هذه رواية للكاتب الليبي الدكتور صالح السنوسي الصادرة عن منشورات أبييدي مصرـ والتي تقع في 334صفحة، اختزل فيها ببراعة سردية وترتيب تاريخي، منطقي لأحداث في مكان محدود وببعد زماني محدد يقدر بالثلث الأول من القرن العشرين، تتخلله حكايات كفاح وحب وتسامح، ونضال سياسي يهادن الاستعمار كوسيلة لتحرير الوطن بعيدا عن الصراع المسلح الذي أباد البشر وأضر بالأرض، فالكفاح المسلح الذي سلكه المجاهدون ليس كافيا لإقناع الرأي العام العالمي بقضية الوطن، فإيطاليا تفوقت عسكريا وحازت على تأييد الدول الاستعمارية، وبالمقابل فإن المواطن الليبي ليس متعلما بشكل كاف، في ظل غياب إطار الدولة التي تحمي الأرض وتحافظ على استقلاله.
تدور أحداث الرواية في مدينة بنغازي، وإن كانت بعض أحداثها الهامشية ما بين إجدابيا وبنينا والجبل الأخضر وإيطاليا بمدنها وجزرها التي استقبلت أعدادا من المنفيين الليبيين.
الرواية التاريخية هي من أشكال الرواية الحديثة، يمتزج فيها الخيال بالتاريخ، تتحدث أحيانا عن حقبة من حقبات التاريخ، وقد تتعرض لحدث ما وتعبر بشكل مباشر عن وقائع يعاد صياغتها من وجهة نظر كاتب الرواية، كعمل فني تتخذ من التاريخ مادة للسرد، وهي بذلك عبارة عن تصور الكاتب لمرحلة تاريخية وقعت فيها الأحداث قد تكون بأسماء شخوص حقيقيين وقد تكون بأسماء مستعارة حسب ما يتطلبه الموقف.
ما يثير أذهان القراء في الرواية التاريخية كما فعلت معي هذه الرواية أن أحداثها التاريخية ذات علاقة بالهوية الثقافية للمتلقي، كما أنها أسهمت في إذابة الفوارق الجوهرية بين المسلمين واليهود والمسيحيين والذين يعيشون في بقعة واحدة ما خلق بينهم على اختلاف عقائدهم وأديانهم تفاعل تعاوني وبناء إيجابي، حيث يركز الكاتب الدكتور صالح السنوسي على حوار المنتديات الاجتماعية والسياسية بهدف تحقيق غايات كنبذ العنف والتميز العرقي والطائفي والوصول إلى نقاط اتفاق وقواسم مشتركة وحالات زواج، كأن يتزوج مسلم من يهودية ومسيحي من ليبية مسلمة وإيطالي أسلم فتزوج من ليبية مسلمة وفنان إيطالي يقترن بليبية مسلمة بعد أن أشهر إسلامه.. لكن نهاياتهم جميعا كانت مؤلمة وموجعة إثر عنهجية الاستعمار وتسلط الفاشيست على مجريات الأحداث.
رواية أزهار بيضاء على تخوم المقبرة جديرة بالاهتمام فهي مرجع مهم إذ تكشف عن نوع آخر من الجهاد السياسي الذي سكتت عنه بعض المراجع والمصادر التاريخية، فهو يختلف عن الجهاد بالبندقية والكفاح المسلح. أدعوكم لقراءة هذه الرواية.