النقد

عاصفةُ عين

(دعني وشأنك) للشاعر عصام الفرجاني، عن دار الجابر.
(دعني وشأنك) للشاعر عصام الفرجاني، عن دار الجابر.

الشاعر الصيدلاني عصام الفرجاني صاحب موهبة فطرية، واستعداده للشعر طبيعي لا تكلف فيه، حباه الله بذكاء، وبصيرة ثاقبة، ودقة ملاحظة بارعة، يلتقط حالات شعره من الواقع فيحيلها إلى قوافي راقصة.

ما من طبيب وصيدلاني أديب، إما شاعرا أو قاصا.. أعرف الكثير منهم.. فعلى مستوى الوطن العربي يكفي الروائي يوسف إدريس مثالا، وعلى صعيد وطننا الكاتب الطبيب محمد المفتي، فلا غرابة أن الطبيب الذي يتعامل مع مرضاه بالمباضع والمشارط وأدوات الجراحة التي نعرفها والتي لا نعرفها أن يكون مرهف الإحساس لين القلب فهو رحمة الله على الأرض.

هذا هو عصام الفرجاني المتحصل على تراتيب وجوائز ليبية وعربية لا مجال هنا لحصرها.

إذن.. نستطيع أن نطلق على عصام شاعر الرقة واللين بما حصده من تقدير وإعجاب وثناء وإشادة على نطاق واسع.

يقول في قصيدته المعنونة بــ(عاصفة عين) والتي ضمنها بين دفتي ديوانه الأول (دعوني وشأنكم) يخاطب فيها فاطمة التي تعني له المرأة الأم والأخت والزوجة والحبيبة وترمز إلى الوطن الذي يحتوينا بدفء ترابه…

يا من إذا نظَرَتْ لا ينفعُ الحذرُ

ورمشُ عينيكِ لا يُبقِي ولا يذرُ

أصبتِ قلبي فلا تأتي وتعتذري

هل ينفع الميْتَ من يأتيه يعتذرُ

وليت طرفَكِ قبل القتل أنذرنا

لعلنا نتقي شراً ونعتبرُ

والله لا يبتلي قوماً بعاصفةٍ

إلا إذا ما خلَتْ من قبلها النذرُ

لا تحسبي أبداً لحظيك فاتنتي

قد غيرا قدري لا بل هما القدرُ

لولاك ما ذرفتْ عيناي ما ذرفتْ

كلا ولا عرفت عيناي ما السهرُ

أذقتِني الهمّ أصنافاً بمسبلةٍ

في طرفها حورٌ في طرفه حورُ

كم من شبابٍ نضيرِ العودِ أرّقَهُ

هذا الجمالُ فأودى عودُه النضِرُ

أسموكِ فاطمةً يكفيك ذا شرفًا

ومن لها اسمكِ بالزهراءِ تفتخرُ

أنت الهوى أبدا والناسُ قاطبةً

مادمتِ حاضرةً فالناسُ قد حضرُوا

يقول لي عاذلي: مازلتَ تذكرُها!

إن الهوى بدعةٌ جاءت بها السِّيَرُ

فقلتُ يا عاذلي مهلًا ومعذرةً

تنهى كأنَّ الذي قد جئتُهُ نُكُرُ !

أما علمتَ بأنّ الحبَّ ذا قدرٌ

وأيُّ ذنبٍ من العشاق يُغتفَرُ

لو كنتَ يا عاذلي أبصرتَ فاطمةً

لكنت أدركتَ أن الحب ذا قدَرُ

أما علمتَ بأن العمرَ فاطمةٌ

أمسي ويومي غدي أياميَ الأُخَرُ

والصبحُ فاطمةٌ والليلُ فاطمةٌ

فالشمسُ فاطمةٌ أيضا هي القمرُ

فاعجبْ لحسناءَ لو مرّتْ على حجرٍ

لكاد ينطِقُ من عشقٍ لها الحجرُ

كالأنس صورتُها لكنها مَلَكٌ

لا يخْدعَنّكَ ما تبدي لك الصورُ

كم أنزل الله في يومٍ ملائكةً

وكان ألبَسَهُم ما يلبسُ البشرُ !

فاطمة تتكرر في القصيدة من دون ملل، بل يجد القارئ الارتياح عند ورودها ويأمل أن تأتي في كل صدر وعجز من أبيات القصيدة ما يعني أن الرمزية قد وصلت إلى هدفها الذي صوب إليه الشاعر.

يمكن القول إن الشاعر عصام الفرجاني ينتمي إلى المدرسة الرومانسية، فيما يختلف معها في تمسكه بالقافية الواحدة ومحافظته على الوزن والموسيقا..  فالقصيدة عنده رغم قصر نفسها كائن حي تتهاوى فيها الحدود بين داخل الذات وخارجها، فيرى في عناصرها سمات نفسه وأثار روحه.

مقالات ذات علاقة

“مجوس” إبراهيم الكوني.. في البدء كانت الصحراء

المشرف العام

“العقيد” لكوثر الجهمي.. في هجاء الثورات والاستبداد على السواء!

المشرف العام

دراسة لبعض جماليات القصة القصيرة.. قصة الكاغط محمد النعاس أنموذجا [1]

عبدالحكيم المالكي

اترك تعليق