محمد دربي
ما علاقة العدل بالملكية وبالذات ملكية السكن؟
عند حيازة المرء أية ملكية لم تكن من حقه القانوني ولم يرثها كما يمليه الشرع المنضبط وتقتضيه الأعراف السائدة المُتفق عليها بين الناس اجتماعيا ؛ فهل يمكن اعتبار تلك الملكية حيازة قانونية عادلة وسلوك أخلاقي غير مشين رغم أنّ فيه اعتداء بيّن على حق الآخرين؟ من جهة أخرى هل السطة السياسية الحاكمة تملك التبرير القانوني والأخلاقي الذي يشجع الناس للسطو على أملاك الأخرين وذلك عندما تقوم بتحويل ملكية عينية خاصة وبمنتهى السهولة من شخص لآخر وفي حالات كثيرة يدركها كلّ الناس بالبصر والسمع والوعي؟
افتراض وهمي:
لنفترض أنّ مواطن ما يمتلك عمارة قضى سنوات في بنائها وتعميرها مع تأثيثها بكل وسائل الراحة والمنافع الحياتية والسكن المريح والصيانة المستديمة وتحمل اسمه العائلي ويقوم بتأجيرها للناس في المجتمع ألي يعيش فيه وذلك حسب شريعة المتعاقدين والأعراف السائدة وفي أحد الأيام رفض المستأجر بكل البساطة أنْ يدفع الأجرة ومن ثمّ أعتبر هذا الأخير أنْ المكان الذي يسكنه أصبح ملكية خاصة له وبيت يسكنه ويربي فيه أطفاله ويصوم ويصلي فيه تحت النظام السائد الذي أباح ذلك وسمح به؟
السؤال حول هذه الغنيمة؟
تحت أية ظروف وبأيّ وسائل قانونية وأخلاقية يمكن حيازة وظمّ هذه المسكن واعتباره ملكية خاصة له ولعياله وأحفاده؟ هل يجوز شرعاً وعُرفياً السطو على أملاك الناس من دون أي رادع على الأقل أخلاقياً؟ هل فكّر الساكن وحكّم ضميره وعلى هذا النحو أنّ ذلك الصنيع والسطو على أرزاق الناس يؤدي إلى الضير العظيم بصاحب السكن الذي أمضى ردحاً من الزمن في بنائيه؟ أليس السطو على أرزاق الناس عمل مشين؟
لنتأمل حياتنا الفكرية والعملية لنعرف ماهي شهادة الواقع والتاريخ.
أولاً: إذا أراد المستأجر أنْ يمتلك البيت أو الشقة بناءً على أسس قانونية وعلى شرع المتعاقدين وما تقتضيه الأعراف، ففي هذه الحالة الملكية تعتبر حق للمستأجر عُرفيا وقانونياً باعتباره أصبح مستأجرا بالتعاقد وليس هناك أيّة مخالفة للقانون والأعراف ولا القفز من فوق العدل ايضاً. فمن المؤكد إذن، أنْ الأمر طبيعي ليس فيه غموض. لا غش فيه ولا عداوة ولا ضرر ولا ضرار.
ثانياً: إذا اراد المستأجر حيازة السكن وملكيته من دون الأستناد على إجراءات قانونية وتعاقدية وإنّما بناءً على أمور سياسية مضطربة تجسد قيم التسيب وتساعد على إتاحة الفرص على السطو على أملاك الآخرين وهي أمور تحتاج دائماً إلى معالجة لأن فيها إساءة إلى مصالح العامة والتخلي عن القيم، فهل في هذه الحالة له الحق في امتلاك المسكن والسكن فيه تحت أيّة مسميات وتبريرات لا تحفظ كرامة أحد؟
“البيت لسكانه”:
لنأخذ مثالاً من واقع الليبي في عصر ” الجماهيرية” تحت سلطة ” القائد التاريخي ” ومقولته الشهيرة الفاقعة التي فيها إيقاع الأذي على الغير والتي تقول: ” البيت لساكنه ” والتي امدت في براح كبير وأعطت للمواطن الليبي الحق في نقل ملكية مواطن آخر له ولأسرته فبعد أن كان مستاجرا أصبح مالكاً للسكن بناءً على هذا الشعار المغري المُحفز على السطو والسرقة: ” البيت لساكنه ” من دون اية اجراء قانوني وأخلاقي مُتفق عليه سلفاً ولا حتى حسب” العقد شريعة المتعاقدين”، كما وليس لمالك السكن وصحاب المُلك أنْ يعترض أو يحتج على هذا الضرر الذي لحق به ولحق بأهله إذ أنْ السطة القائمة قد أجازت ذلك وسمحت به في المجتمع.
الشعار فوق القانون:
بمُجرد أنْ يقوم المواطن بأستخدام هذا الشعار بمثابة أمر للأستيلاء وحيازة هذا المسكن الذي كان يقطنه من دون أيّ مبرر قانوني، فقد يشكل الأمر منذ الوهلة الأولى وقبل كل شيْ آخر تأخر الوعي والأخلاق بين بعض أفراد المجتمع، بل غياب الثقافة السياسية السليمة والعيش السايب في غوغائية مجتمعية تقبّل الناس إتباعها من دون مراجعة اخلاقية أو قانونية لها وأسست بناءً عليه عملية غير عادلة وغير منصفة في حق المالك الفعلي ألذي يقع تحت ضغط عدم الاعتراض والمطالبة بحقه في ملكية السكن كأنّه لا يملك شيئاً غير الإساءة إليه وإحسان السلطة للسارق، بينما يراها المستأجر صفقة منصفة وعادلة ورزق من السماء في مداه وعجائبه المُنعمة السّخية شاعراً بالرضى عما حصل عليه وجاء به ما ساقه القدر له ولعياله على وفاق مع النظام لإقاع الغير في التهلكة ومع الوفاق العام في المجتمع لهذا السلوك الظالم إذ يتفق الحاكم مع المواطن على ارتباك أفحش أنواع السلوكيات الاجتماعية. لقد أستطاع السارق الراضي تحقيق غاياته دون الإكتراث لماهية الوسائل التي يتبعها والتي من الواضح أنّها لا ترقى وتسمو نحو الإنسانية. النظام السياسي يمتلك نفاذاً يفوق نفاذ القانون.
العرف الأجتماعي:
ومن جهة أخرى فأنّ القانون والأعراف الأجتماعية ترى في الصفقة على أنّها غير قانونية وغير عادلة وغير أخلاقية ويعتبرها العرف الاجتماعي عمل مشين لا تصدر إلا عن شخص لا يمتلك نعمة التفكير السليم.
والسؤال الثاني: فإذا قام كل المُستاجرين أو معظمهم بالأستيلاء على المسكن أو الشقق فما تاثير ذلك على حقوق المواطن صاحب العمارة؟ هل المستأجر الذي تحول إلى مالك بناءً على مقولة ” القائد التاريخي” ومن دون أنْ يدفع فلساً واحداً له الحق في هذه الملكية؟ فالأمر يبدو مشروعاً وقناعة الناس به أمراً تجب طاعته
هذه الحالة شبيهة بحالة من يسطو على بنك ويطلب من الموظف المصرفي أن يضع جميع الأموال التي في حوزته في حقيبة السارق، وإنْ لم يفعل فماله الموت ! ومن ثمة هل السطوعلى ممتلكات الآخرين عمل قانوني وأخلاقي له ما يبرره؟
“الجماهيرية العظمى”:
ففي عصر ” الجماهيرية العُظمى ” لم تكن هناك سلطة قانونية تحمي الناس من سلطة ” القائد التاريخي”، بمعنى أنّ القضاء لا يتدخل فيما أجازته هذه السلطة الأخيرة، فضلاً عن ذلك لم يكن هناك وعياً ذاتياً يصحبه تفكير سليم يمنع الناس من استغلال فرصة الاستيلاء على املاك الآخرين. عرفياً وأخلاقياً ليس من أنسان يملك نعمة التفكير السليم القيام بذلك خاصة أنْ الزمن في تغيّر ولكل صاحب حقٍ منادٍ.
” القائد التاريخي” رأى بأنّه قد أخترع نظرية لـ ” حل المشكل الأقتصادي ” وهي نظرية فوق القانون وفوق الأعراف التي عرفها الناس ولذك لم يكن بوسع الناس اللجوء إلى المحاكم وخاصة أنْ القوانين المعمول بها في البلاد قد ” عُطلت” قبل ذلك بسنوات في خطاب أزوارة الشهير ومن ثمّة فلا حاجة للقضاء.
السلوك الجمعي:
عندما تتحول الغوغائية إلى سلوك جمعي يصيب مجموعة من الناس ويكون ظاهرة مهيمنة قد زرعها ” القائد التاريخي” كمشروع ايديولوجي فإنّ مثل هذه الظاهرة عند استفحالها وتعم فوضاها ونتائجها السيئة، تكون مؤشراً قوياً على انهيار وتحطم قيم وأفكار النخب الثقافية السياسية التي في مقدورها تنوير الوعي العام وتحاشى غياب العدل وسيادة القانون.
إذنْ فما العلاقة بين الملكية والعدل في مجتمع أجاز السطو على أرزاق الناس وذلك برعاية من ” القائد التاريخي”؟ وبشهادة جميع الليبيين؟