الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
تزامنا مع حلول الذكرى الأولى لرحيل الأديب والفنان “رضوان أبو شويشة” نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون باستضافة من جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس، ندوة احتفائية عن الراحل أبوشويشة، وذلك مساء يوم الثلاثاء 29 من شهر نوفمبر الجاري بدار حسن الفقيه حسن للفنون، وشارك في إحياء هذه الندوة التي أدارها وقدمها الكاتب “رضا بن موسى” نخبة من الكتاب والأساتذة، واستهل الكاتب “منصور أبو شناف” مشاركته بالقول : لقد كان رضوان أبو شويشة دأب البحث عن أرواح أسلافه المرحة التي داهمها الرمل والتصحر وتعاقب على مطاردتها لآلاف الغزاة والمغامرين وقطاع الطرق، أرواح ظلت تسكن جبال أكاكوس حيث متاحف لوحات مال قبل التاريخ ليرحل بعدها حيث رحل إلى العصر المطير ليرافق موري الإيطالي مكتشف تلك المتاحف الضخمة، ويغرق في تفاصيل حياة وفنون أولئك الفنانين وطقوسهم الأخرى يرسم مسكونا بتلك الأرواح المرحة وبعمق التجربة وتجذرها في ذاكرة تضج تحت الرمل بحياة الصيد والرعي وجني الثمار، ويحاول بمساعدة موري اكتشاف المواد التي استخدمها أولئك الرسامون واستطاعت مقاومة الزمن والتصحر على مدى آلاف السنين.
أكاكوس والنقلة النوعية
وأضاف أبوشناف أنه في تلك الرحلة كان رضوان لا يبحث عن التاريخ بالتحديد كان يبحث عن أسرار الرسم بالدرجة الأولى، فكان كل ما يهمه هو أن ينسخ وينقل هذه التجربة الهامة في فن التشكيل بوجه عام، وأردف بوشناف بأن أكاكوس شكل لرضوان نقلة نوعية من رضوان الكاتب والمؤرخ إلى رضوان المهتم بالرسم، الذي كان في تلك اللحظات يكاد يلعن الكتابة فيقول إنها مهنة لا يمكن أن يعيش بها الإنسان بعكس اللوحة التي يرى بأنها أجدى وأقرب قدرة على البقاء، موضحا أن رضوان أبو شويشة قبل أن يكون رساما كان كاتبا ذو لغة متميزة في القصة الليبية القصيرة وأحدثت كتابته القصصية نقلة أخرى في ليبيا ويمكن اعتبارها جيل آخر لما بعد النيهوم، وأيضا في التحقيق التاريخي والكتابة التاريخية إضافة لبدايات كتاب المسرحية وكتاب السيناريو للسينما إنما بكل أسف كل هذا الإنتاج لم يرى النور، وتابع أبوشناف بالقول : أنه في التحقيق التاريخي لديه كتاب بعنوان (عند باب البحر) ظل رضوان يشتغل على هذا الكتاب طويلا، وقد عرف عن رضوان أنه لا يترك الكتاب في حاله بل يبقى يتابعه ويصححه أحيانا حتى بعد أن يصل للمطبعة، وأكد أبوشناف على العلاقة الرابطة بين رضوان أبو شويشة وبين الأمكنة، وهو مثل جيل نما لديه الإحساس بعدائية المكان وبالتالي نحن نقرأ ترديده الأثير -ترفق بنفسك وارحل يا رضوان-، فرغبة الرحيل دائما هي الأساسية لديه.
رضوان في عيون القصيدة
فيما شاركت الشاعرة “سميرة البوزيدي” بقراءة ثلاثة نصوص شعرية بيّنت فيها قامة الأديب الراحل ورشّت بملح حروفها على جُرح فقده الأبدي : كان بيننا يدور كناعورة ألوان مشعة، مشاء خفيف الحركة كأنه خلق من نور وضباب، بصوت مخنوق يحكي عن بورخيس ودبلن وعن لوحاته التي لم تكتمل من كوة في جدار مرسمه يطل على البحر، وفي النص الثاني تُصوّر الشاعرة أحلام رضوان ما بعد الحرب قائلة : بعد الحرب يقول رضوان سألون طرابلس أقيم معرضا تحت قوس ماركوس وفي شارع الأربع عرصات حيث يتكسر الضوء على الجدران القديمة، بعد الحرب سنغسل الشوارع بالموسيقى، وكل جدار سيكون قد تلون بالأبيض والأبواب والشبابيك بلون البحر، وفي النص الثالث تبني الشاعرة بقصيدتها مشاهد ليوميات الراحل داخل المدينة : في مرفأ باب البحر بطرابلس كان رضوان أبو شويشة يجلس على حافة الضوء يلتقط بعيونه الضيقة اتساع العالم من ذيل سمكة يموج على السطح من رائحة البحر القوية من شغب القطط ومن القوارب المقلوبة تحلم بلطم الماء.
رضوان الناقد
من جانبه تحدث الكاتب والدبلوماسي “حسين المزداوي” عن أن رضوان ما يبدو لنا منه أعلى مثلث جبل الجليد متسائلا لكن أين رضوان الآخر؟ هل مجموع ما ألفه وأصدره الراحل كافٍ ؟ رضوان هو الكاتب والناقد وهو كاتب المقالة والمسرحية باستثناء الرواية، وحين سأله صديقه الكاتب أبو بكر كهال لم لا يكتب الرواية فأجابه بأن الرواية تحتاج إلى أديب وكاتب ديموقراطي وأنا دكتاتور مع شخوصي في الكتابة، ولذلك هربت الرواية من أمامه إلا أن رضوان في آن الوقت واسع الكتابة، فقد كتب الرحلة وكتب المقالة والمسرحية بل انطلق من المسرحية وهي أصعب أنواع الكتابة، وكتب القصة القصيرة وكتب الحكاية، وأشار المزداوي إلى أن رضوان كتب نصا قديما وهو ابن العشرين ربيعا بعنوان (التمرد والمهزلة) بصحيفة طرابلس الغرب، موضحا بأن لغة رضوان السردية منذ بداياته كانت قوية لم تكن لغة متدرب ففي نصه المسرحي الأول ولد نص متماسكا وواقفا وحينما كتب هذا النص هو يكتب بقلم ثابت وواثق، وأضاف المزداوي أن رضوان لم يستخدم أسماء كودية أو مستعارة وإن كان قد كتب في بعض الصحف تحت اسم أبوفرح وهي ابنته الكبرى، مؤكدا على أن رضوان لم يكن يجامل أو يداهن في كتاباته النقدية فهو يكتب بكل صدق ولا تتدخل اعتبارات الصداقة أو ما نحوها في كتابته مطلقا مثل كتابته عن صديقه الأديب “إبراهيم الكوني” في أول إصدار قصصي له المعنون (الصلاة خارج الأوقات الخمسة) أوائل السبعينيات هنا رضوان لم يجامل صديقه الكوني إنما كتب عنه نقدا حقيقيا كشف فيه بواطن الخلل والضعف في النص دون مجاملة أو تسلط، وكذلك مع كتاب آخرين.
رضوان أبو شويشة وثلاثة عهود
كذلك شارك الشاعر والروائي الشاب “محمد التليسي” بورقة تطرق من خلالها إلى أنه قد كُتب للأستاذ الأديب رضوان أبوشويشة أن يواكب ويعايش خلال رحلة عمره ثلاثة عهود متباينة، تأثر بها وظهرت بأشكال حياته ونتائج تجاربه وأعماله، وأول محطات العهود الثلاثة، عهد المملكة الليبية، والتي واكبها أديبنا مع أدباء جيل الستينيات، ومواليد نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات، فلا بد أنهم قد وقعوا على المستوى الداخلي، تحت تأثير المردود الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي، الذي أحدثه تصدير النفط، وعلى المستوى الخارجي كانوا عرضة لتأثير تيارات المد القومي العربي التحرري، وحركات التحرر القومي العالمي في أفريقيا وآسيا، وتأثير الفكر الماركسي، مردفا بالقول أن أطول العهود التي عايشها شاعرنا وأديبنا فكانت عهد الجماهيرية (المحطة الثانية للعهود التي واكبها شاعرنا)، وتابع كانت هذه المرحلة ذات تأثير كبير على حياة أديبنا الفنية، حيث عايش التطورات السياسية والاجتماعية التي أحدثها النظام العسكري الجديد الذي توطد بعد نهاية سنة 1969 وممارساته القمعية ضد الحركات التعليمية والفنية، والتي بدأت تنشط مع بداية خمسينيات القرن الماضي، موضحا أن النظام كان في تلك المرحلة يضع حدودا ضيقة تماما على إبداعات أديبنا، والمتمثلة في القصائد والقصص القصيرة آنذاك..
ذكريات الطفولة والصبا
وشارك الكاتب الصحفي “عاشور التليسي” مشيرا بأن جميع المشاركين اللذين تقدموا قبله تحدثوا عن رضوان أبو شويشة الفنان والكاتب والرسام والناقد لكنني أعرف رضوان أبوشويشة الصديق والطفل وتلميذ المرحلة الإعدادية، لقد كنا صنوان بكل معنى الكلمة عشتها طفولتنا معا، وكان دائما يتغنى بمعشوقته ومعشوقتنا الكدوة، والكدوة هو الاسم التاريخي لمدينة العزيزية فالعزيزية سميت في عهد السلطان العثماني عبد العزيز تيمنا به في ليبيا وفي العراق وفي لبنان والسعودية، والكدوة لغويا هي المكان المرتفع في السهل المنبسط، وأضاف إن رضوان أبو شويشة علمني التسامح وعلمني عدم الجنوح للعنف فقد كان رجلا متسامحلا إلى أبعد الحدود وسريع البديهة، رضوان كان مشاكسا في الحصص الدراسية، رضوان كان يكتب بيده اليسرى وخطاطا، كل هذه إبان مراحل طفولته الأولى، وتابع عشت مع رضوان حتى افترقنا كل ذهب إلى حال سبيله في عام 1971م نتيجة ظروف العمل وعملنا معا في مرحلة الصحافة بجريدة الفجر الجديد والثورة، واشتركنا في كتابة عدد من التحقيقات الصحفية المشتركة.
قلق الأسئلة بين ذاكرة الزاهي وخطايا خوذ
كما شارك للكاتب الصحفي “عبد السلام الفقهي” بورقة بعنوان (قلق الأسئلة بين ذاكرة الزاهي وخطايا خوذ) أشار فيها إلى أنه عندما أقف متأملا لوحات الكاتب الفنان رضوان أبوشويشة , ينطبع في ذهني ارتباطا ضمنيا بين الفضاء اللوني والنتاج السردي لديه , حيث تندفع أوجه تأويلاتهما إلى اقتفاء أثر التشوه الروحي أو الانكسار أو فقدان البصيرة, مقرونا بسلم الخطايا وسجلها الحافل على متون دفتر الحضارة البشرية بتاريخها الطويل , إذ تمثل الحالة الليبية إحدى نماذجه, ارتكازا على فكرة مغزى الوجود وأسئلة الذات القلقة انطلاقا منها ورجوعا إليها، مضيفا بالقول أنه إذا كانت نصوص أبوشويشة في (ملك الموت ) و(موجة حب الى غرناطة)و(عند باب البحر )و(الشعب الخفي ) تبحث في محاولة معنى علاقة الانسان بالمكان , نرى في لوحات ليبيا ما بعد النفط , المجسدة في براميل فارغة ورمل وبقايا اطارات , أو نسيجا لونيا يحاكي مرموزا تراثيا , هو سفر الى حيث منابته الاثيرة في جداريات أكاكوس سر الحضارة الليبية في مهدها الاول , الزلزال المعرفي الذي قاده لرسم تصور إطلالة مكافئة لتفسير حالة الهشاشة من جهة أخرى تطرق الفقهي إلى مسرحية (حمودة الزاهي) وسيناريو(خوذ) موضحا بأنهما جزء من الفسيفساء المفسرة لتلك الحالة, بتشخيص يعتمد الابعاد الانثروبولوجية والتحليق في مدارات أحقاب سحيقة تنهض أجواءها على طقس تأملي كمظلة سوريالية عملاقة, متحررة من الزمن وغير مبالية بتهشيم قوانينه.