ثلاث مقالات وثلثين
الأولى:
يمتاز الإنسان المطيع المُسيطر عليه ذهنياً بقدرته الفائقة على الطاعة من دون أن يرفع صوته بسؤال واحد فهو راضٍ بما قسمه له النظام السياسي محاطاً به في كل خطوة من خطواته وقد أَلف ذلك واعتاد عليها وستأنس بها .. فهذا الانسان عرضة لأنْ يكون ضعيف الرأي قليل المعرفة بما له وما عليه. فهذا الانسان المسلوب الإرادة طغت عليه هالة ” القائد” فجعلته تكراراً من بعد تكرارٍ يعيش في حالةِ نشوةٍ للإستماع إلى هدير” القائد” حيث يدفعه الأمل والعيون غافلة إلى الوصول إلى مغانم كثيرة لوّحت له السماء بها دون معرفة السبيل الواضح العادل إلى ذلك ، فكلمة القائد هي كلمة السّر. فهي تحسن إلى “المواطن” وتغدق عليه بسخاء كلّ منافعها كما في ” البيت لساكنه”.
الثانية:
وفي المجال السياسي لا يكون المطيع جزءاً من من الطاعة وحسب بعد أنْ أزالت من ذهنه نعمة التفكير ، بل وعنصراً فعّال في خلق ثنايا الطاعة وتدشينها وتركها تجوب ارجاء البلاد باعتبارها انصهاراً في حلم القوة والحق المنتصر ويغتر بظاهر العبارات البرئ كـ”شركاء لا أجراء”. وإذا اطلق ” القائد” العنان للشر فهو يدرك أنّه من طبيعة البشر وأنّ البناء عليه بكل خدعة وحيلة يقوم على عاملي الخوف والحاجة بالإضافة إلى الطمع في نعماء “القائد” ذاته والتملق له سعياً إلى تراكم النفوذ الذي يؤدي إلى مكانة ومنزلة رفيعتين تصدر عنهما الهيبة والجبروت لاستغلال الناس واذلال الآخرين لا سيما في السلم الاجتماعي الذي شيّده “القائد”. أما البلاد فهي متسع فسيح للطاعة وللأطمئنان مأسورة في فكرة البطولة على نحو “يا قائد أمتنا على دربك طوالي… غالي لشعبك غالي”
الثالثة:
يخطب “القائد” مثلاً في جمهوره معلناً الغاء القوانين في البلاد في ثورة ثقافية” تصطرع فيها القوى تشبثاً بالسلطة ، ثمّ يزمجر بأعلى صوته تعبيراً عن القوة والمناعة غاضباً محارباً النظام السابق “دوس على الرجعي والخائن”، بينما المطيع وسط ذلك الجمع الغفير يستمع هاتفاً “بالروح والدم نفديك يا قائدنا” ويتلقى كلمات الخطاب ثمّ يردّد نفس المقولة.. ويقوم مطيع آخر بالترنم بها من باب الحبّ في الطاعة.. وتذاع كأغنية يستمع إليها المواطن المطيع أكثر من عشر مراتٍ في اليوم، فإنْ حدث وقال القائد “اكرم الرجعي” ، فالمطيع سيقول : “اكرم الرجعي” كما يريد “القائد التاريخي”، قائدٌ لم يعرف يوماً كيف يعمل على تحصين كرامة الشعب ومصالحه. أليس عجيباً أنْ يستأنس المواطن المطيع للذائذ الهلكة والتدمير ؟
الثلثان:
فهل هذا الإنسان ، الذي أقدم على تقبل وتكرارما يقوله “السلطان” ، يؤمن فعلاً بما قيل له واستمع اليه وبكل السهولة من دون أيّ اعتراض أو سؤال واحد يرفعه في وجه ما يقوله ذلك “القائد المُبدع” “؟ هل ذهنية هذا المطيع خالية من التفكير والتأمل فيما يستمع إليه أو يقرأه أو يشاهده عبر وسائل الإعلام أو عبر أيّ وسيلة أخرى كمواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأيام؟ هل هو مسلوب التفكيروالإرادة والتروي والتمحيص والفهم ومن ثمّة ترك للسلطة تفكر له ونيابة عنه حتى وجد أنّ أمانيه عاث بها التخبط وأن الوطن يعجّ بالرطانة الهوجاء في مهاجع “النت” وفي مهاجع الفراغ الوطني الهش والدعوة إلى نهب المال العام. ففي وسط الزحام هذا والعبث بمستقبل الأجيال القادمة ففي شؤون الكلمات نكاد نستبين بأنّ : عينك ميزانك .