علاء بن دردف
سيشعر بالملل المطالع لكتاباته لأول وهلة.. بل ويظنها من لغو الحديث..
غير أن ذلك انطباع خاطئ.. فأفكاره مفعمة بالحيوية وتقليب وجهات النظر.. ومناقشة لأعمق القضايا التي تهم حياتنا.. غير أنه يعرضها في اطار فلسفي.
لغته سهلة ورفيعة السبك البياني.. فكونه استاذا جامعيا لسنوات طويلة ..تمكن من التعبير عن أعقد القضايا بأبسط الأساليب..
وبرغم اختصاصه الفلسفي ..إلا أنه طالع الأدب وتذوقه.. فمزج بين هذا وذاك.. حتى لقبه “طه حسين”.. بأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء.. كما وصف بذلك قديما “أبو حيان التوحيدي”.
فمن العسير أن يغير المرء مساراته الفكرية.. لكن “زكي نجيب”.. تنقل من منبهر بالثقافة الغربية والفلسفة الوضعية والتجريبية.. متعاليا على التراث الشرقي.. إلى داعي للمزج بين العقل الغربي والانتاج الفكري للعقل العربي والمسلم..
فاطلاعه في مراحل متأخرة على تراث الغزالي وابن رشد وفلاسفة الاسلام ..وفلاسفة التصوف.. شكل له مفاجأة كبرى.. من ناحية عمقها وخصوبتها وتنوعها وابداعها…
مما حدا به الا الاعتراف بأننا متخلفون عن العالم بمراحل.. ولا سبيل الى نهضتنا الا بتقديم تراثنا الثقافي للعالم وفي نفس الوقت تمثل وهضم الانتاج الفكري للغرب.. لا سبيل للنهضة الا هذا.
ونادى بأن ترك التراث هو انتحار حضاري.. وانطلق في حياة طويلة من (1905_1993).. مقلبا لعالم الافكار ..كاتبا وباحثا ومحاضرا..
يعيش سعيدا داخل عالمه الجميل.. ويغوص في كل شيء جميلا.. مستشعرا ومستمتعا..
وانظر قوله (إن الذي ينقصك هو الخيال.. الخيال الذي يجعل لك من الصورة والوردة شيئا جميلا.. لماذا تنظر إلى الأرض كما تفعل الديدان.. ولا تشخص ببصرك إلى السماء )
تبدي بمحاضرات تم توثيقها على اليوتيوب.. رقيقا ..فصيحا.. متذوقا لعالمه الممتع.. حتى أنه ألف كتبا في سيرته الذاتية عن “قصة عقل” و”قصة نفس” و”حصاد السنين”.. ينقل تجربته وحصاده الفكري لمن شاء الاطلاع..
دخل الى عالم التراث متجولا متفرجا.. فأخرج رائعته “المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري”..
تمكن فيها من استنطاق الذخائر والكنوز التراثية المعرفية..
سيرة جميلة لرجل فريد.. غاص في دنيا الأفكار مستخرجا اللآلئ.. بجسده النحيل.. وعقله الذكي وقلبه النابض.. ونظارته السميكة الكاشفة.
بنغازي / 23 _ 4_ 2024
