الطيوب
عند الحديث عن تجربة الكاتب والقاص الراحل “كامل حسن المقهور” تندفع الأذهان نحو البواكير الأولى لظهور القصة القصيرة في ليبيا، وانطلاقتها بقلم الراحل “وهبي البوري” فتعد قصة (ليلة زفاف) هي أول نص قصصي ينشر بمجلة ليبيا المصورة عام 1936م وفق الشروط الفنية للبناء الفني للقصة، ولعل معظم التجارب في بداياتها بدت منسجمة تحت تأثيرات الآداب المشرقية أو حتى المدارس الأدبية في روسيا وفرنسا، ومن الخصائص التي امتازت بها تجربة المقهور هو أن إنتاجه الأدبي في القصة القصيرة حمل ربما لأول مرة خصوصية البيئة وتشعبات المكان كانت البداية الحقيقية والناضجة للغوص في الشخصية الليبية وإعادة طرحها للقراءة والتأويل، النموذج البسيط لليبي الذي يمكن مصادفته ومصافحته بمنأى عن سذاج الطرح المثالي والقوالب النمطية الجاهزة، لتجيء مجموعته المعنونة (أربعة عشر قصة من مدينتي)بمثابة التأريخ الاجتماعي للمكان وشخوصه وتفاصيل عنفوانه، كما يُعد كتابه المعنون (محطات…سيرة شبه ذاتية) أقرب للرواية التي بلورت رؤية المقهور إزاء المجتمع ونماذجه التي تعاطى معها بروح بأسلوب لم يخلو من السخرية والطرفة والجِدة، إنه حين قراءة إحدى أقاصيصه يُخيّل إليك بأنه يحكي لقارئه ويُسرّ له بما رآه وما عجب له.
خصوصية المكان
وقد يكون اشتغال المقهور في مجال المحامي ودفاعه عن المعتقلين السياسيين في عدد من القضايا الشائكة لعب دورا في صقل أدواته الإبداعية في القصة القصيرة، فمدى التصاقه بعناصر الزمكان والشخصية خوَّله أن يكتب نصا مشبّع برائحة البشر الحقيقيين، كامل المقهور الذي تحل الذكرى الحادية والعشرين لوفاته فقد ولد وتربى ونشأة بين أزقة منطقة الظهرة أولى الأحياء السكنية التي شكلت ظهيرا للمدينة القديمة الأم بطرابلس عام 1935م، حيث تلقى علومه الإبتدائية بمدرسة الظهرة، ثم ما لبث أن شد رحاله نحو مدينة القاهرة المصرية مستكملا هنالك مراحله الدراسية اللاحقة، وفي القاهرة نما وعيه وازدهر حسه الإبداعيّ فوجد ذاته في كتابة النصوص القصصية القصيرة، ورغم حلمه بأن يكون مهندسا معماريا إلا أنه اتلحق بكلية الحقوق نزولا عند رغبة أبيه فنال منها درجة الليسانس عام 1957م.
مسيرة مهنية حافلة
تدرّج بعد ذلك في عدد من الوظائف الإدارية والمناصب السياسية فمن مستشار في المحكمة العليا أوائل السبعنييات وسفير لليبيا لدى هيئة الأمم المتحدة ثم سفيرا غير مقيم بكندا فسفيرا بفرنسا والصين وصولا لتبوئه منصب وزيرا الخارجية والنفط، إلى جانب كل هذه المسيرة المهنية الحافلة يظل المقهور أحد الرواد المؤسسين لملامح القصة الليبية القصيرة في شكلها الناضج الذي حمل الهم الاجتماعي وأوجد أفقا لتطلعات جيل كان يتوق للانعتاق والتحرر من الأنماط التقليدية للثقافة المجتمعية.