فيلم السقوط.
النقد

“السقوط” لا أحد يجبر الألمان على أن يقولوا الحقيقة

فيلم السقوط.
فيلم السقوط.

السقوط

لا أحد يجبر الألمان على أن  يقولوا الحقيقة لكن الشعوب القوية ، الشعوب التي تحاول أن تتصالح مع ذواتها مع تاريخها تقف لتقول أنها أخطأت وتضع هذه الأخطاء أمام البحث لتستفيد منها في مقتبل أيامها .ولقد انقسم النقاد في ألمانيا حول فيلم “السقوط”الذي يتناول الأيام الأخيرة لهتلر .. فالبعض اعتبره إعادة إحياء لتراث يجب أن ينسى لدكتاتور عانت منه البشرية وذلك بموضوعه وشخصيته الجدلية التي أظهرها ،خصوصا الجدل الذي دار في فرنسا باعتباره يقدم “وجها إنسانيا” للنازية لا يتناسب مع الجرائم التي اقترفتها بحسب العديد من نقاد السينما الفرنسيين. ، وبحسب ماقالته صحيفة ليبراسون “إن هتلر كان نازيا، هذا ما يمكن أن نستخلصه من الفيلم بعد ساعتين من مشاهدته، ولكن أبعد من هذا ينتابنا قلق كبير بشأن تقديم هتلر كوجه إنساني” ، إنها أيام السقوط لدولة عظمى في ذلك الوقت ولرجل حارب العالم كله  إبان صعود النازية في سنوات الأربعين حيث اندلعت الحرب العالمية الثانية .
والفيلم يرصد نهاية تلك الحرب التي طحنت أوروبا وقسمتها ، وبخسارة دول المحور أي خسارة “هتلر” أمام الجيش الروسي الذي أوشك على دخول برلين بمدفعيته نجد آخر معقل هناك يتحصن به “هتلر” وجنوده النازيين المعقل الاسمنتي الرهيب “وكر الصقر”.

“dawnfall”  هو عنوان الفيلم الذي أخرجه هيرشبيغل وقد استمد تفاصيل هذه الأحداث من أفواه معاصري هتلر في تلك اللحظات القاسية  جدا ، وعلى لسان سكرتيرته “تروديل جانغ” والتي تقوم بدورها الممثلة ” إليكسندراماريالارا” صاحبة المذكرات الشهيرة “حكاية ملجأ” وكذلك شهادات عامل التلفونات وحراس هتلر الشخصيين وهنا ثمة شبهتأكيد على دقة المعلومات الواردة في الفيلم استنادا أيضا إلى كتاب المؤرخ الألماني يواخيم فيست ” الأيام الأخيرة للرايخ الثالث”
تنفتح الشاشة على تروديل وهي تروي قصتها مع الفوهرر حيث تجري امتحانا لتفوز بالعمل في مكتبة في مكتبه كسكرتيرة ، حيث يقبل بها هتلر للعمل كطابعة لمراسلاته وخطبه ومنذ اللحظة الأولى نسمعها تتحدث إلى المشاهد  : لم اكن نازية متعصبة ولكن الفضول هو الذي قادني إلى مقر ذلك الوحش ..  يبدو لنا هتر انسانا مهزوما حالما شخصية غير واقعية ترفض الاستسلام ولا تعترف بالهزيمة وهي الشخصية التي قام بدورها الممثل النمساوي القدير “برونو غانز” الذي أتقن هذا الدور فكان دور العمر بالنسبة إليه إ لم يكن مشهورا قبله لكن أداءه هنا جلب له الحظ بحصوله على جائزة الأوسكار كأحسن دور عن فيلم أجنبي رغم العشر سنوات التي تفصله عن هتلر في ذلك الوقت ولكن تعويضه بالغوص في سجل هتلر الشخصي وأرشيفه السمعي وتسجيلات خطبه وما كتبه عنه وحكاه أصدقاؤه ومعاونوه ،لقد أضفى هذا النمساوي القدير البعد السيكولوجي على الشخصية من انكسار وفشل وسطوة وتأثير غريب على أتباعه فالجميع كان يعتقد بالنصر الذي سيجلبه هتلر لهم عبر خططه حتى تلك المشككة من هيلمر وضباط أخرين لم تقنع الأتباع الذين عبدوا هذا الرجل وقدموا له أكثر من الولاء ،  لقد ظهرت هذه الشخصية حادة الطباع كثيرة الصراخ كطفل حرم ألعابه ويضل طول الوقت يصرخ لكي تحضر أمامه ووصفه الدائم لجنرالاته “بالخونة الخونة ” لينجح الفيلم في رسم أهم صورة ذات ركيزتين أساسيتين هما طبيعتان انسانيتان، أي ان هتلر ليس الهاً ولا قائداً عبقرياً ولا ملهما بل بشر يبكي ويصرخ وينهزم

ولعل ذلك الشيب وارتعاشة يده المتكررة في الفيلم تدل على ضعفه كانسان ومن جهة أخرى يتوضح لنا برودة دمه القاتلة في حواره مع والجنرال العسكري مونك الذي يقوم بدوره ( آندريه هينك ) حين يأتي ناصحا هتلر بقوله  :

– ما يزال هناك  3 ملايين مدني يجب إخلاؤهم ..!
فيرد هتلر : في حرب مثل هذه ليس هناك شيء أسمه المدنيون ..!
مونك : ولكن ماذا يحدث للأطفال والنساء وآلاف الجرحى والمسنين ؟
هتلر : شعبنا أصبح ضعيفا وطبقا لقوانين الطبيعة يجب أن ينقرض .

إيفا بروان

الممثلة ( جوليانا كوهلر) صديقة هتلر منذ 15 عاما  في ذلك المقرالشخصية الأكثر مرحا ولكنها الأكثر حزنا  بما ينتظرها والتي تحاول خلق جو من الفرحة والحبور بإقامتها لحفلات الرقص والغناء الجماعي للترفيه عن الفوهرر بل في الحقيقة للترفيه عن نفسها من هذا الوضع المأسوي الذي تسير إليه فهي تشرب و تدخن وتقيم الحفلات. ومن اللقطات المأساوية أيضا تلك حين ضج الجميع بالرقص والحبور فاقض الجدار عليهم إثر قذيفة روسية مما أجبرهم على قطع ما كانوا فيه وان حتى لحظاتهم التي السعيدة التي يسرقونها مهددة ، إيفا تظل مخلصة للفوهرر حتى آخر اللحظات حين يقرر أن يتزوج بها ليعقد كاهن زواجهما ويباركهما على مشهد من القنابل ولا تنقضي ساعات حتى يقرر أن تنتحر معه ..

عائلة غوبلز

من المشاهد المروعة في الفيلم تلك التي نشاهد فيها أما تسقى أطفالها الستة السم وهم نيام لعل درامية الفيلم تكمن في هذه المشاهد التي يصعب وقعها على المتلقي كيف يطاوع أم أتن تقتل أبناءها بيدها وفاءً لهتلر ولنظريته التي لا يجب أن نبقى بعدها حسب قولها .. أما غوبلز نفسه فيطلق عليها النار من مسدسه الذي يوجهه نحو رأسه أيضا فما البقاء بعده

انتحار هتلر

علينا ألا ننسى نحن كمتلقين أن هتلر جاء إلى السلطة عبر انتخاب شرعي وكامل لحزبه فهو لم يغتصبها في انقلاب دموي أو بعد أن كسب معركة حربية فالألمان هم من انتخبوه ليقودهم بعد ان كانت الأمة الألمانية ضعيفة ومهددة ..
أن هتلر لم يصغ إلا لتلك النداءات الغريبة الصادرة من أعماقه المسكونة بالأوهام والتفرد .فلم يقبل الحل السياسي الذي عرضه هيلمر بالتفاوض مع ايزنهاور بل اتهمه بالخيانة إذا كان شعبي لا يستطيع أن يتحمل كل هذه المحنة فلن أذرف عليه دمعة واحدة ..إنهم يلقون ما يستحقون ..”أن يتناول كبسولة السيانيد، ذات التأثير الفوري، ثم يردفها بطلقة في الفم ليفجر دماغه
رسالة الفيلم
لعل ما أراد أن يقوله السقوط جملة واحدة قاله كاتب السيناريو ومنتجه برند ايشنغر: (أريد ان اروي للتاريخ- درس النازية لمدة عشرين عاماً- فالاحداث تغطي الايام الاثنتي عشرة الاخيرة، الا ان السيناريو يستعيد ايضاً الاحداث في اثنتي عشرة سنة، التي جثم فيها النازيون على السلطة في المانيا، والوقت ملائم لانتاج مثل هذه الافلام خصوصاً بعد تغير الاجيال في المانيا لان من المهم ان يروي الالمان تاريخهم من الداخل مع ترك العواطف جانباً).

مقالات ذات علاقة

قراءة في قصيدة الشاعر الليبي: مفتاح العلواني

المشرف العام

روحنة التصوف الشعري

هدى الغول

بن يتمحص.. جزر ممكنة

نادرة عويتي

اترك تعليق