عندما نَقوم بالتقاط صورة لتخليد أثر جميل، أو نصور فيديو لمشهد أعجَبنا نُصادفه لأول مرة. ونَقوم بتخزينه في شريحة هاتف أو كاميرا على الفور. نكون قد ساهمنا ليس في قتل لذة المشاهدة الذاتية للمكان واللحظة فحسب، بل وساهمنا في تخليد أثرها كمذبحة في حق الجمال البصري. ومع مرور الوقت، نشعر ِأننا لم نساهم في اغتيال مُتعة المشهدِ نفسِه داخلنا، وإنما قمنا عن سابق إصرار وترصد بتجريد العينَ اللاقطة من مُتعتها الكامنة في أعماقنا. لأننا أوهمنا ونُوهم أنفسنا أننا نستمتع باللحظة، لكننا في الحقيقة نفوت عليها فرصة حقيقية للاستمتاع الفوري بجمال اللحظة. فنصبح بذلك عَيْنا للآخَر بدل لذة عيْنِنا المباشرة.
في أدبيات التصوير فالواحد منا لا يصور لنفسه، بل يصنع الصورة لأصدقائه المفترضين عبر تقاسم المشهد المصور ذاته على مواقع التواصل في وقت لاحق. وهذا الشعور في تقديرنا يفسد جمال اللحظة بالنسبة للذات. لأنه يغتال بغباء استمتاع العين والذهن بالمشهد في اللحظة والحين. والحقيقة أن هذه اللحظة التي تعترينا في غالب الأحيان سيئة للغاية. لأنها تفسد علينا متعة المشهد نفسه بالعين المجردة. وتؤجلها للرؤية عبر وسيط مؤجل . وهو ما يعني عدم تحقق متعة المشهد في ذات اللحظة. والسبب هو الرغبة العميقة التي تسكنا التي لن تكون سوى إمتاع الآخر عبر التقاسم. المفجع اننا لا نعيش اللحظة إذ نفسدها على نفسنا بيدنا. أن المتعة الحقيقية هي الاستمتاع المباشر بجوارحنا وخيالنا مباشرة مع المشهد الحي. لأننا سنصبح لاحقا مجرد مشاهدين وليس شهود عيان للصورة! لكن أن تحرص على إشراك الآخر في متعة المشهد ولو بتفويت المتعة على نفسك قمة الإيثار. وشيمة التواصل الفعال التي لا يمتلكها إلا قلة نادرة من ذوي القلوب التي وسعت الخلق وتجردت من الأنانية المفرطة والبخل والاستئثار بالجمال تقول الدكتورة فتيحة عبد الله.
ولا شك أن دهشة التصوير الفوتوغرافي لأول مرة تجربة غامرة ومليئة بالمفاجآت، حيث يرى المصور العالم بطريقة مختلفة تماما. وقد لا يدرك فيزيائيا كيف يمكن للضوء والظل أن يخلقا مشهدا ساحرا، وكيف يمكن لتفاصيل صغيرة أن تخلد وتحكي قصة كبيرة للأبد.
عند التقاط الصورة الأولى، يشعر المصور بمزيج من الفضول والإثارة، وقد تكون النتيجة غير متوقعة، لكنها تبقى ذكرى خالدة للحظة الاكتشاف الأولى. مع كل صورة جديدة، تتوسع الرؤية وتتعمق العلاقة بين المصور والعالم من حوله. ورغم أن الشعور بتفويت فرصة مشاهدة المنظرعن نفسه في راهنيته ومنحها للآخر عبر التقاسم والمشاركة يبدو متناقضا لكنه جميل ممتع وبديع في جوهره. التصوير الفوتوغرافي يأخذك من لحظة المشاهدة المباشرة إلى لحظة التأمل والتوثيق، وكأنك تحاول الإمساك بالزمن قبل تلاشيه. فيمنحك فرصة لإعادة عيشه لاحقا ومشاركته مع الآخرين. ربما يكون الحل هو التوازن بين العيش في اللحظة والتقاطها أن تستمتع بالمشهد أولا، ثم تقرر إن كنت تريد تخليده بعد ذلك.
2 تعليقات
تحية عطرة من صميم الفؤاد من دبي بالإمارات باقة محبة لبلد الطيوب لا تشيخ
الشكر موصول لك أستاذي.