بوابة الوسط
يختتم الفنان التشكيلي الليبي معتوق البوراوي حواره مع «بوابة الوسط» بالحديث عما يسمى بأمية اللوحة لدى المتلقي العادي الذي لم يدرس الفن التشكيلي وقد تستعصي عليه بعض أبجديات ذلك الفن، فضلاً عن تطرقه للحديث عن دور الدولة في النهوض بالحركة التشكيلية في ليبيا وأثر ذلك على مستقبل البلاد، مشيرًا إلى مشروعه التشكيلي القادم والذي وصفه بأنه من الناس وللناس، فإلى الجزء الثالث والأخير من الحوار الشامل.
المشاهد يعاني أمية في فهم اللوحة، لعدم إلمامه بتقنيات الفن التشكيلي ومدارسه؟ وما هو السبيل لمحو أمية العين وأين يقف الإعلام من النشاطات التشكيلية؟
عدم وجود اهتمام من الدولة بالفن التشكيلي، سواءٌ الآن أو سابقًا جعل الشريحة العامة من الناس في ليبيا غير قادرة على فهم اللوحة، لعدم وجود متاحف في بلادنا!. الآن في جميع المدن الإسبانية هناك متاحف، فالمواطن الإسباني بإمكانه قراءة اللوحة لأن لديه متاحف يرتادها، أما المواطن الليبي فليس من أولوياته أن يشاهد لوحة أو يرى فنانًا تشكيليًا، وما تقومون به أنتم كإعلاميين، جهد كبير يفترض أن يتوج بإقامة متاحف أو معارض أو ندوات، جيل الخمسينات والستينات من الممكن في أي يوم أن ينتهي، لأنه بالنسبة لعامة الناس في ليبيا غير معروف على أهميته، من ضمن هذا الجيل، الطاهر المغربي ومصطفى رمضان علي الزويك وعمران بشنة عدنان معيتيق مصباح الكبير علي العباني مرعي التليسي وكثيرين. بالتالي عدم اهتمام الدولة انعكس على أهمية الفن التشكيلي بالنسبة للمواطن.
ما هي الأسباب التي على الدولة الليبية تهيئتها للنهوض بالحركة التشكيلية؟
دائمًا الدوائر الحكومية مغيبة عن التشكيل، والتشكيل في ليبيا هو خلاصة مجهود فردي بحث من تشكيليين ضحوا لرفع اسم ليبيا عاليًا، عادة، الإعلام أو الثقافة أهملوا هذا الجانب الكبير من التراث الوطني الليبي، فنانون تشكيليون استطاعوا أن يدرسوا في العالم بمجهودات فردية، مثل ما أشرت، هؤلاء التشكيليون بدأوا من دائرة الفنون التشكيلية بطرابلس، وهم دائمًا في سجال مع الحكومة بأنها لا بد أن تلتفت لهم وتدعمهم ويكون لهم مكانة، وأحيانًا يستفيدون من فترة معينة في وزارة معينة وأحيانًا لا ينالون شيئًا.
ففي السبعينات من القرن الماضي، وبمجهودات فردية من فنانين تشكيليين يجب على التاريخ أن يذكرهم ويكرمهم، مثل دائرة الفنون التشكيلية بطرابلس والتي قادها الفنان الطاهر المغربي بعد عودته من إيطاليا، شكل المنعطف الحقيقي لازدهار الفن التشكيلي في ليبيا.
التشكيل يتبع وزارة الثقافة وبالتالي هذا السؤال يطرح على هذه الوزارة، وإن لم يكن الوزير على مستوى وقدر عالٍ من المعرفة التشكيلية فلن ولن يهتم بالتشكيل مدى الحياة.
الآن في المرحلة الانتقالية، الوزراء أو المسؤولون لا أعتقد أنهم على مستوى عالٍ، وإن كانوا يهتمون بالفنون التشكيلية، فاهتمامهم سطحي، وعادة ما يتسلق الآخرون للاستفادة من الوزير أو يطرح أسماء غير معروفة، مثلما رأيت في المرحلة السابقة، أنهم يعرضون معارض تشكيلية لهواة وليس لفنانين تشكيليين محترفين معروفين لدينا.
وهل ترى أن ازدهار الحركة التشكيلية سيكون له تأثير على واقع البلاد المستقبلي، كيف ترى ذلك؟.
لدي وجهة نظر، إن الفنون بصفة عامة تحتاج لدعم، ولكن أيضًا تحتاج لجهد واجتهاد من الفنانين، فلا يكون هناك دعم دون عمل، وفي اعتقادي الآن يوجد عمل، وتوجد تجربة في ليبيا، صحيح لا يمكن تسميتها حركة تشكيلية متكاملة كما هو الحال في الدول المجاورة كمصر ودول أخرى، لكني أعتقد أن هناك ملامح في أجيال الستينات والسبعينات والثمانينات، وهناك كلية الفنون، التي كان لها دور في إبراز جيل مهم جدًا -كما أعتقد- وهو جيل التسعينات والذي من بينهم أنا، وجود أساتذة متخصصين من جميع الدول العربية كانوا في هذه المدة قد درسوا في كلية الفنون، أعتقد هناك ملامح الآن للمشهد التشكيلي الليبي، أعتقد الدور الآن على عاتق وزارة الثقافة، عليها أن تنشئ متحفًا وطنيًا، وتبادر باقتناء لوحات من الفنانين المعروفين الذين قمنا بتسميتهم، وبالتالي هذا المتحف سيكون له دور مهم للرقي بالحركة الثقافية الليبية، إضافة لدوره في ترسيخ مفهوم الفن التشكيلي للفنانين القادمين.
وهل كان للفن التشكيلي في الدول التي مرت بأزمات تأثير وتغيير؟ ماذا ينعكس التغيير؟ وكيف نلمس ذلك؟
معتوق البوراوي: نعم عصر النهضة كان مرحلة تحول كالتي نحياها الآن، كان هناك فنانون تشكيليون، بالعمل استطاعوا أن يصلوا لتسمية هذه المدرسة بعصر النهضة، الحكومات والكنائس في ذلك الوقت سخّرت الفنانين لإظهار المسيحية بشكل مباشر، من بعد ذلك استطاع الفنانون أن يبرزوا شخصية معينة في التشكيل الأوروبي، هذا التشكيل استطاع أن ينتشر في جميع دول العالم، وبالتالي فدور التشكيل ليس بالسهل، بل هو تجسيد لمرحلة نحن نعيشها الآن ربما.
ما تأثير العولمة على الفنون التشكيلية بصفة عامة؟
العولمة في جميع المجالات وليس في الفن التشكيلي فقط، نجدها في السينما، المسرح، العلوم، الإنترنت ثورة كبيرة جدًا في عالم الاتصالات، الآن تستطيع أن تشاهد جميع رسامي العالم عبر الشاشة، وتستطيع أن تتابع جميع التقنيات، وفي اعتقادي الآن الفنان غير محتاج للتلقي الأكاديمي واكتساب تقنيات الرسم في الخارج، جميل أن يزور متاحف الدول الغربية، ولكن الاطلاع في المتناول، الكتب المعنية بالتشكيل مهما كانت أهميتها من الممكن تحميلها من الإنترنت، الفن أصبح في متناول الجميع بفضل العولمة.
وهل ثمة مدرسة جديدة أو مدارس تحاول الانبثاق من مدارس الحاضر حاليًّا لتوائم تغير نمط الحياة؟
مثلما أخبرتك؛ عصر النهضة، بعدها الكلاسيكية، ثم الكلاسيكية الجديدة، والرومنطيقية، والرومنطيقية الحديثة، حتى التجريد، والتكعيبية، إلى آخره، الآن مريح جدًا لجميع الفنانين، كل شخص أو كل مجموعة يميلون لمدرسة معينة، ومن الممكن ذلك أن يضيف جديدًا أو لا يضيف، في أوروبا ظهرت حركات أخرى ما بعد الحداثة، المفهومية وإلى آخره، ولكن أنا أنتمي للوحة، للون، للزيت، للمائيات، لا أنتمي للفن المفهومي ولا الفن ما بعد الحداثة، في اعتقادي كل الفنون هي مفهومية، تعبيرية، كلها لها علاقة بالحداثة، اللوحة أطول من عمر الإنسان وسوف تبقى للأبد، نحن ننظر إلى لوحات خلدها التاريخ -طبيعيًا- مثل أكاكوس 12000 قبل الميلاد، ما زالت اللوحة موجودة في تندميرا بإسبانيا منذ آلاف السنين، الإنسان بفطرته يرسم، ويعبر، وفي اعتقادي مهما ظهر من حداثة ومن مفهومية في الفنون التشكيلية فاللوحة سوف تبقى وسوف تنتصر.
الرسم موجود منذ قبل التاريخ، وفي العصر الحديث أقصد هنا اللوحة، اللوحة مهما تجردت وانقسمت لمدارس تظل علاقة بالإنسانية عامة، مهما انبثقت مدارس جديدة، ستبقى هي الأقوى، لأن التاريخ أرانا ذلك، ولأنها موجودة منذ قبل التاريخ، وما زالت معلقة ولها حضور مهم في المتاحف.
دائمًا تظهر مدارس حديثة، ولكن على صعيد اللوحة منذ العشرينات والثلاثينات لم يطرأ جديد، الموجود ما هو إلا محاولات لتسمية بعض الظواهر -في اعتقادي- فمنهم من نجح ومنهم من فشل، خروج الفنانين عن اللوحة، كالرسم بالفيديو ورسم المسرح واستخدام السينما لإظهار حالة تشكيلية معينة. إلخ. وهذا ليس عيبًا ولكن هي موجودة وحديثة، ولكن كما قلت لك أنتمي للوحة ودائمًا أدافع عنها.
هل يمكن الوصول لنمط تشكيلي عربي تكون فيه الخصوصية الإسلامية، كالمزج بين التقنيات المتمثلة في الخطوط والزخارف والمنمنمات، وبين التقنية الأوروبية؟
التجارب دائمًا واردة، الشيء المهم أن يستمر التجريب، الآن دول الخليج أخذوا على عاتقهم إبراز الفنون العربية التشكيلية، وقد دعيت للمشاركة في مهرجان قطر الدولي وكان لي دور مهم، الخليج الآن يحاولون ربط اللوحة العربية بالدولة الأوربية، وهذا موضوع ليس بالسهل، في اعتقادي صعب الفصل بين الفنون التشكيلية الحديثة الآن.
كيف يمكن للنقد أن يخدم الفن التشكيلي؟ أين ترى النقد من الفن التشكيلي؟
هو أزمة أخرى أضيفها لأزمة التشكيل في ليبيا، ليس لدينا نقاد متخصصون، يتناولون اللوحة، فنجد كتابًا اجتهدوا -وبارك الله فيهم- وقدموا كتابات مهمة -في اعتقادي- لعدم وجود شريحة من النقاد المتخصصين، الناقد في ليبيا غير متخصص، الأشخاص الذين قاموا بتجربة في النقد مشكورين جدًا على جهدهم، ومجهوداتهم تقدر تقديرًا عاليًا، مثل الكاتب منصور بو شناف عياد هاشم والفنان علي الزويك، وأسماء أخرى لا تحضرني حاليًّا، كل هؤلاء قدموا للتشكيل تقديمًا جيدًا، وعلى مستوى، لكن ليبيا محتاجة لنقاد على مستوى التشكيل في اعتقادي، لكن ما نجده هو أن مستوى التشكيل أعلى من مستوى النقد في ليبيا في اعتقادي.
هل النقد موهبة أم صناعة؟ كيف يمكن خلق الناقد أو تعوضه في ليبيا؟.
النقد موهبة تحتاج لدراسة، والناقد المهم بطبيعة الحال شخص موهوب، لا بد أن يكون له علاقة بالتشكيليين وقريبًا منهم، يكون ملمًا بالمجال ويسعى لتحسين دراسته في أوروبا، يطلع على إنتاج النقاد العالميين، يطلع على النقد ويتخصص في الجماليات البصرية؛ هذا أمر مهم جدًا، ليس مهمًا أن يكتب الناقد في جميع الاتجاهات.
هل لديك مشاريع وأفكار بحاجة لدعم من الدولة؟
أنا بصدد إقامة مشروع تشكيلي عبارة عن استضافة للناس في الشارع، والرسم على قماش كبير جدًا (100 متر)، سأتنقل بهذه الأقمشة من مدينة لأخرى لدول مختلفة، وسأدعو الناس جميعًا للمشاركة معي في رسم اللوحة الكبيرة، المشروع الآن تحت الدراسة، وسوف أكتب للجهات المعنية في ليبيا وفي الدول الأوروبية، للحصول على الدعم المادي.