من أعمال التشكيلي محمد بن لامين
قراءات

عرائس المشواش والنحات محمد بن لامين

لينا العماري

Mohammed_benLamin_03

قراءة فى أعمال الفنان الليبي محمد بن الامين صاحب المشاركات العالمية من بينها له العديد من المشاركات العالمية من بينها بينالي فلورنسا الدولي للفن المعاصر.

لطالما تردد على مسامعي طوال فترة الدراسة، أن الفن مكوِّنٌ أساسي من مكونات حياة الإنسان وفعله، لاسيما أنه نتاج فكري يترجم من خلال الحركة والمادة، أما بالنسبة لحتمية أنه من الأولويات والضروريات تختلف من شخص لآخر، وبين المجال والآخر، فقد كانت المسألة بالنسبة لي لم تحسم بعد، حيث كنت افتقر لأدوات ترجمة المنجز، لأسبر غور الفنانين في الحقل التشكيلي الليبي، وأرى أبعادًا للفن تحسم مسألة ضرورة الفن.

كان للفنان التشكيلي النحات محمد بن لامين أثرٌ ما في نفسي الشغوفة بأعماله، وأشعلت حماسي مشاركته العام 2006 بعمل «شمس الحب» في مهرجان «شانغ شن» الدولي لفن النحت في دورته الثامنة بالصين.. شيئًا فشيئًا لاحظت ارتباط الفنان بن لامين بمرجعيته الفكرية الطافحة على منحوتاته المنجزة وأعماله الرقمية، فتقنيًا انتقاله من النحت إلى الرسم ثم إلى تطبيق «الفنون الرقمية» دون إهمال الفكر، وبإتقان وتمعن شديدين أمرٌ مدهشٌ وإبداعٌ يفرض نفسه على واقع التشكيل المحلي والدولي.

ولطالما كان الفن يتطلب البحث في تطوره فكريًّا حسب الزمن والمعاصرة، وحسب البيئة الحضارية والسياسية وغيرها من البيئة المحيطة للفنان، يستوعب تطور الفن أيضًا الشق التقني بجانب التطور الفكري، المتمثل في الأداة والخامة الداعمة للفكرة، وهو ما يولد تيارات أخرى تميزها التقنية كالفن البصري مع فازارلي (V.VASERELY)، ويتخذ بذلك صفة التطور الشاهد على حقبة تعبيرية خلاقة، تجعل من الفنان كائنًا اجتماعيًّا منفتحًا يعيش الواقع بمظاهره الحديثة، ويؤسس لأفكار مستقبلية مشرقة، فقد واكب بن لامين هذه التطورات محافظًا على الانفعالات الفردية والجماعية ذاتها، محولاً ما سبق من التقنية والمدارس والقواعد إلى أسس حسية وبصرية وفكرية تعطي في الآخر عملاً مبدعًا، مستخدمًا (الفن الرقمي ) وهو أحد أهم المذاهب الحديثة لطرح الفن البصري الذي ينشأ بواسطة « الكمبيوتر « من خلال برامج متطورة كالفوتوشوب (Adobe Photoshop) والغرافيكس (GraphicsGale) والـ إم إس بانت (MS Paint) وجامب (GIMP) وغيرها من البرامج، مستخدمًا الأسلوب المشترك بين الصفري والتجميعي، أي جمع بعض الصور وتنسيقها والرسم والتعديل بها حسب ذائقة الفنان.

المشهد الأول لعرائس المشواش

تتحدث تلك العرائس عن نفسها تارة بالأبيض والأسود، وتارة أخرى بألوان تميل إلى الإشراقة.. سنشهد العزلة والخوف في السجون والمآتم والأحلام، وسنقرأ الهوية في لباسها وحياتها، الهوية الليبية التي لم أستطع تحديدها بعد، عرائس عصرية الشكل عتيقة المعنى، الترف أبعد من أن ينقش على سحنتها، ويغيب في فراغ محيطها لون البرتقال والياسمين، الكثير الكثير من أخلاط تبوح بها عرائس المشواش الفضية والذهبية.

 

مشاهد أخرى

تلك العرائس اعتقلت ونقشت على جدران سجن «أبوسليم» إلى الأبد، وستبقى وحدها من لن تكتشف ما يحدث في الخارج.. تسترق السمع وتتلصص بأعين ترى ما يعكس في نظاراتنا الشمسية، أما من رأت النور منها أصبحت في عزلة مع العالم الخارجي، واكتسبت زيًّا أسمك وخوذات نحاسية أكبر من حجم رأسها.

كانت العرائس تتوسد مخيلة «بن لامين» كلما ابتعدت أنظار المتأملين لها داخل فضائها وتتنفس الصعداء من تعب ما أرهقها.. لكنها سرعان ما تستوعب لحظة نظري إليها وتتجسد في حركة كما نقشها من جديد.. أحيانًا أبتسم بهدوء لها كي لا أزعجها.. فهي ليست بخير دائمًا.. عازف الكمان قرر أن لا يكترث لنا، فنافذته تبشر بشروق ما، وبعض من النساء تبجحن بفساتينهن البيضاء والبسيطة، وهن في أبهى رشاقة ونعومة لهن، أغاظتني أنوثتهن وشعرت بالغيرة.

 

السماء الخرافية

لا يسعني إلا أن أقول إن ما يقرأه بن لامين من كلمات غاصت في شقوق السحنات الليبية، وما يستعيره من الرياح الغادرة قد سجل وركن في زوايا أعماله وكائناته، ولم يعد يهمني معرفة كون أن الفن من الضروريات أم الأولويات، أحيانًا نتنفسه ونأكله وننام على إيقاعه، أحيانًا أخرى نهمله ونتعثر في طرحه، وسأختم ما تبقى في مخيلتي بكلمات تصف بعضًا من حيات كائنات وعرائس بن لامين للكاتب محمد العريشية :
«هكذا تجولت في عالم الفنان محمد بن لامين من دون بوصلة، ممتشقًا حزمة من تأمل لئلا ينسكب بصري في غير لوحة أو قصيدة. وما أن تقدمت في النظر صوب كائنات سافرة مسافرة في هدأة الصمت، حتى خُيّل إليّ للوهلة الأولى وكأنها قد هبطت للتو من سماء خرافية. كائنات ضامرة من فرط تحديقها فينا. كائنات يسكنها التفكير الطويل العميق وتسكنه. وكأني بتلكم اللوحات تشجب صمتي وتندد بمن لم يصغ إلى موسيقاها المغايرة التي لا تنفك تلهج بها اللوحات وتصدح بها ألوانها».

__________________________________

نشر بموقع بوابة الوسط

 

مقالات ذات علاقة

فوبيا السارد الطبرقي

محمد العنيزي

يكفي الشعر أنهُ شعر

ناصر سالم المقرحي

المطر الأحمر

محمد عقيلة العمامي

اترك تعليق