الطيوب : حاوره / مهنّد سليمان
الموروث التراثي يشكل جزءا من هُويتنا الوطنية الجامعة، وأحد الجسور التي يمكن أن تقودنا نحو تحديد خياراتنا المستقبلية لكنّ المسألة تظل مرهونة بمدى فهمنا لهذا الإرث الكبير الذي تناقلته الأجيال وتوارثه الأبناء والأحفاد بتعاقب العصور منذ ما قبل كتابة التاريخ وحتى اليوم، الوعي بأهمية التراث في حيواتنا بمستوياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية يجعلنا مناطون بمسؤولياتنا وإلتزامنا إزاء الحفاظ عليه، والسعي لسن القوانين والتشريعات لحمايته والعمل على تطويره، ولعل مثل هذه الشروط لا تتحقق على عواهنها فلابد من إعلاء القيم الجمالية والحس الحضاري داخل أوساط الناشئين والطلبة فارتفاع منسوب الوعي في هذا الإطار سيبني علاقة طردية تتراجع بموجبها المخاوف، وتراكم الجهالة مما يدفع بالعجلة قدما لترسيخ ملامح واضحة تُبدد شكوك وهواجس الكثيرين حيال قضية الانتماء للمكان، إن استقرار شعور الانتماء والأمان في وعي الإنسان سيكون له تبعات ونتائج مثمرة تنعكس في صور أخلاقية جادة تُلزمه الحرص وعدم استباحة كل ما يمت بصلة للتراث والتاريخ، وفي ضوء إشكاليات التراث والموروث الحضاري والتاريخي لليبيا طرحنا مجموعة من الأسئلة على الباحث الأثري والأستاذ المشارك بقسم الآثار بكلية الآداب جامعة بنغازي الدكتور”خالد الهدار” حيث صدر له ما يزيد عن 180 بحث ومقالة علمية علاوة على سبعة كتب بالإضافة إلى سبعة كتب أخرى تحت الطبع، واهتم الدكتور الهدار بالنشر في مجالات مختلفة تخص الآثار الليبية لاسيما المسروقة منها والتاريخ القديمة كما شارك في عدة مؤتمرات وندوات وورش عمل علمية محلية ودولية فكان لنا معه هذا الحوار .
ليبيا بلد ينطوي على الكثير من الكنوز المطمور منها أكثر من المعروف، فبدءًا برسومات ونقوش الأسلاف الأوائل على جدران الكهوف والمدافن وليس انتهاءً بالممالك التي تكتشف من حين إلى آخر تحت الأنقاض، في تقديرك رغم حجم هذه الثروة الحضارية الهائلة في بلادنا ما هي الأسباب التي جعلت ليبيا تتأخر حتى اليوم في أن تكون وجهة للسيّاح والزوار ؟
تتميز ليبيا بكثرة وتعدد تراثها الثقافي المادي وغير المادي، وابرزه المواقع الأثرية المنتشرة على اغلب الاراضي الليبية والتي تمتد زمنيا من عصور ما قبل التاريخ وتحديدا الى أكثر من 200 ألف سنة ثم مواقع عديدة تنسب الى الحضارة الاغريقية والفينيقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية مروراً بالعصر العثماني وحتى الاحتلال الايطالي، حيث ان ليبيا لم يحدث فيها انقطاع سكاني أو حضاري، هؤلاء السكان الذين سكنوا ليبيا سواء ليبيين أصليين أو قادمين من الخارج تركوا لنا آثاراّ عديدة ومواقع أثرية مما يدل على سكانهم وحضارتهم التي طالت اغلب مساحة ليبيا؛ لدينا مثلاً في اقليم برقة او المنطقة الشرقية مدينة قوريني (شحات) ، ثم مدينة تاوخيرا (توكرة)، وسوسة (أبوللونيا)، وبرقة (المرج)، وبنغازي (يوسبريدس وبرنيكي) و بطوليمايس(طلميثة)؛ وهذه المدن أسسها الاغريق في أواخر القرن السابع وبداية القرن السادس قبل الميلاد بتعاون القبائل الليبية التي كانت تلك المدن تقع ضمن مواقع سكناها مثل الاسبستاي و الجلجاماي والباكليس و الادروماخيداي وغيرهم والذين تحالفوا في البداية مع الاغريق ثم الأخيرين انقلبوا عليهم مما أدى الى نزاع بين الطرفين استمر قرون عديدة، وقد استمرت تلك المدن في الفترة الاغريقية والهلنستية ثم الرومانية ثم البيزنطية مع إضافة قرى ومدن أخرى وتحصينات وكنائس وغيرها مثلما في لاثرون وقصر ليبيا ورأس الهلال وغيرها، اضافة الى قرية سلنطة التي كشف بها على معبد يرجع للقبائل الليبية يتميز بمنحوتاته المختلفة عن منحوتات المدن الأخرى في الإقليم مما يؤكد هويتها المحلية. كما لدينا بعض المواقع الأخرى التي ترجع إلى الفترة الإسلامية مثل اجدابيا وسرت وزويلة ، وفي في المنطقة الغربية لدينا مدن أسست بواسطة الفينيقيين مثل أويا، صبراتة، ولبدة والتي استمر الاستيطان بها في العصر الروماني وتعد مدينة لبدة من اشهر المدن الرومانية في العالم بسبب ما تملكه من معالم رومانية متكاملة، واستمر بها الاستيطان في العصر البيزنطي يضاف اليها مستوطنات ذات طابع محلي مثل قرزة ومستوطنات الاودية الليبية جنوب إقليم طرابلس، اما في المنطقة الجنوبية (فزان) فهناك الرسوم الصخرية في عصور ما قبل التاريخ ومواقع ترجع لحضارة الجرمنت. يضاف الى ذلك مدن اخرى ترجع الى العصر العثماني؛ مثلاً مدن طرابلس وبنغازي ودرنة وغدامس وغيرها؛ ومدن الجبل الغربي (نفوسة) بوحدتها الثقافية وعمارتها المميزة. هذه كلها مدن ومواقع ذات تراث ثقافي تركه لنا من سكن هذه الأرض لتعبر عن حضارتهم وتاريخهم الموغل في القدم.
أما عن الأسباب التي جعلت ليبيا تتأخر حتى اليوم في أن تكون وجهة للسيّاح والزوار ؟ومن خلال العرض السابق فمن المنطقي ان تكون ليبيا وجهة سياحية للسياح الاجانب بما تملكه من تنوع ثقافي وحضاري مميز تؤكده تلك المواقع التي تتميز بالكثرة والامتداد الزمني في عبق الماضي، لكن واقع الحال خلاف ذلك فالدولة الليبية لاسيما بعد الانقلاب على الشرعية الملكية وتغير نظامها وما نتج عنه من تغير موقف النظام الجديد من الدول الأجنبية واتخاذ موقع معادي لها،استتبعه اجراءات ادت إلى طرد (اجلاء) الكثير منهم من الأراضي الليبية سواء كانوا مقيمين او كانوا يعملون في بعض القطاعات، وبعضهم سحبتهم دولهم ردة فعل عن بعض قرارات الدولة الليبية مثل تأميم النفط، اضافة الى ان السياسة الخارجية لليبيا في الكثير من القضايا على المستوى الدولي لم تتمش مع موقف الدول الاوروبية الغربية والولايات المتحدة الامريكية، وما زاد الامر حدة تدخل ليبيا في الكثير من شؤون بعض الدول، واتخاذها اجراءات سلبية جعلت الغرب يصنف النظام الليبي بانه نظام ارهابي، ومن ثم فان ليبيا لم تكن آمنة لمجيء السياح، وليس هذا فحسب وهذا هو المهم ان ليبيا لم تكن دولة سياحية، اي انها بسبب موقفها من الدول الغربية فلم تكن تمنح التأشيرات السياحية لزيارة ليبيا الا في اضيق نطاق، وهذا استمر لفترة طويلة، ثم عانت ليبيا من الحصار الذي فرضته الدول الغربية وجعلت مجلس الامن يصدر قراره رقم 743 في عام 1992 وقد استمر هذا الحصار فترة طويلة حيث انتهى في عام 2003، وهذا ادى الى منع السياح من زيارة ليبيا والاستمتاع بآثارها، وعندما غيرت الدولة الليبية سياستها في ظل متغيرات عالمية عديدة لاسيما بعد 2003 والتصالح مع الدول الغربية، لم تصبح ليبيا وجهة سياحية، بسبب ان ليبيا محصورة بين دولتين سياحيتين بامتياز هما مصر وتونس، وقد اعتاد السياح الاجانب ارتياد تلك الوجهات السياحية، اضافة الى خبرة تلك الدولتين في مجال السياحة والاهم اعتمادهما على السياحة كمصدر رئيسي من مصادر الدخل، وقد كانت لهم مؤسسات مشرفة على السياحة (وزارة او هيئة)، هيئت الظروف المناسبة لتكون بلادهم مقصدا سياحيا، كما كان لديها سياسات تسويقية عززت من ارتياد السياح بلادهم، اما ليبيا فكان الامر خلاف ذلك حيث الاعتماد على النفط مصدرا رئيسيا للدخل ادى الى اهمال قطاعات اخرى واهمها السياحة وعدها مصدرا آخر للدخل، وهذا انعكس على الاهتمام بالمواقع الاثرية، وعندما فتحت السياحة بعد انتهاء الحصار لم تكن البلاد مهيئة لاستقبال السياح فلا توجد بنية تحتية في ليبيا بصورة عامة مثل وسائل الاتصال والمواصلات، وعدم توفر الفنادق والمنتجعات، كما أن المواقع الأثرية لم تكن جاهزة لاستقبال السياح فلا توجد بها مرافق مناسبة لتلبية حاجات السياح الضرورية، كما ان الكثير من معالمها غير جاهزة لزيارة الوفود السياحية مما انعكس سلبا على الكثير من المواقع الاثرية، كما ان السكان بثقافتهم لم يكونوا معتادين على التعامل مع الاجانب وفهم ثقافتهم، وقد ادى فتح البلاد للسياحة بشكل غير مدروس الى عدم استفادة الدولة والمواطنين بايرادات السياحة، وفشلت الدولة في الترويج والتسويق للسياحة في ظل تنافس الدول المجاورة، اضافة الى الافكار السلبية التي كانت تسوق لها الدول الغربية ضد ليبيا، والواقع ان ليبيا لم تستقبل السياح الا سنوات معدودة انتهت باسقاط النظام في فبراير 2011 ودخول البلاد في ازمات سياسية، نتج عنها افتقاد الامن والامان، مما جعل السياح يبتعدون عن زيارة ليبيا او التوجه اليها، كما ان دولهم غالبا ما كانت تمنعهم من زيارتها بسبب الواقع الامني، ويبدو ان هذا سوف يستمر فترة طويلة حتى يتغير وضع البلاد الى الاحسن وتصبح الظروف الامنية افضل، ويجب ان تكون هناك خطة بعيدة المدى لتطوير السياحة واستقبال السياح وهذا يتطلب جهد كبير ومعاناة، وفرصة لتهيئة المواقع السياحية، وعمل بنية تحتية مناسبة، والتسويق للسياحة والدعاية لها.
قبل زمن أجرى الأديب علي مصطفى المصراتي حوارًا مع إحدى المهووسات بآثار الشرق وحضارته وهي سيدة إنجليزية جاءت إلى ليبيا ضمن وفد أثري نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وهذه الزيارة كانت كفيلة بأن تُوقع هذه السيدة في شراك عشق بلادنا حد الهوس، فكانت تُؤثر أطلال مدينة قرزة الرومانية على شوارع لندن وباريس حسب قولها ! فواظبت على زيارة ليبيا كل عام تقريبًا تفترش خلاء قرزة وتتلحف بسقف سمائها البنفسجيّ، برأيك هل غياب الحسّ الجمالي والجهل بمكانة بلادنا في كبد التاريخ لدى الوعي الجمعي ساهم بشكل أو بآخر في صور الإهمال المروّع الذي بتنا نصطدم به اليوم ؟
مرت علاقة الليبيين بالآثار بمراحل عديدة تشكل خلالها موقفهم أو نظرتهم للآثار والتي أدت في عمومها إلى مظاهر سلبية أضرت بالآثار، ومظاهر إيجابية تفهموا فيها أهمية الآثار وقيمتها التاريخية وأنه يجب حمايتها لعلاقتها بالهوية والتاريخ، وأنها قد تكون مصدرا مهما للدخل إذا ما توجهت الدولة للسياحة. والواقع أن الوعي الجمعي بعدم قيمة الآثار وأهميتها انعكس بكل وضوح على التعامل مع الآثار والمواقع الآثرية من الاهمال إلى الاعتداء عليها ليس من المواطن فقد بل إن عدم اهتمام الدولة بهذا القطاع قد أدى إلى السلبيات إلى لحقت بالآثار، وللخروج من هذا المأزق فمن الضروري ان تعمل الدولة على ربط الاثار والتراث الثقافي عموما بالهوية و الشخصية الليبية، فنحن لدينا مشكلة في ليبيا وهو عدم ربط الآثار بهويتنا؛ ويجب العمل على هذا الربط بمحو الأفكار الخاطئة التي تعيق اعتبار الاثار الليبية كلها جزء من هويتنا وحضارتنا، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة الى انه في السبعينيات كان هناك اتجاه نحو فصل الاثار الاغريقية والرومانية عن بقية الاثار باعتبارها انها آثار مستعمرين، وكأن هذا الخطاب السياسي من الدولة الليبية دعوة مبطنة الى عدم الاهتمام بهذا النوع من الاثار وعدم حمايتها؛ وهذه إشكالية كبيرة جداً وانعكس ذلك على عدم الاهتمام بهذه النوعية من الآثار بل حتى انتشرت بين الناس تلك الفكرة فاصبح يقولون: أن هذه آثار ناس مستعمرين وليس آثارنا نحن وهذا مدعاة إلى تدميرها، والواقع ان تلك الاثار جزء من تاريخ ليبيا وجزء من تاريخ الإنسانية وهي تراث إنساني، وجزء من آثارنا لانها موجودة على الأرض الليبية فهي ملكنا نحن وبدورنا نستفد منها في السياحة، كما أن الليبيين اسهموا في تلك الحضارة بشكل او آخر. ولهذا السبب وأسباب أخرى تتعلق بعدم التركيز على تدريس تاريخ ليبيا وآثارها وتثقيف النشء بأهمية هذا التراث وكيف المحافظة عليه، كما ان عدم اهتمام الدولة بالآثار انعكس على اهتمام الناس بالآثار ايضاً بل التعدي عليها في ظل عدم وجود قوانين وعقوبات رادعة.
نحن بحاجة إلى توعية الناس بقيمة الاثار وتعريفهم بها للمساهمة في حماية المواقع الأثرية، لان الانسان لا يمكن ان يحمى اشياء لا يعرف قيمتها. ومن خلال هذه المعرفة والادراك لا يكون للمواطن دور سلبي في الاعتداء على الاثار،وابسطه ان يقوم بتشويه الاثار بكتابة اسمه وذكرياته بالطلاء على جدران المعالم الاثرية ، زد على ذلك فقد تفاقمت المشاكل التي يعاني منها قطاع الاثار مقارنة بما قبل 2011 لاسيما الاعتداء على المواقع الاثرية وسرقتها والحفريات السرية التي يقوم بها البعض للاستيلاء على المقتنيات الاثرية وتهريبها للاستفادة منها مادياً، لان قانون الاثار حدد من هو الذي يقوم بإجراء الحفريات، وان تلك الحفريات غير القانونية تضر بالآثار ضررا كبيرا وتتلف المواقع الاثرية ومحتوياتها، كما ان جرف المواقع الاثرية وتحويل الاراض الى مخططات سكنية من المشاكل التي عانى منها قطاع الاثار، في غياب القوانين والعقوبات الرادعة. إضافة الى سرقة بعض المتاحف مثل سوسة وبني وليد ومصراتة وغيرها، وهذه الاعتداءات او بعضها طالت حتى المواقع الاثرية المسجلة في قائمة التراث العالمي باليونسكو (قوريني ولبدة وصبراتة والاكاكوس و غدامس)، وربما معاناتها جميعها او بعضها كان الدافع ان توضع عام 2016 ضمن قائمة المدن المهددة بالخطر، وربما لو استمرت الظروف التي تمر بها على ما هي عليها قد تسحب من قائمة التراث العالمي. وهذا كله نتج عن نقص وعي المواطن بقيمة الاثار وأهميتها.
في ظل استباحة المتاحف وسرقة أندر المقتنيات والنفائس ماهي الألية الناجعة التي يُمكن بواسطتها إنقاذ هذا الإرث الحضاري قبل أن يسبق السيف العذل وهل فعلاً ثمة أفق للخروج من هذا النفق المظلم ؟
لدينا إشكالية في كيفية حماية الموروث الثقافي الذي تمتلكه ليبيا فأغلب المواقع الاثرية الظاهرة للعيان الان كانت مردومة وقد كشف عنها أثناء الاحتلال الإيطالي، ثم استمرت الحفريات بها من قبل البعثات الأجنبية أو عن طريق مصلحة الاثار والجامعات وغيرها، والواقع أن كثرة المواقع وتنوعها تعد إشكالية؛ كيف نحمي هذه المواقع فيجب أن يكون لدينا فهم بالتراث الثقافي أولا ونربطه بالهوية الليبية، ونثمنها بحيث تكون ذات عائدا اقتصادياً، المواقع الاثرية تحمى عندما تكون هناك دولة تفهم قيمة هذا التراث وكيف يمكن استغلاله، واستثماره، لذا يجب أن تنفق الأموال وتخصص الميزانيات حتى تقوم مصلحة الاثار ببرامجها في التوعية وإدارة مواقعها الاثرية بشكل علمي، وتنشئ المتاحف، وتحمي ممتلكاتنا الثقافية من السرقة و التهريب ، وتحمي تلك المواقع من الاعتداء عليها من البشر ، وتقلل ما تسببه الطبيعة لها من اضرار عدة.وتدعم جهاز الشرطة السياحة والاثار لحماية المواقع الاثرية من العبث والسرقة، وتراقب المنافذ البحرية والبرية والجوية لمنع تهريب المقتنيات الاثرية الى خارج ليبيا، ونحتاج الى قانون آثار جديد بحيث تكون عقوباته رادعة. عموما بالدولة والمواطن وممارسة كل جهة لواجباتها المنوطة بها نستطيع حماية الموروث الثقافي وادارته والاستفادة منه.
لماذا لا يتقدم المعنيون بالمحافظة على الآثار بمشروع حقيقي ينقذ ما يمكن إنقاذه ؟
الواقع ان مصلحة الاثار هي الجهة المسؤولة قانونا عن حماية الاثار وادارتها، ومن ثم هي المناط بها تقييم الوضع الراهن للاثار والتراث الثقافي عموما، ووضع الخطط المناسبة لتلافي السلبيات التي تعتري بعمق المواقع الاثرية، وهذه المصلحة على وعي بتلك السلبيات وما الحلول العلمية لتفاديها او الحد من خطرها على مستوى قريب ومتوسط وبعيد، لكنها تنتظر دعمها من الدولة فجميع الخطط او المشاريع التي وضعتها المصلحة سواء بنفسها او بالاستعانة بخبراء محليين و دوليين مثل مشروع البنك الدولي الذي دعم اجراء دراسات ووضع تصورعن كيفية ادارة قطاع الاثار، وتحتاج كلها الى دعم مادي من الدولة أو جهات أخرى لتنفيذها.
كما تجدر الاشارة الى ان خبراء الاثار بالجامعات الليبية وبالتعاون مع مصلحة الاثار او مع هيئات دولية قد تقدموا بعدة مشاريع وتصورات عن ادارة قطاع الاثار سواء عن طريق تقديمها بشكل مباشر الى مصلحة الاثار او من خلال دراسات نشرت في دوريات مختصة، او قدمت ضمن توصيات مؤتمرات وورش عمل محلية ودولية تعنى بالتراث الثقافي الليبي، لكنها لم تجد من ينفذها، ومازالت الدولة الليبية هي المعنية بدعم هذا القطاع وتطويره من اجل ايقاف السلبيات التي تعتريه، وادارته بشكل سليم بتطبيق الخطط والمشاريع التي من شأنها ان تجعل قطار الاثار يسير نحو الامام وفي آمان ليس من اجل الحاضر فقط بل من اجل الاجيال القادمة الذين لهم حق في التراث الثقافي لبلادهم، والذي هو جزء من التراث الثقافي للحضارة الانسانية.
هل للتواكل المستمر على الدولة والجهات العامة دور فيما آل إليه واقع الموروث الأثري الليبي؟
سبق أن أشرنا إلى أن القطاع الثقافي هو مسؤولية الدولة الليبية التي أوكلت إلى جهات تابعة لها مثل مصلحة الاثار وجهات أخرى مسؤولية إدارته وحمايته، وهي من تقدم الميزانيات لدعم هذا القطاع والانفاق على الخطط والبرامج التي تقوم بها الجهات المختصة لادارة هذا القطاع، لكن يبدو ان هناك خلل في ادارة هذا القطاع ربما بسبب مركزية ادارته يقابله الانتشار الكبير للمواقع الاثرية، مما يجعل من الضرورية تغيير الية التعامل مع قطاع الاثار واشراك البلديات في تنفيذ البرامج ودعم هذا القطاع، اضافة الى توسيع دائرة المسؤولية لتشمل ليس فقط الدولة انما القطاع الخاص والمواطن الذي يجب ان يشعر ان له مكسب مادي من وراء حماية الاثار والحفاظ عليها اي انها جزء من دخله، وهذا لن يتأتى الا بخلق وعي لدى المواطن بقيمتها ومن ناحية اخرى بتشجيع السياحة عموما اي داخليا وخارجيا، وأن تصبح جزءا من الدخل القومي للبلاد. والواقع ان وجود شراكة حقيقية بين الدولة والمواطن سوف ينهض بقطاع السياحة الثقافية التي موردها الرئيسي الاثار والمدن التاريخية وهذا يدفع الى حمايتها وحماية التراث الثقافي عموما.
كلمة أخيرة : –
في الوقت التي ننتحدث فيه عن السلبيات التي اعترت الموروث الثقافي بسبب عدد من المواطنين الذين احدثوا اضرارا عديدة بالاثار، يجب ان نرفع القبة ونحي كل من سعى ويسعي لحماية هذا التراث سواء من المواطنين او العاملين في قطاع الاثار والسياحة والمتخصصين بالجامعات الليبية في هذا المجال، والجهات الامنية المتنوعة، اضافة الى الهيئات الدولية والبعثات الاجنبية المنقبة على الاثار والتي لعبت دور مهم في دعم الكثير من البرامج وتأهيل جزء من العاملين في هذا القطاع. وفي الختام آثارنا امانة ليس ملكنا لوحدنا بل ملك الاجيال القادمة فعلينا ايصالها آمنة اليهم.