ما قلّ.. ولا دلّ
نوارة عشية:
نوارة عشية درناوية، صوتها غرِدُ، تروي عيون السماء،
بللها الطل، تنثُ عطرها الفَوْاح، تمَسّك بأذيال الهوى،
واقتربت عند اجتماع الشمل،
قالت لشجرة التين:
أنا أتغير باستمرار وليس ذلك لأنّي أخدع الطل،
ولكن لأنّني دايماً مفتوحة على بهجة الكون،
ومن بهجة الكون
لبست مباهجها نوافذ الحسان،
ومن عيونهن تنهمر الأشعار ناشرةً همس السّحر.
شجرة الليمون:
شجرة الليمون لا تخشى من تبدّل أحوال الناس،
كل ريعانة زهرة ستصير ماءً مزهرياً،
ماْءٌ يملأ الحياة،
لا يصلح من دونه وقت العصر،
ولا فنجان قهوة درناوية عند تلاقي الأصحاب.
أمواج البحر:
بحرُ ” أبوعزّة” يعرف أنّ أمواجه لا تؤذي بشراً ـ
لم تيأس ولم تمل، ترنو لنجوم الليل
أسلمت ذاتها للرياح وأمسكت في حماها
أحياناً كثيرة، البحر لا موجٌ فيه،
ساكناً هادئاً،
بعد عاصفة هوجاء قد مرّت به،
وبعد بقايا نجمٌ يبتسمٌ،
وبعد الغروب،
سلامٌ عليه بعد أنْ دمدم رعدٌ مفعمٌ بطرفٍ كحيل،
يركض نحو روابي باب شيحة،
بحثاً عن مطارق الأحجار تصافح أرواح الجنان،
وعن أنفاس الفجر” به نور المحاسن ساطع”.
وادٍ طواه الدهر:
وادي درنة، يا صاحبي، استمر يخبر الناس أنّه:
لم يعمل يوماً على إقناعه لذاته وللناس بأنّه،
لم يحزن يوماً أو يشقى ساعةً أو يبصق في وجه الريح،
لذا يا صاحبي نحن وحدنا المُتعبون، وماذا عسى الوادي إنْ زاد بفرط الحب هياجا.
البياصة الحمراء:
البياصة الحمراء تعرف أنّها قريبة من ذاتها،
ومن سمو الأفياء فيها،
ومن أهل مودتها وإنْ ضاع الزمان،
لذلك كل الناس في درنة قريبين منها،
ومنها تأتي طلائعُ شمسٍ وتزهو مجامع الأهواء.
الجامع العتيق:
الجامع العتيق يبتهج بقراءة ” البغدادي ” فيه،
والسامعون له يسعوا للتعلم منه الإنس لطرد وحشتهم،
ومن هباته السخية رهبةً،
و ” شعرة النبي” شاهدٌ على ذلك والمنبرُ،
ومنبع عبير البخور يظهر بأكمل أوصاف.
أزقة درنة القديمة قالت مرةً:
إذا أحبني الناس كما أحبهم لجعلوني اتطيب دوماً
بالبخور وعطر العود والورد، وأستنشق قبل الغروب مباهج الياسمين،
بعد السير في بساتين المغار تكون النشوى قبل النشأة،
مرّت بها حسان المدينة وعطرهن يفوح بالشّذا،
وقد سرت منه رسل الجوارح فلا عينَ بعد العينِ،
وسمع العين إنْ شدا القوم تُنصتِ.