الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
تتواصل للأسبوع الثاني على التوالي فعاليات ليالي المدينة الموسم الصيفي لعام 2023م حيث أقيمت بحوش محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس محاضرة للباحث في التاريخ والأنثروبولوجيا “يوسف الختالي” حملت عنوان (الأيقونات الليبية ما قبل التاريخ) أدارها وقدمها الكاتب “عبد الحكيم الطويل“، وذلك مساء السبت 19 أغسطس الجاري بحضور لفيف من المثقفين والإعلاميين والمهتمين، وقد أشار الختالي لبواكير علاقته بالأيقونات القديمة ودور جدته وما كانت تزخر به من رصيد ثري من الحكايا عن تلك الأيقونات والرموز ودلالاتها المرتبطة بالأساطير وخراريف الأسلاف، مبينا بأن لقانون الجذب طاقة ما على النفس البشرية فحين يفكر المرء في الخير يأتيه الخير وحين يفكر في الجمال يأتيه الجمال والعكس الصحيح بواسطة الذبذبات الجاذبة، كما أن لهذه الأيقونات أبعاد عاطفية وأخلاقوية مثل جلب السعد والتطيّر من الفأل الشؤم والعين الحاسدة وما نحو ذلك، وتطرق الختالي في سياق محاضرته لتمثلات فن الزنجفور المنتشر بمدينة غدامس وارتباطه بجزء من طقوس العروس وتزيينها لجدران البيت الغدامسي التقليدي.
مصائد الزرافات
فيما استعرض الختالي بالصور مجموعة من طقوس إخفاء الهامش أو ما يسمى بالـ(تاحرازت)، وهو عبارة عن قطعة صوفية مطرّزة بالرموز معينة علاوة على حديثه عن طقوس التجلاية من خلال إيماءة قاطع مقطوع للعروس، من ناحية أخرى أشار الختالي للنجمة الثمانية الموجودة على جدران جامع قرجي بطرابلس، وداخل مسجد إيمسرتن بقرية جادو في جبل نفوسة، وفي بيوت مدينة غدامس القديمة، وتحدث الختالي عن الدوائر أو المصائد التي كان الليبيون القدماء يستخدمونها في عملية اصطياد الزرافة إبّان عصور ما قبل التاريخ، وهي قائمة على شكل رسومات بجبال أكاكوس جنوب ليبيا مضيفا بأنها ماتزال حتى اليوم تصنع وتُباع بواسطة العجائز في واحة الفقهاء بالجفرة وحسب الختالي لازال المجتمع النسوى محافظا على التقاليد المتعلقة بالصيد وطوّره لتكون فيه قوة الجذب بعبارة أدق الأمر الخيِّر يأتي والأمر السيء يقضي عليه، وأكد الختالي أن آمون هو أول من صدّر مسألة تقديس القرون ووفق النصوص الإغريقية الإله آمون جذوره ليبية، وأوضح الختالي أن الجرمنت امتازوا بسرعة التعلم ما جعلهم يكتسبون مهارة هندسة صيد الماء الموجودة في الأودية ومع تغير الواقع المناخي للجفاف عملوا على تصنيع الينابيع الصناعية لاستخراج المياه من باطن الجبل فانجزوا الحضارة الزراعية من ضمنها عبادة “تانيت”.
المعنى الجوهري للصليب
بينما أضاف الختالي أن النحت في ملامح التماثيل ظهر بشكل كبش على الأبنية والأوسمة البارزة كونه يُعبد بطريفة تقليدية تناسب عبادته، ووصف أحد المؤرخين معبد آمون في واحة سيوة المصرية بأنه أقيم على شكل مربع من حجر أبيض تتوسطه ردهة بها سبع درجات دائرية ومقام عليه قبة من خشب مدهون، وفي وسطه قاعدة من الرخام عليها تمثال من صوان أسود (القرانيت)، وأكد الختالي بأن رمز الصليب موجود منذ ما يقارب العشرة آلاف عام في منطقة أكاكوس، وهو بعيد كل البعد عن عملية صلب سيدنا عيسى عليه السلام قبل ألفي عام، موضحا أن الصليب في جوهره يُعد إيماءة سحرية قديمة تم اللجوء إليها لمحاولة إبطال السحر وإلغائه درءا للحسد وطاقة الشرور مدعوما بالغناء، والطقس المقدس يُولِّد أيقوناته كالشموع والزغفران والحنّاء وعلاقتها بالطقوس، كما عرّج الختالي بالإشارة على بقايا الصلوات والأدعية القديمة باعتبار أن ما يجعلها بقابا صلوات وأدعية هو رتابة التكرار في وحداتها الزخرفية مما يدفعها للاختفاء عن مؤسسات الرقابة السياسية بالتظاهر بأنها لا تشير إلى أي عنصر حي من عناصر الطبيعة لكن في المقابل تكون الطبيعة والإنسان هما هدفها الأول والدائم بالتأثير فيهما بطريقة السحر التراحمي.