د. ميلود مصطفى عاشور
ما يزال النتاج الشعري الليبي فضاء رحباً للممارسات النقدية والدراسات التحليلية، التي تسبر مجاهيل أغواره، وتجلي دلالاته وأفكاره؛ إذ إن في دواوين الليبيين العديد من الظواهر الشعرية، والأساليب الإبداعية التي ما تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتحليل والنقد، ومن هنا تأتي هذه الدراسة لتكشف عن جوانب من ظاهرة معارضات الشعراء الليبيين لقصائد من عيون الشعر العربي، ولأن المقام لا يتسع للإلمام بجميع جوانب هذه الظاهرة الشعرية، فأننا سنسعى -ما أمكن- إلى رسم ملامحها، وبيان أهم دوافعها، وذلك من خلال ذكر بعض الأمثلة والشواهد على معارضات الشعراء الليبيين لقصائد من عيون الشعر العربي.
معارضات الشعراء الليبيين لقصائد من عيون الشعر العربي القديم والمعاصر
مثلما كانت المعارضات الشعرية سمة من سمات عصر النهضة العربية، حيث عول عليها الشعراء الإحيائيون -وبالأخص المصريون- كثيراً في حشد الهمم وشحذ القرائح لنهوض بالنتاج الشعري، فكان لها أثر واضح في إثراء الوسط الأدبي والثقافي بأدب رفيع آنذاك، كذلك نلحظ الأمر نفسه عند الجيل الأول من رواد النهضة الأدبية في ليبيا أمثال أحمد رفيق وأحمد الشارف وأحمد الفقيه وغيرهم، حيث قدم العديد من الشعراء الليبيين نماذج راقية وقصائد بديعة كانت معارضات رفيعة لقصائد الفحول القدامى وأمراء الشعر المعاصرين فكانت محصلة النتاج الشعري الليبي في هذا الفن دليل نبوغ الشاعر الليبي، ورفعة مستوى ما يقدمه من شعرٍ آنذاك، وفيما يلي نعرض بعضاً من هذه النماذج الشعرية التي لا تقل حسناً وجمالاً عن القصائد الأصلية المعارَضة.
معارضة أحمد الفقيه حسن لقصيدة الشريف الرضي
تعد قصيدة الشريف الرضي التي يقول في مطلعها:
لِغَيرِ العُلى مِنّي القِلى وَالتَجَنُّبُ وَلَولا العُلا ما كُنتُ في العَيشِ أَرغَبُ
إِذا اللَهُ لَم يَعذُركَ فيما تَرومُهُ فَمـا الناسُ إِلّا عاذِلٌ أَو مُـؤَنِّبُ
من عيون الشعر العربي التي عارضها عدد غير قليل من الشعراء على مر العصور وفي مختلف الأمصار، وقد كان للشعراء الليبيين إسهامات في معارضة هذه الذرة النفيسة، منهم الشاعر الليبي أحمد الفقيه حسن الذي عارضها برائعة من روائعه، دلت على براعته وتمكنه في تصوير المعاني بلغته الشعرية القوية المعبرة التي تلائم هذا اللون، وبما حققه من “اختيار للكلمات القوية الدالة والتراكيب المتماسكة، وإنه ليبلغ مكانة جيدة في المعنى والمبنى” (جبران، 1976: 134) حيث يقول أحمد الفقيه في مطلع قصيدته:
سواي بغير المكـرمـات يشبب وغيري له في منهج الغي مذهب
أخو همة يستسهل الصعب كلما تشعب أمر أو تباعـد مطلب
وتتجلى في هذه القصيدة براعة الفقيه وتمكنه اللغوي، ومقدرته على سبك النص الشعري في قالب يفيض جزالة وبراعة في التصوير والتعبير عن المعاني التي أوردها.
معارضة الشاعرين أحمد الشارف وحسن السوسي لقصيدة الحصري
تعد قصيدة أبي الحسن علي الحصري القيرواني – يا ليل الصبّ متى غده – إحدى النفائس الشعرية التي اشتهر بها أصحابها، حيث ذاع صيته بذيوعها وانتشارها؛ وما انفك شعراء العربية عاكفين عليها تشطيراً وتخميساً ومعارضةً على مر العصور؛ حتى عدّت من أكثر قصائد الشعر العربي معارضةً، فكانت من أشهر القصائد التي أحدثت أثرا خاصاً في تاريخ الآداب العربية (مبارك، 1953: 1/10).
ومن الشعراء الليبيين الذين عارضوها الشاعر حسن السوسي، والشاعر أحمد الشارف، حيث نسج هذا الأخير قصيدة على منوالها يقول فيها: (الديوان: 170)
صب قد بان تهتكه وبطيب الشوق تمسكه
وله جلد لو مر على جبل في الأرض يدكدكه
فإذا ما هم على جلد ضاقت في الأرض مسالكه
ويود لمهجته رميــــــــا بسهــام اللحظ فتهلكه
ومعارضة أحمد الشارف لدالية الحصري تمثل إحدى بدائع الشارف المميزة، بل إحدى روائع الشعر الليبي المعاصر، وقد قال عنها المصراتي محقق ديوان أحمد الشارف: إنها أروع تحفة شعرية قدمها الشارف، (المصراتي، 2000: 170).
أما السوسي فقد عارض قصيدة الحصري قائلاً: (الديوان: 123)
الرقٌ تحرر أَعْبَدُهُ وأسيرُكَ لم تطلق يدًهُ
مازال يهيم بفاتنةٍ تشْتَطُ عليه وتُجْهِدُه
إلى أن يخامها بقوله (الديوان: 125)
ألقت من فتنتها شركاً لـــــمتيمهــــا تتصيَّده
تغريه بفتح الباب له فإذا ما استأنس توصده
وتقول له ألقــــــاك غداً وغــــــدٌ لا يأتي موعده
معارضة الشاعر إبراهيم الهوني للبردة ونهجها
يعد إبراهيم الهوني من الشعراء الليبيين المكثرين، وقد زخر ديوانه الشعري بروائع كان من بينها قصيدة عارض بها قصيدتين اثنتين هما مدحتان لسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، الأولى هي قصيدة البردة للبوصيري:
أمن تذكّر جيران بذي سلـــــم مزجت دمعـــــــــــــــــــــــــــــــا جرى من مقلة بدم
أم هبّت الرّيح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظّلماء من إضم
والثانية هي نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
حيث جاء في ديوان إبراهيم الهوني قصيدة على البحر البسيط، عنوانها “مدح الرسول صلى الله عليه وسلم”، وافتتحها قائلاً: (الديوان 2/140)
فلست أبكي على جارٍ بدي سلم ولا أحباء بين البان والعلم
ولا أكفكف من عيني على طلل دمعاً وإن كان حبي غير منكتم
ولا تحركني أرياح كـــــــــــــــــــاظمة ولا ألين لـــــــــــبرق لاح من أضم
وإنما الدمع نبع القلب يقذفـــــــــــه في بعض أحواله كالنطق بالكلـــــم
لقد دل مطلع القصيدة التي بلغ طولها واحداً وستين بيتاً، بأنها معارضة لقصيدتين في آن واحد، هما: بردة البوصيري، ونهجها لأحمد شوقي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الهوني التزم بأن تكون معارضته للقصيدتين معارضةً تامةً صريحةً، حيث اتحدت قصيدة الهوني مع القصيدتين السابقتين لها في الموضوع والبحر والروي وحركته.
ويتجلى لمتأمل القصيدة مدى براعة الهوني في صياغة أفكارها، فكأن لسان حاله يردد ما قاله ابن عبد ربه الأندلسي حين عارض قصيدة صريع الغواني، بل زاد عليه في أن الهوني جمع بين قصيدتين اثنتين في معارضة واحدة.
وإذا توقفنا قليلاً عند هذه القصيدة فإننا نلحظ أن في المطلع ما يقود المتلقي إلى استحضار القصيدتين السابقتين (أي البردة ونهجها):
فمن البردة أورد الهوني المواضع الذي ذكرها البوصيري في بردته: (ذي سلم/ كاظمة / إضم)
أما من نهج البردة فيطالعنا: (البان والعلم) اللذان صرّع بهما شوقي مطلع قصيدته.
وهنا تتجلى براعة الهوني في نسج معارضة يجاري بها قصيدتي: (البوصيري، وشوقي)، ويباريهما ليس في المطلع وحسب، بل أيضاً في حسن التخلص بين الأغراض، وكذلك في أسلوب سرد الأحداث وترتيب الوقائع، فكأنه يقتفي أثرهما ويعيد تشكيل المعاني والصور وفقاً لأسلوبه؛ فدل ذلك على تمكنه اللغوي، وصفاء قريحته، ولو أن ناقداً وازن بين ثلاثتها لجعل هذه القصائد في طبقة واحدةٍ، فخامةً، وبراعةً، وسلاسةً، وحسن سبكٍ. شأنها في ذلك شأن كثيرٍ من المعارضات التامة التي وقعت بين الشعراء على مر العصور.
بل إننا إذا أخذنا – ما أخذ على البوصيري من غلوٍ ومبالغة في بعض أبياته التي حاد بهما عن الصواب، وأخذنا على شوقي ما أخذه بعض النقاد من استسلامه بلا وعيٍ لبعض الأفكار “والانحرافات التي التقطها من ألسنة الدراويش وكتبهم” (المجذوب، 1975: 83)، فإننا نجد الهوني -وإن كانت قصيدته الأقصر- قد سلم في قصيدته من كل تلك المغالطات العقدية، والتزم في كل معانيها عدم الإفراط في المبالغة؛ لكي لا يقع في الغلو الذي وقع فيه سابقَيه.
معارضات أحمد رفيق لعيون الشعر العربي
تطالعنا في دواوين أحمد رفيق العديد من القصائد التي هي في حقيقتها تمثل معارضات لقصائد من عيون الشعر العربي؛ تُظهر مدى تأثره بأشعار الفحول، ومدى تمكنه من فنون البلاغة وأساليب الفصاحة والبيان، وطرائق نسج الشعر؛ حيت كانت له معارضات: لبشار وأبي فراس والمتنبي، وغيرهم من المتقدمين، كما عارض من شعراء العصر كلا من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والزهاوي.
فعارض قصيدة بشار التي يقول في مطلعها:
جَفا وِدُّهُ فَاِزوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزالَ يُعاتِبُه
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا لَوعَةَ الهَوى وَلا سَلوَةَ المَحزونِ شَطَّت حَبَاِئبُه
بقصيدته التي يقول فيها: (الديوان: 2/ 97)
هو الحب! ما تنفك، تترى عجائبه وتظهر، من حين، لحين غرائبه
كما كان أثر المتنبي ظاهراً في شعر رفيق، ففي قصائد رفيق العديد من أشطار الأبيات المنسوبة إلى المتنبي، أوردها أحمد رفيق في أشعاره وفق آلية التناص الظاهر، علاوة على مواطن عديدة نستشف فيها تناصاً خفياً بين رفيق والمتنبي.
أما على سبيل فن المعارضة التامة، فقد كان المتنبي محط اهتمام أحمد رفيق، ولم يفته معارضته؛ ولعل من أبرز قصائد رفيق التي عارض فيها المتنبي، قصيدة وافقت مناسبتها مناسبة قصيدة المتنبي التي أرسلها إلى ممدوحه سيف الدولة الحمداني حين علم المتنبي بمرضه قال فيها:
المجد عوفي إذ عوفيت والكرم وزال عنك إلـي أعدائك الألم
فالمتنبي أنشأ هذه القصيدة أثناء مرض سيف الدولة الحمداني ودعا له فيها بالشفاء، أما أحمد رفيق فعندما علم بمرض صديقه الشيخ موسى البرعصي فأنشأ قائلاً: (الديوان: 1/87)
نبئت أنك تشكو وطأة الألـــــــم عــــــافاك مولاك في الدنيا من السقم
أجراً تنال ويمحو بعض ما اكتسبت يداك فالله ذو لطف على الأمم
وهي من روائع رفيق، التي تفيض جزالة وقوة، ومليئة بالأبيات التي تتضمن الحكم، مثل قوله:
لا يسلم المرء من داء ينغصه وإن نجا منه لم يسلم من الهرم.
أما عن معارضات شاعر الوطن أحمد رفيق للشعراء المعاصرين، فله معارضة لقصيدة أحمد شوقي التي وصف فيها الربيع ووادي النيل، والتي يقول شوقي في مطلعها:
آذارُ أقبَلَ قُمْ بنا يا صاحـــــي حَيِّ الرّبيعَ حديقـــــةَ الأرواحِ
وأجمع ندامى الظرف تحت لوائه وأنشــــر بساحته بساط الراح
حيث عارضها أحمد رفيق المهدوي بقصيدة عنوانها الربيع، قال في مطلعها: (الديوان:2/ 85)
جــــاء الربيع فقم بنا يا صــاح نلق الزمان يمر بالأفـراح
في موكب لبس الزمان شبابـــــه واختال منه، بميعة ومراح
وتجدر الإشارة هنا إلى الموازنة التي عقدها التليسي بين قصيدتي شوقي ورفيق- هاتين – في وصف الربيع، ومدى إخفاق التليسي فيما وصل إليه في تلك الموازنة، حيث أشاد بشاعرية شوقي، وحطّ من قدر رفيق دون أن يقدم تفصيلاً دقيقاً للقارئ لأساس حكمه النقدي هذا حيث قال التليسي: “تلك هي آلة شوقي الخالدة، في تجويد الصناعة، وإحكام النسج، وما من شك في أن قصيدة رفيق لا ترتفع إلى هذا المستوى من المتانة وإشراق الديباجة، وإحكام الصناعة، وسلامة اللفظ، وعذوبة الموسيقى، ولن نتعب كثيراً في المقارنة. يكفي أن نقف عند المطلعين لنتبين الفرق بين الأسلوبين” (التليسي، 1988: 160).
وإذا اتفقنا مع التليسي في أن الشاعرين شوقي ورفيق كليهما ينتميان إلى المدرسة التقليدية في شعر الوصف، وصف الطبيعة، التي تعتمد على التشبيهات في نقل الصورة النمطية لما تقع عليه عيني الشاعر في الطبيعة، دون أن يمزجها بعاطفة جياشة، ووجدان ملتهب، وأن غياب الدفقات الوجدانية سمة غالبة على جل النتاج الشعري القديم الذي عني بوصف الطبيعة، إذا اتفقنا على ذلك فإننا نختلف مع التليسي في إغماض شاعرية رفيق حقها. ولنتوقف عند ما اشترطه هو من أن نكتفي بالوقوف عند المطلعين لنتبين الفرق بين الأسلوبين (التليسي، 1988).
فإننا نرى أنه لا يخفى – على من ينظر بعين المنصف إلى المطلعين- تفوق رفيق على شوقي في نسج البيت، إذ فضل بقرب المأخذ وسلاسة التعبير؛ وليس كما ذهب إليه التليسي الذي نفى عنه حسن الصياغة، وإحكام الصناعة؛ وذلك لأن رفيق اعتمد لفظ (الربيع) بوصفه الفصل المحتفى به، أما شوفي فقد استخدم لفظ (آذار) وهو الشهر الرابع أو شهر أبريل أي أنه اسم شهر من شهور السنة، وليس فصلاً من فصولها، علاوة على أن ارتباط فصل الربيع بشهر آذار يحتاج إعمال فكرٍ من المتلقي ليهتدي إلى المعنى الأولي المراد، بل ماذا لو حلّ آذار في سنة غبراء مُجدبة لا مُخصبة، حينها يحل آذار ولا يحل الربيع؛ لذلك فإن استعمال رفيق للفظ الربيع أفاد تحقق الربيع بوصفه المراد، وأنه وقع وحلَ وفقاً للمعتاد، فكان ذلك أكثر تأكيداً للمعنى المراد عند رفيق.
كذلك نلحظ تقديم الفاعل على فعله في بيت شوقي (آذارُ أقبَلَ) وهو على غير القياس، أما أسلوب رفيق فقد كان أكثر سلاسةً، وأحسن نسجاً: (جــــاء الربيع فقم) كما ازدانت صياغته هذه بما فيها من تحريض للمخاطب بفعل الطلب التحضيضي (قم)؛ لأنه ارتبط بالفاء التي دلت على السبب، علاوة على ما في (الفاء) من دلالة التعقيب التي تفيد سرعة الاستجابة وعدم التراخي، وفوق كل ذلك أوحت هذه الصياغة باشتراك المخاطِب -وهو الشاعر- والمخاطَب في الفكرة، وتأهبهما المسبق معاً لاستقبال فصل الربيع. فكأنهما كانا ينتظران وقوع السبب. وهذا ما لا نستشفه من مطلع شوقي الذي اعتمد فيه أسلوب الالتفات من خطاب الجمع (قُمْ بنا) إلى خطاب المفرد (حَيِّ).
وكذلك يؤخذ على التليسي ما ذهب إليه حين وصف قوافي شوقي بأنها عذبة الموسيقى، وصف قوافي رفيق بأنها قلقة، (التليسي، 1988). إذ إنهما قصيدتان متفقتان بحراً وروياً ولو مزجت بعض أبياتهما لما أمكن التمييز بينها على نحو ما نضع هنا بيت من قصيدة رفيق وآخر من قصيدة شوقي:
والفل فتّح في المساء ثغوره يتلو بديع لطائف الفتاح
والياسمين لطيفه ونقيه كسريرة المتنزه المسماح
فالبيت الأول من قصيدة رفيق والثاني من قصيدة شوقي. ولا نبالغ إذا أمعنا النظر في كامل النصين الشعريين ووازنا بين الصور والتشبيهات من حيث القرب والبعد، ومن حيث العلاقات المنطقية بين أطراف التشبيه، فإننا وإن لم نحط من قدر قصيدة شوقي، إلا أننا سنقدم قصيدة رفيق عليها؛ لأنها تحمل مضموناً خفياً غير وصف الربيع، إذ نرى أن رفيق رمز بها إلى معنىً ثانٍ هو معادل موضوعي للربيع ألا وهو زهرة العمر وريعان الشباب.
ويبقى أن نشير إلى أن التليسي أصر على انحيازه لشوقي من مفتتح حديثه على هذه المقارنة بين القصيدتين، قائلاً: “إن قصيدة شوقي لم تتحرر من طريقة الشعر العباسي في وصف الطبيعة، إلا أن مقارنة قصيدة رفيق بقصيدة شوقي…. تدل على تلمذة واضحة وخضوع لتأثير شوقي في هذه المرحلة من تكوينه الفني” وكأن شوقي كان قد احتكر دواوين الشعر العباسي، فجعلها بين مدخراته محفوظةً في خزائنه. ولم يسمع بها رفيق ولم يتسنى له الاطلاع عليها، مما ينفي عنه أنه قد حاكى أساليبها أو تأثر بمعانيها. على حسب رأي التليسي.
الخاتمة
تعد المعارضة نمطاً شعرياً اعتمده شعراء العربية على مر العصور، حتى صار غرضاً شعرياً يكاد يستقل بذاته، وهي غالباً ما اعتمدت وسيلة من الوسائل التي ينتهجها الشعراء من باب الاعتزاز بشاعريتهم، والانتصار لذاتهم، بما ينسجون من أشعار يوازنون بها أشعار الفحول السابقين؛ ولذلك كانت المعارضات الشعرية ظاهرة فنية واكبت مراحل تطور الشعر العربي وكانت سمة واضحة لعصرين اثنين من عصور الأدب هما العصر الأندلسي وعصر النهضة. ولا غرو فقد انتشر هذا الفن من فنون الشعر وازدهر على يد رواد النهضة، ثم من وليهم من شعراء العصر الحديث، حتى صار غرضاً شعريا أساسياً من أغراض الشعر عندهم. ولم يكن الشعراء الليبيون بمعزل عن هذا الزحم الشعري الذي شهده العصر الحديث؛ إذ كانت لهم إسهامات بديعة، وقصائد رائعة، جعلوها معارضات لسابقيهم ومعاصريهم، لا سيما تلك القصائد التي نسجها شعراء ليبيا معارضين بها قصائد مميزة من عيون الشعر العربي على مر العصور.
المصادر
- التليسي، خليفة محمد، رفيق شاعر الوطن، دراسة عن الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي والحركة الأدبية الحديثة في ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1988 م
- جبران، محمد مسعود، أحمد الفقيه حسن حياته وشعره، الدار العربية للكتاب، ليبيا-تونس، 1976م.
- السوسي، حسن، ديوان شعر، الدار العربية للكتاب، ليبيا تونس 1981م
- الشارف، أحمد، ديوان شعر، مصطفى أحمد المصراتي، الدار الجماهيرية للنشر،
- المجذوب، محمد مصطفى، شعر شوقي في ميزان النقد، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط7، 1975 م.
- المصراتي، مصطفى أحمد، شاعر من ليبيا أحمد الشارف، الدار الجماهيرية للنشر، 2000م.
- المهدوي، أحمد رفيق، ديوان شعر (الفترة الأولى والثانية) ط1، وزارة العمل بالمملكة الليبية، بنغازي، 1962م.
- المهدوي، أحمد رفيق، ديوان شعر (الفترة الثالثة) ط1، وزارة العمل بالمملكة الليبية، بنغازي، 1962م.
- الهوني، إبراهيم، ديوان شعر، جمعه وحققه، قريرة زرقون نصر، دار الفكر الجماهيري، ط1، 2008م