النقد

المراجعات والنقد في عالمنا الثقافي

من أعمال التشكيلي الليبي_عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)
من أعمال التشكيلي الليبي_عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)

السرديات في مفهومها الاصطلاحي العام تشمل أجناسا مختلفة وحقولا متعددة من قصص قصيرة وروايات ومسرح وسينما وفنون الرسم وأيضا الغناء.

ومنذ مطلع التسعينيات ومع انتشار تقنيات الفضاء الأزرق حدث انفجار معرفي شمل كل المجالات/ التخصصات، ولعبت التقنية الدور الأول في هذا الانتشار. هذا الانتشار افرز كميات هائلة من السرديات، وصار كل من هب ودب يكتب ويسرد ويقّيم دون أية ضوابط تحكم هذا الانفلات.

الأغاني المعاصرة، وبغض النظر عن جمهورها وشهرتها وانتشارها وقيمتها الفنية، تظل تعبر عن واقع ما، في زمن ما، ومكان ما، فهذا الشيء المسمى أغنية، أو فنا، هو نتاج كاتب يسمي نفسه شاعرا، وجد شركة إنتاج تهتم بكلماته، لتدفع بها إلى ملحن وموزع، ليضعا لها لحنا، ومن ثم اختير لها صوتا يؤديها. كل هذه العمليات تصبح فنا معاصرا له جمهوره ومتابعيه، وسواء كنا منهم أو لم نكن، اعتبرناها فنا راقيا أو وضيعا لا يهم فهي تغزونا في كل مكان. كذلك سارت بقية السرديات عندنا فنطالع الدواوين والقصص والروايات في زخم لا مثيل له قال عنه- وهو محقا- الناقد المغربي “تسونامي السرديات”.

كل ذلك شكل واقعنا الذي نعيشه وأثر فيه وتأثرنا به. فالسرديات والأداء نتاج عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية. بغض النظر عن الأحكام القيمية التي ننظر بها إلى هذا الواقع. وقناعتنا أنه يصدمنا ويضربنا وايضا يطبطب كما تقول كلمات الأغنية:

يا اطبطب وادلع
يا يقولي انا تغيرت عليه
انا ازعل اولع
ماهو كل همه ازاى ارضيه

وجميع فنون السرديات تعكس نفس الأجواء، وتقع معاني هذه الكلمات المغناة على قراءتنا للمشهد الثقافي وعلى ذات المنوال الواقعي المنتج لكل هذا الفن/الابداع/الهراء لا تهمنا التسميات. سوف ننظر الى الفضاءات الافتراضية والواقعية، ونتفحص الاعمال الثقافية ودعونا نطلق عليها” تغريدات ” القوم.

التغريدة: رغم شهرة هذا المصطلح التي ارتبط بموقع معين على الشبكة الدولية (تويتر تحديدا) وارتباط اللفظ بالشعار المعبر عنه بعصفور أزرق صغير، يمكننا استعارة لفظ تغريدة/ تغريدات كلفظ معبر بجمالية أنيقة عن زقزقة العصفور وغناء رفقة الطيور. لنطلقه كوصف عما ينشر من بالتغريدات سواء كانت قليلة في كلماتها أو كثيرة، قصرت عن المعاني المرجوة، أو فاضت عنها.

وحتى لا نوقع أحدا في لبس مصطلحنا نود التأكيد أن (التغريد) نقصد به أي شي يكتب على أساس أنه منتج ثقافي منشور. سواء إلكترونيا أو ورقيا ونسمي صاحبه مغردا.

والفضاء الأزرق اليوم يعبئ رؤوسنا يوميا بعشرات ومئات السرديات تحت مسمى الشعر والأدب والمسرح الدراسات. إلخ وصار الكل يتطاول بكونه البطل صاحب الفتوحات في مجاله وغير مجاله، وهؤلاء الذين اسميهم الهواة

وتأسيسا على ما سبق، لنحلل وفق الميزان النانسوي العجرمي، في فن الطبطبة، لنعبر عن واقع نقذنا الثقافي العلمي وفق التغريدات التي تطفو على ساحات النشر الالكترونية ولنتخذ من أسطر كلماتها عناوين لمقالتنا المتواضعة.

المبحث الأول: النقد المجامل (اطبطب وادلع)

عند متابعة الكثير من التغريدات القصيرة والطويلة أو المقالات المنشورة من الإصدارات الليبية والتي تتخذ من فن المراجعات مادة لها، يمكننا إجمالها تحت فئة (طبطب ودلع) مثل نقد الروايات والقصص القصيرة والكتب العلمية. نجد المنهجية العلمية تغيب في كثير من الأحيان عن هذه المقالات/ التغريدات، وهذا الأمر يجعلنا نسأل عن أهلية وقدرة المغرد عن الخوض في هذا الفن؟ وهل امتلك أدواته؟ وعند تتبع مجموعة التغريدات نلحظ وجود نوعين من هذا الفن التغريدي:

1– التغريدة الإنشائية

تمتلك بعض العصافير المغردة على قدرة متميزة باللعب بالألفاظ اللغوية في سياقات جميلة من تراصف الكلمات المنمقة. والتي تذكرك بدروس البلاغة وعلم البيان والبديع، عبر تشنيف الآذان بمصطلحات سيبويهية فضفاضة. ومن التعابير المدعمة أحيانا وعلى إستحياء بمدارت الحداثة. وتكون أيها القارئ/ المتلقي عند قراءاتها قد صدمت بحقيقة واحدة. لم يكن من هدف لهذه التغريدة إلا فعل الطبطبة النانساوية العجرمية. وتخرج بخلاصة مفادها، أن المقال (طبطبة ودلع) من الناقد لصاحب النص، فقط لا غير. ودعونا لا نخوض في النوايا وقصدية الناقد التي قد– وأقول (قد) وهي تفيد الظن؛ والظن لا يغني عن الحق– تأتي من خلفية رومنسية للجنس صاحب/ة النص، أو من خلفية النسب الأزرق للعرقية المشتركة للقبيلة. أو من خلفية (ولاد شارعنا) واي دخيل فهو عدو؛ لهذا علينا دعم تغرديات/ هراء بعضنا البعض، بغض النظر عن أية أحكام قيمية. وهكذا يصل فعل الطبطبة إلى ذروته الاستشرافية.

2– التغريدة المنهجية

⁠النوع الثاني من التغريدات التي تتصف بالعلمية وتتبع المنهجية المدرسية غارقة في التعليمات لتصير بمثابة كتاب منهجي على غرار كتيب الأرشد لأي جهاز الكتروني تشتريه لبيتك. حيث يصير تطبيق النظريات وفق منهج نسقي صنعه أهل الحرفة. ويجري تطبيق التغريدة عليه في محاولة تجريدية طويلة تسمى مراجعات أو نقديا. يكتبها متخصصون وهواة من أصحاب الحرفة الذين لم يطوروا هوايتهم في مادة التعبير- التي يتقنونها- إلى دراسة مناهج البحث التي ظلت عصية عليهم. وقد لا أبالغ إذا أقول عصية على الصنفين حيث غابت عن تغريدتهم روح المنهج (كما وصفه لحصادي) لنعيش عصر المنهجية الكليشهية/ القوالب التي أغرت العديدين بكتابة سيل من البحوث؛ المطلوبة للترقيات الوظيفية، التي لا تجد غضاضة من تمريرها لجنة المحكمين من ذات الصنف المغرد. وقبولها واعتمادها. وهنا يمكننا بكل سهولة تجديد الحكم عليها بالهراء؛ وتلاحظون بأنه ليس حكم جائر لها، بقدر ما هو حكم المجلات الرصينة الدولية التي لا تقبل بها في صفحاتها. دلالة على خوائها كما قال الحصادي. وهكذا تمر هذه التغريدات وفق قانون (الطبطبة المتبادلة). وقد قامت بمهمتها على اكمل وجه.

المبحث الثاني: رفض النقد (ازعل اولع)

نحاول هنا ان نستعرض بعض من ردود الافعال وهي قليلة عند حدوث اي عمليات نقد او نقد النقد، وهذا المبحث ليس لدينا الكثير لنقوله فيه؛ حيث نشهد فقر مدقعا لتغريدات من هذا النوع، فالطبطبة قد فعلت فعلها فيهم، فركنوا لجانب الدعة وراحة البال، مغلقين الباب، وعاملين بالمثل الشعبي (الباب اللي تجيك منه لرياح صكره وارتاح). فهؤلاء الهواة لم يتأسسوا على قبول النقد الفعلي، وحين يأتي ذكر النقد، يفهمون منه تغريدات وتعليقات اشادة وبيانات تأييد للأخ القائد. وفي حالة تجرأ أحدهم وكتب تغريدة نقدية بشكل ما، وان ذكرت على استحياء، يكون بذلك قد قذف حجر فعكر صفو الطبطبة، وبدل أن يكون الرد وفق قانون نقد النقد؛ فإننا نجد عند هؤلاء الهواة ردود من نوع اخر:

1- اعتبار هذا النقد من قبيل الخروج عن الحق الطبطباوي ولا حق لصاحبه في التعبير واعتبار أقواله هراء مضاد ويجب تجاهله.

2- اعتباره التغريدة النقدية قمة العار والشنار، ولذا يتم استدعاء القبيلة للدفع عن شرف تغريدها المنتهك.

3- تصدر بيانات الاستنكار من كل اللجان الثورية منها والوطنية لتتم شيطانة التغريدة والمغرد واعتباره زنديقا وداعشي وقليل تربية.

4- إعلان الحظر؛ فتفرض عليه المقاطعة بجميع أنواعها. وظنهم أنها تؤدي حتما إلى إسكات المغرد وتلاشي نقده. (حسب زعمهم).

5- الهجوم المضاد عبر التغريد الملغم والإشارات (التلقيحية) حيث يتم النزول عن فعل (ازعل اولع) إلى نظم الزمزامات في الردح.

6- تجنبا لما سبق لا ذكر للأسماء المدعية للشعر ولا المدعين للكتابة ولا للنقد. (كما فعلت الأن معكم) فالتمويه سيد الأحكام.

الخلاصة

هذا المشهد ملء بالهواة المغردين، وبنصوص وسرديات خالية من روح الإبداع أو روح العلم منتفخون كما يقول علماء النفس ب “التفوق الوهمي”، وتقع هذه كل التغريدات والتعليقات المصاحبة لها في خانة (ازاي أراضيه).

ويصبح حقل النقد أرضا ملغومة بالهواة المغردين الذين تسموا بأسماء لم يعوا أبعادها المهنية ولا العلمية، معتمدين على عامل الأقدمية في الحرفة، وفي ظنهم أن الاحتراف يأتي بالتقدم. متناسون حقيقة مؤداها أنهم يكررون أنفسهم كل عام. ولعل أسوء ما تلحظ منهم عند تبجحهم بخبراتهم الموهومة أن يذكروك بسيرة مهنية معبأة بحضور اللقاءات والمنتديات والمؤتمرات. ليكتب في ورقات السير الذاتية، ومتى كان الحضور علما يعتد به؟ مما يزيد في قناعتنا على كونهم هواة.

مقالات ذات علاقة

محمد العارف عبيه

المشرف العام

بلاغة التكثيف وأفق التصوير الشعري في مجموعة “لمختلفين في نعناع النظرة”

المشرف العام

حقوق على ضفاف الوحل

المشرف العام

اترك تعليق