(1)
ذات مرة ذهبت الى مركز للشرطة بغرض تجديد بطاقتي الشخصية … دخلت للمركز فوجدت اثنين من رجال الشرطة يجلسان وراء مكتب يبدو أنه مخصصًا للاستقبال … وبعد السلام … قلت لهم انني أريد تجديد البطاقة … فأشار أحدهم الى الجدار المقابل وقال … الطلبات مكتوبة غادي … جيبها وتعال … ذهبت الى الجدار المقابل الذي لصقت عليه ورقة بيضاء كبيرة مقسمة الى جزئين … كتب عليها وبخط رديء المستندات المطلوبة في حالتين: الاستخراج والتجديد …
تطلعت الى قائمة التجديد واصابني الذهول من كثرة المستندات المطلوبة … فرجعت لرجل الشرطة وسألته بأدب وهدوء:
– معليش يا أفندي تحملني شوية … نبي نسأل …
فقال … تفضل …
فقلت له … معليش من عطاني هذه البطاقة … واشرت لبطاقتي الشخصية…
نظر الي بتعجب ثم قال … نحنا …
قلت له وبنفس الادب والهدوء … باهي معليش … عليش عطيتوها لي …
نظر بحيرة ولكنه رد … لأنك جبت المستندات المطلوبة …
فقلت … باهي وين هذه المستندات؟ …
فرد بفارغ الصبر … في ملفك يا سيد … قاعدات عندنا …
فقلت وقد وصلت الى بيت القصيد … باهي مادام قاعدات عندكم … عليش تطلبوا فيهن مني؟
وقبل ان يرد علي … وقف زميله الذي كان جالسا بجواره … وقال بصوت عالي ونبرة تحدي … هيا هكي … تبي بطاقة جديدة … هات أوراق جدد.
احسست بان التوتر قد ساد الجو … فأردت ان انهي الموضوع … فقلت متبسما … ما عنديش مشكلة غير حبيت نسأل … امتى نقدر نرجع لكم …
قال العسكري الأول … تعال يوم الاربعاء انقولوا لك جت المادة الخام وإلا مازال.
(2)
شكرت الاثنين … وخرجت من مركز الشرطة وفي ذهني قصة ركوب الحصان الميت … التي حكاها لنا ذات يوم أحد الاساتذة ليدلل على ان للبيروقراطية منطقها الخاص بها ولها عاداتها واعرافها وثقافتها … بحيث لو اكتشفت انها تركب حصانًا ميتًا… فإنها لن تقوم بالنزول او استبدال الحصان … بل ستقوم بإحدى الخطوات التالية:
شراء سوط أقوى.
تغيير الفارس.
قول أشياء مثل إن هذه الطريقة هي التي نتبعها دائماً في ركوب هذا الحصان.
تشكيل لجنة لدراسة الحصان.
الترتيب لزيارات ميدانية لشركات أخرى لمعرفة كيف تقوم هذه الشركات بركوب الحصان الميت.
التعاقد مع جهات خارجية لركوب الحصان الميت.
ربط عدة خيول ميتة مع بعضها بعضاً من أجل زيادة سرعتها.
تقديم مخصصات مالية إضافية لزيادة أداء الحصان.
القيام بدراسة جدوى اقتصادية لمعرفة ما إذا كان التعاقد مع جهات خارجية سوف يكون أقل كلفة في ركوب الحصان.
شراء أدوات تستطيع أن تجعل من الحصان الميت يجري بسرعة أكبر.
رفع شعار أن الحصان يكون “أفضل وأسرع وأرخص” إذا كان ميتاً.
وهكذا هي الحال … كثرة إجراءات … تزيد من الانفاق العام … وتهدر الوقت … وتضيع جهد ومال المواطن … وتحرق اعصابه … ولا تقدم أي حل … فالحصان قد مات … دون أن يهتم أحد لموته …!!!