حكايات وذكريات: سيرة قلم 11
سعيد العريبي
عام 1973.. وبعد حصولي على الشهادة الإعدادية مباشرة.. ولضيق ذات اليد ولحاجة أسرتي الماسة لضرورات الحياة.. تقدمت مع من تقدم للعمل بمؤسسة التأمين كموظفي استقبال بمستشفى التامين بالحدائق.. أجريت للمتقدمين مقابلة بالخصوص.. وكنت بفضل الله تعالى أحد المقبولين.
ومن أطرف ما حصل لنا في تلك المقابلة.. أن أحدنا نال إعجاب أعضاء اللجنة المكلفة بإجراء المقابلة.. لكنه ورغم ذلك تعثر في الإجابة على بعض الأسئلة.. فتعاطفوا معه.. وقالوا له: إذا قلت الآن (غناوة علم) تنال إعجابنا.. وتعبر عن الوضع الذي تعيشه اعتبرناك ناجحاً.. ففكر قليلا.. ثم قال:
“اللي مو غني بالمال … قدامه أولافا يوخذوا”.
فتعجبوا من سرعة بديهته.. وقالوا له: طالما أنك تعتقد أن العمل معنا يحقق لك ما تتمناه.. فاعتبر نفسك واحدا منا.. فخرج علينا مسرورا وحدثنا بما حصل معه.. وكان الوحيد الذي عرف أنه قد قبل.. وقبل أن تعلق نتيجة المقابلة.
كان الناس في ذلك الوقت طيبين.. جلهم عاصروا زمن المملكة الجميل.. ولم يؤثر فيهم النظام الجديد بأكاذيبه وخزعبلاته.
استمرت مدة عملي بمؤسسة التأمين حتى سنة 1977.. واصلت خلالها دراستي الثانوية بالفترة المسائية.. حيث درست السنة الأولى بمدرسة النصر.. انتقلت بعدها إلى مدرسة صلاح الدين طالبا بالصف الثاني.
كنت وقتذاك.. محبا للقراءة مغرما بجمع الكتب.. وكانت أمنيتي في ذلك الوقت المبكر من حياتي أن أكون كاتبا.. تلك كانت أمنيتي.. وقد شرعت بالفعل في تسطير محاولاتي الأولى نثرا وشعرا.. وعرضت بعضا مما كتبت على من أثق في علمهم وثقافتهم.. فنصحوني بكثرة القراءة وتعلم قواعد اللغة العربية.
من هنا بدأت رحلة بحثي عن معهد أو مدرسة خاصة أو عامة لتعليم اللغة العربية.. وأذكر أنني ذات يوم ذهبت رفقة صديقي وابن عمي الأستاذ عبد الرسول العريبي يرحمه الله.. إلى أحد معاهد تعليم اللغات بمدينة بنغازي.. وسألناهم إن كان لديهم دورات لتعليم اللغة العربية.. فتعجبوا من طلبنا واعتذروا.
ذات يوم حملت بعضا مما كتبت وذهبت في زيارة إلى الإنسان الخلوق والمتواضع جدا الأستاذ الشاعر/ علي الفزاني يرحمه الله.. وكان وقتها مديرا لمركز الصابري الثقافي.. فأعجب بما كتبت وشجعني كثيرا.. وسألته عن أفضل الكتب لتعليم النحو العربي، فنصحني بقراءة كتاب “تنقيح الأزهرية”.. وهو كتاب قيم يعرض قواعد اللغة العربية بأسلوب سهل ومبسط.. اكتشفت فيما بعد أنه أحد مقررات المدارس الدينية.
أثر في ذلك الاهتمام والاستقبال الحسن من قبل شاعرنا الكبير.. ومنذ ذلك الوقت ظللت أحمل له احتراما وتقديرا كبيرين.. إلى أن توفي يرحمه الله تعالى.