تعتبر اللغة العربية لغة تعتمد على الاشتقاق اعتمادا تاما، فمن مادة أولية بسيطة تمثل جذر فعل معين (غالبتها الساحقة ثلاثية)، يمكن، مثلما يشرح اللساني أبو عبسي* (ص 153)، اشتقاق عشرة صيغ على الأقل.
فمن مادة ص د ق، مثلا، يمكن اشتقاق الصدق والصديق والصداقة والصدقة والصداق والمصداقية والمصادقة والتصدق والصدِّيق والصدقية والصادق، إضافة إلى الأفعال، وهذا يعني أنها تمتلك مرونة لتوليد وإضافة اشتقاقات جديدة تلائم المستجدات والحاجات الفكرية والعلمية.
يروي اسكندر عبد النور (ص 153)، في هذا السياق، حادثة طريفة وقعت في لقاء اجتماعي لبعض العرب الكنديين حيث “اتهم أحد أعضاء المجموعة بعض الناس الذين عاشرهم لبعض الوقت بأنهم حثالة، وهنا تحداه عضو آخر سائلا ‘‘لماذا كنت إذن تحوثل معهم؟‘‘” (ص 153). كانت المرة الأولى التي يسمع فيها أي من أعضاء المجموعة هذا الاشتقاق. وتم اشتقاق “صفتين بإمكانهـ[مـ]ـا وصف الفرد الحامل لصفة الحوثلة: حثالي، ومحوثل […] إذ يتضمن أولهما الحالة الدائمة لكون الشخص حثالة ويتضمن الثاني حالة عابرة تتصف بالحوثلة” (ص 153).
خصوصية هذا الثراء الاشتقاقي الذي تمتاز به اللغة العربية، يطرح تساؤلا عن مصدره. وفي هذا المجال خمن البعض (ص 155) تأثير عامل الصحراء في هذه الظاهرة. فالصحراء العربية تفتقر إلى العناصر المادية الدافعة إلى التعبير الفردي والجماعي من قبيل وفرة الخشب القابل للاستخدام في البناء أو النحت، أو الحجارة لإقامة صروح معمارية (ص 155). “وبالتالي، فإن شطرا كبيرا من طاقة العربي الإبداعية تحولت إلى المجال اللفظي” (ص 155). إضافة إلى أن استنكاف البدوي العربي عن القيام بالأعمال اليدوية معتمدا بدلا من ذلك على الرعي وفرا له فائضا من الوقت استثمره في التوليد اللغوي. وبالتالي ليس مستغربا أن تتحول “القبائل الصحراوية إلى مراكز تربوية لإتقان اللغة العربية” (ص 155) حيث ظلت العائلات الحضرية ترسل أبناءها إلى البادية من أجل اكتساب الفصاحة. لذا “قد يكون هذا الاستثمار المكثف في المجال اللفظي قد شجع على تطوير بنى لسانية قادرة على التعبير عن صيغ معرفية معقدة” (ص 155).
_______________________________
* اسكندر عبد النور، ترجمة: مصطفى حجازي، العقل العربي: أنطولوجيا المجرَّد والعيني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان 2017. وأرقام الصفحات الواردة في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.