووجدت جثَّته كاملة لم تتغيَّر، ودفن في قبرٍ جماعيٍّ بعد إلغاء مقبرة سيدي عبيد بالصَّابري؛ لإقامة سوق تجاريٍّ!
3. توسيد المؤسَّسات الثَّقافيَّة إلى غير أهلها، وتوجيهها إلى غير محلِّها، وحشو صحفها بغير المفيد، ولقد أرهق الدَّجاجلةُ والسُّرَّاق من رؤوساء أمانة الثَّقافة ومجلس الثَّقافة العام الأدباءَ والشُّعراءَ، فقطع الأدباءُ العلاقة مع هذه الأجسامِ الغريبة حفاظاً على كرامتهم، ونأياً بأنفسهم عن أسلوب السَّفِلة والسُّوقة.
4. قَتْل بعض الأدباء الوطنيين وحبسهم، وتضييق أسبابِ المعاش عليهم كالأديب المفكِّر الدَّكتور عمرو النَّامي – رحمه الله – فقد قتلوه بعد سجنه وتعذيبه، وكان قد ترك لهم التَّدريس بالجامعة وسرح بأغنامه في الجبل، وكذا قتلوا ضيف الغزال، وغيرهما كثير.
5. تدليس مناسبات النُّصوص الشِّعريَّة في مناهجهم المتقلِّبة، واختلاق الكذب حول أسباب إنشائها وقد كتب أخي الأديب محمَّد الزرُّوق مقالاً ماتعاً حول واحد منها.
6. حبس بعض الأعمال الأدبيَّة في أدراج الرَّقابة، والتجسُّس على كَتَبَتِها، وحرمانهم من نشرها.
7. تعطيل حركة النَّشر لقتل روح الجدِّ في الأديب، وتقنيطه من أن يرى عملُه النُّورَ، فيعزف عن العمل، أمَّا إذا كان العمل الأدبيُّ يتغنَّى بثورته الخضراء وذاته المعظَّمة، فيراه مطبوعاً قبل أن يرتدَّ إليه طرفه، وتفتح له أسباب السَّعادة والرِّيادة.
8. توجيه بعض الجوائز الأدبيَّة إلى غير مستحقِّيها، ليخلقَ لهم مكانةً بين الأدباء، ويمنحَهم الشَّرعية للتَّصدُّر.
9. حرمان بعض الشُّعراء من دراساتٍ عاليةٍ تنسجُ حول قصائدهم، ومن ذلك أنَّه مُنعت دراسةٌ عن الشَّاعر راشد الزُّبير السُّنوسيِّ في ليبيا، ورأيتُها مرحَّباً بها في كلية دار العلوم بالقاهرة.
10. تغييب الجامعات الليبيَّة عن القيام بدورها الحقيقيِّ في رعاية نوابغ الأدباء وتكريمهم، بل صارت مراكزُنا العلميَّة تسوِّق الباطلَ حقاً، والكذب صدقاً، والوهم حقيقةً كإقامتها النَّدوات الأدبيَّة عن كتابات القذافي (القرية القرية – تحيا دولة الحقراء)،ودعوتها كلَّ أفَّاكٍ أثيم ليرفعها على أعظم الأعمال الأدبيَّة الليبيَّة.
اللهم إنَّا نعوذ بك من الهمِّ والغمِّ، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرِّجال.
29.09.2011