عبدالله زاقوب
التراث: هو النتاج المادي او الفكري، الثقافي والفني الجمالي، الذي تركه السلف والذي يؤدي دوراِ اساسياً في تكوين شخصية الخلف…، وتجيء قصيدة النخيخة، ولعل جذرها القاموسي أو المعجمي جاء من الاناخة، أي افتراش الأرض، كإناخة الإبل وما شابه، وهو ما يحيل على جلوس من يؤدي هذا اللون من الأغاني على هيئة جلسة تضم وتحوي من خمسة إلى ستة ضاربين على الطبل ومؤدين أغاني جماعية ذات لون ونسق مميز وتجيء قصيدة النخيخة في مقدمة الفنون الغنائية الجميلة والمعبرة بهون ومدن الجفرة الثلاث هون وودان وسوكنة، وتمتاز زلة بلونها وايقاعاتها الخاصة، من حيث بحورها واوزانها وصورها ومفرداتها ومقاماتها الموسيقية، لتجسد لوناً من اجمل وارق وابهى الفنون الشعبية الملحونة والمنغمة، مؤكدة الأصالة بالحانها المتعددة ضمن ايقاع واحد في جميع اغانيها، ويلحظ المستمع المدقق لتلك الاغاني والقارئ لتلك النصوص الأثر او الطابع الديني البيّٓن، ذلك ان العديد من كتابها أو مؤلفيها كانوا من الشيوخ او الفقهاء او على الاقل ممن يجيدون القراءة والكتابة، وتلك سِمة من سِمات الواحات، التي كانت تحث ابنائها على حفظ القرآن الكريم أو معرفة قصار السور على أقل تقدير، وذلك أثر من آثار البيئة المحلية، كما يلاحظ المستمع والقارئ لتلك النصوص المسماة، النخيخة، والقليل النادر من هذه القصائد معروف مؤلفيها، نظراً لاشتراك اكثر من شاعر في تأليفها او كتابتها، فقد تمازجت فنون هذه المدن الثلاث وتداخلت، حيث تتم كتابة ثلاث او اربع ابيات من تلك الأغنية وتُغني بعرس ما بإحداها، فيضيف احد الشعراء بيتين أو ثلاث او اكثر ، ومع تقادم ومرور الوقت وتوالي الزمن يُعتقد ويُظن ان تلك الاغنية او القصيدة لفلان وليست لعلان، الأمر الذي يجعل تحديد المؤلف والقائل بشكل جازم ودقيق امر يتطلب جهداً ووقت ايضاً من أجل فحص المفردات ومقارنتها ونسبتها إلى الشاعر هذا او ذاك، كما أن نسبة هذه القصيدة او تلك إلى شاعر معين يحيل على التباين والاختلاف الأمر الذي لا يفيد الفن والتراث في شيء .
وقد تغنى بالعقود الماضية كثير من المطربين والمغنين والهواة بأغاني النخيخة بشكل يشوبه الكثير من الخلط والتشويش والتحوير، مما افقد تلك الاغاني الكثير من حرارتها وصدقها والقها، وهم معذورين في ذلك لغياب النصوص الأصيلة والتي توارثتها الاجيال سلف عن خلف، وقد نهضت جمعية ذاكرة المدينة بهون، بعبء هذه المسؤولية، بحيث اقامت العديد من المسابقات والتسجيلات من الحفظة بغرض جمع وتوثيق هذا الإرث الرائع والجميل، حيث تم اصدار ست كتيبات ضمت ثلاث منها لأغاني النخيخة احتوت ثمانية وستين أغنية وثلاث أخرى لأغاني السواقي او اللالي ضمت ثمانين اغنية، سعى لجمعها وطباعتها قريباً في اصدار او. مجلد واحد.
هذا الجهد تطلب الصبر والسعي بروح جماعية، ودون عون رسمي وبتضامن ومحبة من عشاق ومحبي الفن والتراث بهون والمنطقة والوطن عموماً.