(عن بوابة الوسط)- هل تنجح الحركة الثقافية في ليبيا ومصر في تحقيق غايات ثورتي البلدين التي لم تجد طريقها إلى التحقق حتى هذه اللحظة؟ حمل العام 2014 منذ بدايته ملامح ما يمكن وصفه بنزوع إلى مقاومة ثقافية للتداعيات السلبية للأوضاع الأمنية الغير مستقرة في كلا البلدين والإرهاب الذي يضرب فيهما بقوة حاليًا، على روح التغيير والرغبة في حياة أفضل لشعبي البلدين الجارين، اللذين مثلا في لحظة تاريخية فارقة أملاً في تغيير أوسع نطاقًا يمتد عبر محيطهما العربي بأسره. وعلى الرغم من ما يبدو بجلاء من إعاقة لحركة التغيير، بل ومحاولة لسرقتها لمصلحة اتجاهات أكثر تطرفًا تحاول إعادة إنتاج الاستبداد والخوف في أكثر من بلد عربي طمح أهله للحرية والكرامة، فإن الحركة الثقافية في كلتا البلدين منذ مطلع العام الحالي ربما تحمل روحًا جديدة للحفاظ على زخم التغيير الذي تصاعدت الآمال فيه مع انطلاق أولى رياح “الربيع العربي” في نهايات العام 2010.
في مصر التي تسعى إلى إنعاش حركة السياحة من جديد بعد موجة هجمات إرهابية، يمكنك أن تلحظ في إحدى مناطقها سيارات إسعاف تنقل ضحايا سقوط كوبري مشاة في مطلع فبراير 2014، بينما يمكن أن يجد المرء في منطقة أخرى مجاورة في منتصف الشهر التالي (مارس 2014)، فعاليات مهرجان عالمي لموسيقى الجاز. والأكثر جاذبية أن تجد بعض الشباب المصريين يعبرون عن تطلعاتهم في عروض مسرحية في الشارع.
في ليبيا يبدو الوضع الأمني أكثر تدهورًا إلا أن المقاومة الثقافية لمحاولات وأد الحياة والقدرة عليها مستمرة أيضًا بشكل أو بآخر، وعلى الرغم من قلة الحضور أحيانًا أو خجل المشاركة في أحيان أخرى. الأنشطة الثقافية على الرغم من التفجيرات ورائحة البارود والدم التي باتت تطغى على أجواء بعض مدن ليبيا، لا تتوقف سواء في مكاتب وزارة الثقافة أو في مقرات جمعيات المجتمع المدني في مختلف المدن أو من خلال مبادرات توعوية وتعريفية تقوم بها بعض المؤسسات الأهلية.
المدينة نفسها التي كان بعض المنتمين إليها طرفًا في أحداث غرغور المأساوية، تشهد إعادة إحياء للمسرح الوطني فيها. عن مصراتة أتحدث، تلك المدينة التي يتردد اسمها كثيرًا في أخبار الصراع والقتل والتنازع بين أبناء الوطن الواحد، تشهد هذه الأيام أمسيات شعرية مميزة تمزج الموسيقى والعزف بالشعر، كما انتهى فيها قبل أيام معرض للفنون التشكيلية. نشاط ثقافي يتحدى أخبار الموت وإرادته.
أما في طرابلس مدينة المواجهات المتكررة، بات صوت “الأربعطاش ونص” من الأصوات الاعتيادية مثله مثل صوت أبواق سيارات العاصمة المزدحمة. لكن العاصمة شهدت كذلك الجمعة الماضية (14 مارس 2014) حفلاً جمع ما بين الموسيقى الشعبية الإيطالية والليبية، كما تستمر أنشطة مبادرة نادى “نواة القراءة الأولى” في مسعى شبابي لا يستسلم لليأس لإنعاش حركة القراءة. النادي أصدر مطلع العام صحيفة ثقافية.
بالمثل، لا تنقطع الأفلام العالمية، عن طريق السكة الذي شهد الكر والفر والاعتصامات وإغلاق الوزارات، حيث تواصل مؤسسة “آريتي الثقافية” بدار الفنون محاولة إتاحة نافذة ثقافية لسكان العاصمة من خلال فعاليات نادي السينما الذي لا يقدم أفلامًا عالمية مختارة فقط ولكن بالأحرى خبرة التئام ثقافي تتحدى محاولة تفتيت لحمة أهل العاصمة.
فى طرابلس أيضًا يجري الآن الاستعداد على قدم وساق من قِبل “حركة تنوير للثقافة والفنون” لإطلاق الدورة الثانية لمهرجان الكتب المستعملة بميدان الشهداء، هذا الميدان الذي بات مقصدًا لمتظاهري العزل والرفض والاستنكار والتنديد، يحاول أن يكون مقصدًا للثقافة والمعرفة والنور.
سرت المدينة التي أخذت أيضًا نصيبها من الاغتيالات وعمليات السطو والتخريب لم تغب عن المشهد الثقافي المقاوم. سرت ستشهد في هذا الشهر معرضًا للصور الفوتوغرافية تحت شعار “ليبيا حلوة.. وبكرة أحلى” يقدم من خلاله مجموعة من هواة التصوير وجه ليبيا الجميل الذي يحاول الإرهاب تغييبه.
ولا يمكن أن يغيب عن هذا المشهد الثقافي مسرح “شحات” الذي شهد مولد “الفرقة الليبية للمسرح والفنون” التي تنتمي إلى هذه المدينة السياحية المهمة. “الفرقة الليبية للمسرح والفنون” تخطت حاليًا حدود شحات لتحصد الجوائز والاهتمام عبر أنحاء العالم العربي وهي تسعى لتقديم النص الليبي والمواهب الليبية على مسارح الجزائر وتونس.