استطلاعات

مثقفون ليبيون يكشفون عوار الواقع السياسي في البلاد

لم يتنازلوا عن أقلامهم ولم يفرطوا في فرشاتهم ولم يمزقوا آلاتهم

جابر نور سلطان

عن الصحيفة
عن الصحيفة

على الرغم مما يبدو من غلبة أصوات القذائف وسيطرة زخات البنادق وجلبة جنازير المدرعات، يظل صوت المثقف الليبي هو الفيصل، وتظل قراءته للواقع هي الدامغة والأقرب للحقيقة. المثقفون لم يتنازلوا عن أقلامهم ولم يفرطوا في فرشاتهم، ولم يمزقوا آلاتهم. لم يستبدلوا المداد بالزناد وانحازوا لسفك الحبر ولم ينحازوا لسفك الدم.

في هذا التقرير ترصد ‘القدس العربي’ آراء عدد من أبرز المثقفين الليبيين حول الواقع السياسي الليبي والمخاض الذي يعتري البلاد اليوم

الشاعر فرج العربي :

فنتازيا المشهد الليبي

التقيت مصادفة برجل عجوز ودار بيننا حديث عن أحوال البلاد وما يحدث هذه الأيام في ليبيا فقال لي القذافي غرس ثلاثة أشياء في نفوس الليبيين، أولها انعدام الانتماء، وثانيها زرع روح الحقد والكراهية وضرب الليبيين بعضهم ببعض، وثالثها الرغبة في الكسب غير المشروع .

وربما هذا الرأي يتحول إلى حكمة ويترجم ما يحدث اليوم في الشارع الليبي حيث إن ثقافة القذافي التي تحدث عنها هذا العجوز ما تزال سارية المفعول، وربما ارتدت أقنعه أخرى ولكن اختلفت المسميات وتشابهت الوسائل .. لعلنا نشاهد فرض الرأي بالسلاح وحالة الحقد والتخوين والإقصاء وانتشار الفساد في كل شيء.

المشهد الليبي مشهد فانتازي بامتياز وهو لا يختلف عن المشاهد العربية التي قامت فيها ما سمي اعتباطا (ثورات الربيع العربي) التي كانت تنشد التغيير فوقعت أسيرة الماضي .

في اعتقادي لا مخرج للإشكاليات التي تعيشها ليبيا اليوم إلا بالحوار الوطني وليس الحوار السياسي، اقصد الحوار الجريء والشجاع وبمشاركة كل الأطراف بعيدا عن الأحكام المسبقة فلا تعايش بدون مصالحة.

الكاتب الصحافي فتحي بن عيسى:

صراع مرشح للانفجار

تعيش ليبيا صراع هوية بالدرجة الأولى وهي تبحث عن ذاتها التي طمسها القذافي وهو ما اعترف به في أكثر من خطاب لعل أشهرها خطاب زنقة زنقة عندما قال : من يعرف ليبيا في العالم .. عندما تقول لأحد ليبيا يرد عليك لبنون ليبيريا .. لكنهم جميعا يعرفون معمر القذافي .. أوه قذافي ليبيا !! هذا الصراع مرشح للانفجار في أي لحظة ليصبح مدمرا بسبب غياب ثقافة الحوار، وتقبل الاختلاف .. بالإضافة إلى أزمة ثقة حادة بين جميع مكونات الشعب الليبي فضلا عن ثأرات وأحقاد دفينة تراكمت مع الزمن فهذا أسهم في إعدام ذاك وذاك اغتصب أملاك هذا .. وتلك وشت بأولئك وهلم جرا . كان الأولى بأي سلطة تدير البلد أن تصلح القضاء ولو أدى الأمر للاستعانة بالقضاء الدولي للفصل بين المتنازعين وبسرعة، وهو ما يكفل خلق ثقة مفقودة تجعل من الجميع يلجأ لاستيفاء ما يراه حقا بالذات .

الناقد الأدبي فتحي نصيب :

غياب مفهوم الوطن

أرى أن ليبيا تواجه وضعاً صعباً. لعدة أسباب منها: 1-التركة الثقيلة التي تم توريثها للشعب، لا يوجد ملف واحد إلا ويحتاج إلى وقت وجدية لعلاجه، كملف التعليم والصحة والأمن والقانون والحريات العامة وحقوق المواطنة..وصولا إلى البنية التحتية المنهارة. 2- الفساد الإداري والاقتصادي والنهب غير المسبوق للمال العام طوال السنوات العجاف الماضية، الأمر الذي جعل ليبيا في المراتب الأولى عالميا في الفساد وتكاد تنافس الصومال في هذا المضمار، وعلاج هذا السرطان يتطلب دولة وقانونا وجيلا وعقليات وسلوكيات جديدة تماما. 3-التجهيل الإجباري الذي مورس على جيل بكامله، جهل تعليمي وثقافي ولم ينج إلا من نال دراسة وثقافة من العهد الملكي. 4-إن تغيير أي نظام سياسي أسهل بكثير من تغيير بنية ذاك النظام، ليس المقصود البنية السياسية أو الأمنية والبوليسية ،بل البنية الفكرية والسلوكية ،فالكثير من المسؤولين ،أو حتى المواطنين العاديين اكتسب تنشئة سياسية تلغي الوطن والوطنية لصالح المصلحة الذاتية الضيقة، فغاب مفهوم الوطن وحل محله مفهوم النظام السياسي ،والولاء للنظام الذي يدفع المواطن للتحايل والتهرب من الواجبات الأساسية لبناء اية دولة في العالم. 5-يتنافى بناء اية دولة حديثة مع وجود ولاءات قبلية وجهوية ،وليبيا تم تكريس الوجه المقيت من القبلية، أي الوجه السلبي منها، وهذا عامل كابح لبناء الدولة ؟ 6- تم في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير وقوع مفارقات عجيبة وغريبة ومنها: ظهور أحزاب سياسية قبل صدور قانون ينظم عملها بل قبل صدور الدستور الذي يحدد وجه وشكل الدولة وينظم عمل الأفراد والجماعات، ومنها صدور قانون العزل السياسي قبل تطبيق مطلب العدالة الانتقالية الذي يمهد الطريق لبناء مجتمع سياسي على غرار دول أخرى شهدت حروبا أهلية داخلية، ومنها تناحر حزبي ومنازعات سياسية وكأننا في السويد، بينما الكثير من هذه التجاذبات السياسية في الظرف الحالي ترف لم نصل إليه بعد، فهل يعقل ان يتم تنازع سياسي في المؤتمر الوطني في الوقت الذي لا يستطيع هذا المؤتمر عقد جلساته في مناخ هادىء وصحي وحتى قبل توفير احتياجات المواطن الأولية، وأزمة الأمن والبنزين والكهرباء وتصريف مياه الأمطار والصرف الصحي خير شاهد، وأيضا تم فرض قوانين بقوة السلاح باعتراف أعضاء بالمؤتمر الوطني. أما ما يتعلق بالمثقفين فحالهم من حال الآخرين فحتى اللحظة لم يتم اجتماع الكتاب والأدباء لوضع تصور لرابطة أو نقابة أو اتحاد يجمعهم، فكيف يعول عليهم ليكون لهم دور ايجابي في بناء الوطن وترميم بنيانه وتضميد جراحه؟ مع كل هذه المعوقات فانه بالإمكان إعادة بناء الدولة ..فقط ان قدم كل منا المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة.

الكاتب الصحافي ناصر الدعيسي

شوفينية كراسي

الحالة الليبية التي نشاهدها اليوم . هي محطة صعبه تشكلت بسبب العديد من الظروف الراهنة ،التي كانت نتاج تلك الأخطاء السياسية القاتلة للنخب السياسية التي التصقت بالثورة في بدايتها، وكانت طليعة عمل سياسي غير متجانس مع روح الثورة وديناميكيتها . وتلك البدايات الخاطئة كما يقول علم المنطق كانت نتائجها خاطئة. ما تشهده ليبيا من احتقانات كان نتيجة عدم السيطرة على البلد وتخليق فكرة التحول من الثورة للدولة وتأهيل مؤسسات ليبية لترتيب مرافق الدولة التي خرجت من رحم عمل تاريخي حقيقي لإيقاف الديكتاتورية والقمع وحقوق المواطنة . وهو تحول لم يدرك الكثيرون التهاون في خلق توازن مع واقع سياسي جديد يستوجب تحمل المسؤوليات الوطنية بعمق ووعي للمرحلة الاستثنائية لليبيا . وقد جرى قفز سياسي على الكثير من المعطيات السياسية ،وانزلقت البلاد لفوضى وروح عداء ونزعات ضيقه وشوفينية كراس سياسية . لا توجد انغلاقات للمأزق السياسي في ليبيا ،بل توجد نخب سياسية فشلت في إدارة البلاد ولا تزال تتواجد في سلطة القرار .

سالم الهنداوي:

القوى المشبوهة

ليبيا على هذا النحو، في ‘مأزق’ سواء أكان هذا المأزق ناتجاً عن ‘الانتفاضة’ بالتباساتها المعنية وما تحتمله من تأويل، أو ناتجا عن سوء إدارة المرحلة الانتقالية الأولى وما تلاها من إدارات أزمة وحكومات بائسة.

هذا المأزق خطير بطبيعة الحال لأنه تكوّن من فشل ظاهر افتقر لمقوِّمات إدارة شؤون الدولة في مرحلة مفصلية.. فغياب التخطيط الاستراتيجي صنع الأزمة الأمنية وفوضى السلاح، وأنتج الفراغ السياسي الذي منه تكالبت القوى ‘المشبوهة’ على تعبئته بالظواهر المتطرفة، الدينية والحزبية، المدعومة من الخارج، وبالخوارج، وبالسلاح والجماعات المسلحة.. فوقعت البلاد أسيرة أزمات تتفاعل وتتفاقم في بيئتها المناسبة، وبدل أن يلجأ العُقلاء، في المرحلة الحرجة، إلى تفاديها بالحكمة، زادوا من حدتها وتأجيجها لدرجة أصبح من الصعب الوقوف عند أسبابها، فغلبت الظاهرة ‘أسبابها’ وصارت هي ‘الأزمة’ التي تقتات على ظروفها المواتية.. وهنا قد نسمّي ‘الشرعية’ بالحالة الممكنة ‘العاقلة’ التي جاء بها الشعب في غفلة.. فجاء ‘المؤتمر’ نتاج انتخاب خائب ليفسخ عقد الشراكة في الديمقراطية بين ‘الشعب’ و’الأحزاب’، وليضيِّع ما تبقى من آمال لإنقاذ البلاد.

هذا المؤتمر مثلاً بدل أن ينشغل بقانون ‘العدالة الانتقالية’ ويعمل على ‘المصالحة الوطنية’ ذهب إلى سن قانون للعزل السياسي، فأضاع ‘العدالة’ وأضاع ‘المصالحة’ معاً.. وهنا نسأل من المستفيد من هذا القانون في عز الأزمات التي تعيشها البلاد سوى الدفع بالمزيد من الأزمات في أتون المأزق الحقيقي لثورة فقدت أهم مكتسباتها في الحرية، وهي ‘الديمقراطية’ التي ذبحها السلاح على باب الجهل بالثورة.

لقد كانت الأحزاب في ليبيا سلاحاً ذا ‘حدٍّ واحد’ على رقبة الديمقراطية، في سلخانة المؤتمر، والبائع كانت الحكومة، والشعب يشتري ذبائحها بالجملة غير مُدرك للحم الفاسد الذي يتناوله كل يوم، بالتفجيرات، والاغتيالات، والإقصاءات، وفعل الأجندات، والسياسات الجاهلة التي أوصلت البلاد إلى النفق وأفقدتنا الأمل بوجود بصيص ضوء في نهاية هذا النفق.

بلاد وصلت إلى هذا المستوى من العبث والطيش السياسي والاجتماعي، لا شك ستكون مفتوحة على مختلف المخاطر، من جواسيس ومتطرفين وفاسدين في المال والأخلاق.

لقد أقفلت ‘السُّلطة الراهنة’ بأجندتها، الباب على مبادرات ‘العقل’ والاستفادة من الخبرات.. فليبيا قبل ‘الثورة’ ليست عاقراً، بل بها كفاءات بإمكانها إنقاذ البلاد من هذا العبث السياسي باسم الديمقراطية.. هذا الانحراف ‘المؤدلج’ أقصى الكفاءات الوطنية من إدارة شؤون الدولة، والمساهمة في فك عقدتها المتأزمة، والخروج بها من مخاطر مأزقها… فلم تعُد هذه الكفاءات تنشغل برؤية بناء الدولة الديمقراطية المدنية، بقدر انشغالها بعبط من في السُّلطة ويقود المرحلة الانتقالية البائسة.

يظل الأمل كبيرا في المستقبل، ومصدر هذا الأمل هو وعي ‘الشعب’ الذي أدرك حجم ‘المؤامرة’ على مستقبله، واستوعب المعادلات الصعبة التي فُرضَت عليه من الخارج بأجندات مشبوهة، وبإمكانه تصحيح الوضع بكفاءات أبنائه الوطنيين ‘المعزولين والمهمَّشين’… ولينال استقلال الوطن والذات بلا أحزاب ولا عصابات.

_________________

عن صحيفة القدس العربي – January 13, 2014

مقالات ذات علاقة

هل نشهد قريبا موت الرواية العربية

خلود الفلاح

المثقف الليبي.. نسأل عن غيابه

محمد الأصفر

محل المكان من إعراب النصّ

مهند سليمان

اترك تعليق