متابعات

فرج عبد السلام قناو… عاشق في محراب المسرح

الراحل فرج قناو

اليوم العالمي للمسرح 27 مارس، هو الثلاثاء ودار حسن الفقيه حسن، والجمعية الليبية للآداب والفنون، ونحن عشاق وعاشقات، نصطف علي عتبات الوقت الذي يفيض، والمساء، مساء طرابلس العبق برائحة الزهر. هو اليوم العالمي للمسرح، والاحتفاء بهذا اليوم احتفاء بمسيرة هذا الفن العظيم في تاريخ الثقافة الليبية، وأن يكون المبدع الفنان فرج عبد السلام قناو هو سيد هذا اليوم ونبض هذا التاريخ فذاك ما جعل لهذا اليوم مذاقا مختلفا، أنّي أجهل الكثير عن تاريخ المسرح الليبي سأعترف لنفسي بوجع كبير، وأنا أتعرف علي هذا المبدع الكبير من خلال هذه الأمسية، من خلال الرحلة التي عبرت بنّا سنوات وأعواما مكتظة بالشغف والبناء والمحاولة الجادة للتغيير.

إبحار في تاريخ المسرح الليبي…

كان افتتاح الأمسية بتقديم الأستاذ الفنان حسن قرفال، والذي تجول بنّا في تاريخ المسرح الليبي ونشأته، والتصاق هذا المسرح بقضايا التغيير وعلاج القضايا التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والقفزة النوعية لهذا المسرح كتابة وعرضا مع نهاية الستينيات  وبداية السبعينات من القرن الماضي، وظهور كتّاب درسوا المسرح وتحصلوا علي كمّ معرفي، مثل: البوصيري عبد الله ومنصور بوشناف وعبد الباسط عبد الصمد. وعلي مستوى العرض ظهر جيل من المخرجين الجدد، جاءوا برؤية جديدة، في نهاية رحلته الشيقة. رحبّ الأستاذ حسن بالمبدع الفنان الكبير علي الخمسي، ليقرأ  بصوته الرخيم كلمة المسرح في اليوم العالمي للمسرح، هذا اليوم الذي تأسس منذ خمس وخمسين عاما، و(كان لابّد أن يكون يوما جميلا). فالمسرح يقاوم وينجو من كل شيء، من الفقر من الحروب من الرقابة، من البؤس، … المسرح هو غياب الكراهية، علينا أن نبدأ بالصداقة بين الشعوب حالا. افسحوا المجال للمسرح… هذه مقتطفات من كلمة يوم المسرح العالمي والتي كانت برؤية السيدة ايزابيل هيوبرت من فرنسا… ليفسح الوقت بعدها للورقات التي ارتحلت بنّا في العوالم الثرية للمبدع الذي رحل بصمت وظل الصمت يكتنف غيابه وأعماله التي لم تطبع لتري  النور.

الاتفاق والاختلاف…

بين مصطفي الأمير وفرج قناو، كانت البداية لورقة الأستاذ الناقد أحمد عزيز، حيث هما كاتبين كبيرين قدما أعمالهما من خلال مدرسة واحدة (الواقعية والقضايا الاجتماعية)، وتحديدا في نطاق الأسرة، حيث مصطفي الأمير افراز المدينة القديمة، يحفظ تراث اللهجة الطرابلسية والتي ظهرت حتى في عناوين مسرحياته “ما يقعد في الوادي إلا حجره”، “عكوز موسى” و”الأمير”. كما يقول أحمد عزيز: “قلم راصد وقناص ماهر وهبّحياته وجهده للمسرح وترك بصمته الناصعة التي ستذكره بها الأجيال تلو الأجيال”، أما فرج قناو فهو فنان يجري المسرح في دمه، يحرص علي  الاهتمام بعناصرالإقناع، وأغلب مسرحياته تركز علي اختيار المفردة وصياغة الجملة المسرحية القادرة علي النفاذ إلي داخل المتلقي، حوش العيلة ومسرحياته المتوالية، هي علامات واضحة لهذا التميز. الكاتب الناقد أحمد عزيز في ورقته البحث أفرد مساحة لتبيان الاختلاف والاتفاق بين هذين المبدعين الكبيرين، حيث هما (الأمير وقناو) اهتما اهتماما ملحوظا بالمسرحية الاجتماعية، وكلاهما متعدد المواهب فالأمير كاتب ومخرج وممثل تلفزيوني، وفرج قناو صحفي وكاتب للإذاعتين، وثمة نقاط اختلاف ميزت كل واحد منهما وجعلت له بصمة خاصة به، فالكاتب فرج: كتب للطفل، وقدم برامج خاصة له من خلال منزلية التعليم. والتقيا لأن لهما دور كبير وإسهام واضح في تكوين أجيال من ممثلين وكتاب مسرحيين ومخرجين.

سأتكلم عن الكاتب نفسه..؟؟

“العرض المسرحي وعلاقته بالكاتب فرج قناو” كان عنوان الورقة التي ارتقبنا أن نسمعها من المخرج المسرحي والتلفزيوني عبد الله الزروق، لكن هذا المبدع فاجئنا باختياره الحديث عن المبدع فرج قناو، وليس عن العرض المسرحي، لقد كانت شهادة دافئة تفيض بالمودة والحنين، عرفنا من خلالها، كيف ترك هذا المبدع  معيشة رخاء وهجر التنعم بطيباتها ليعيش في بوهيمية رافضا كل شيء. لكن اللغة العربية وآدابها كانت الحياة الموازية التي عاش بين ربوعها، متجولا في رياضها من ألفية ابن مالك وكتاب الأغاني وبخلاء الجاحظ، ومعلقات الشعر فهو  كان ضليعا في اللغة العربية، يقول المبدع الزروق، ويواصل، احتجت في عام 1986 لقصص للسينما فكتب لي “عودي يا صغيرتي أمينة”، لكنّه يتهيب الكتابة للمسرح. وبعد جهد جهيد تمّ إقناعه بكتابة مسرحية، لتكون هذه الخطوة هي بداية هذا العشق والإبداع الذي تواصل وتعمق فصار هو الحياة، وسنعرف من خلال هذه الورقة الشهادة، علاقة هذا المبدع بالفنان محمد احقيق وصالونه الأدبي، ملتقى وملاذ كل الباحثين عن الفن الحقيقي، أمّا “مقهي زرياب” فهو حكاية أخرى من حكايات مدينة طرابلس، ومن حياة مبدعيها ومثقفيها، وكان فرج قناو أحد هؤلاء العشاق للفن والثقافة والبحث والحلم بالتغيير، يقول الزروق: أخرجت له ست مسرحيات وأحس  بالفخر لصداقته، لكن هذا المبدع الذي أنجز الكثي، يصبح فنجان القهوة صديقه الأثير… كئيبا يقرر الذهاب لمدينة بنغازي، ويقدم مسرحيته (بشري) للمخرج الصديق عبد الله الزروق ولايعود إلا وقت عرضها، ولكن يعود لوحدته، ويرحل وحيدا كأنّه نسيا منسيا، وحين ارتأت وزارة الثقافة والمجتمع المدني في العام 2013 أن تجعل اسم مسرح الطفل والشباب، اسم هذا المبدع الكبير “مسرح فرج قناو للطفل” وكما يقول الزروق: لكن ذلك لم يعجب تلاميذه وأبناؤه أن يطلق اسمه علي هذا المسرح؟؟؟

المسرح الليبي مسرح عريق وأحد أدوات التقدم  التغيير…

“فرج قناو والمسرح الملتزم” هو عنوان الورقة التي قدمها الكاتب المسرحى منصور بو شناف، والذي كشف عن حكاية أخري من تاريخ المسرح الليبي، هذا المسرح الذي انفصل إلي مسرحين لايلتقيان، الاول هو الذي اتكأ علي اللغة الفصحى، للتأكيد علي عروبة ليبيا، واعتمد علي حكايات الثرات العربي، وكان مسرح نخبة مثقفة ارتبط بالمركز في المشرق، أمّا المسرح الثاني فهو الذي اعتمد  اللهجة المحكية ، لهجة النّاس التي تمتح من حياتهم وتناقش مواضيع واقعهم، فكانت الأقرب للناس والأكثر تأثيرا، وقد كانت وكما يقول منصور: صناعة الجهمور الليبي هي نتاج هذا المسرح، واعتبر فرج قناو: وريثا كفؤا لمصطفي الأمير، وأن مسرحه، نستطيع تسميته المسرح الملتزم، والذي ناقش قضايا العدالة الاجتماعية، وقضايا المرأة، ومثّل المسرح الملتزم في أنصع صوره، أم ابطاله فهم :ايجابيون حالمون بحياة أفضل منغمسون في تطوير القوانين والتشريعات من أجل حياة أكثر عدالة واحتراما للفقراء والمهمشين، ويختم بوشناف ورقته، عن قناو أنه “لم يكتب نصا مسرحيا، بل كتب عروضا مسرحية للتنفيذ”.

“ناسك في محراب المسرح” عنوان ورقة الأستاذ مفتاح قناو، والذي ارتأى من خلال بحثه في حياة المبدع فرج قناو، أنه ناسك في محراب المسرح، فقد كان كتلة كبيرة من النشاط وان فعل القراءة فعل مقدس بالنسبة له. ومن خلال انضمامه لفرقة المسرح الليبي التصق بالمسرح وجعله مكانه الأثير، ومسعاه في حلم التغيير. والأستاذ مفتاح تتبع خيوط علاقة الكاتب المسرحي فرج قناو  بمقهي زرياب الشهير، ووجد صاحبه الأصلي (محسن اكحيل) ليعرف منه، كيف اختار الراحل قناو اسم هذا المقهي، بعد اسمه الأول (السندباد) قال (محسن كحيل) ظننت أنه قد نصب لي فخا، ولكن عند سؤال للاخرين عرفت أن زرياب فنان معروف. وختم  الاستاذ قناو ورقته  بتذكيرنا بقصيدة المبدع أحمد الحريري في رثاء فرج قناو “نجمة الصبح”.

متى نجمع أعمال هذا المبدع؟؟؟

كانت هذه صرخة الكاتب المسرحي عبد الله البوصيري، وقد جعل عبء هذا العمل علي الثلاثي .الفنان المخرج عبد الله الزروق والممثل الفنان فتحي كحلول، ومدير الفرقة التي كتب المبدع لها مسرحياته  الأزهر السوكني، وكان الختام مع الأستاذ المسرحي صالح عقيلة، الذي احتفى بصديقه المبدع فرج قناو والذي كما قال عنه: “وهبّ حياته وزهرة شبابه وعمره للفن المسرحي والإذاعي والكتابة لمسرح الطفل”، ويتابع في شهادته “كثيرا ماجمعتنا اللقاءات والأمسيات مع بعض الفنانين منهم المخرج المتميز عبد الله الزروق والفنان الممثل رمضان القاضي والمرحوم محمد زميت والفنان ميلود دخيل، كنّا نلتقي في مقهي زرياب وفي هذا المقهى نتجاذب أطراف الحديث عن كل ماهو جديد عن المسرح والفن والثقافة وخصوصا المسرح في ليبيا، كان فرج قناو هاديء الطبع لطيف كثير التفكير، هو فنان لم يعط لنفسه شيئا وإنما أعطى للمسرح ولجمهوره ومحبيه كل شيء”.

مقالات ذات علاقة

الباحث أحمد دعوب: قضية نقاء التراث الغنائي مسألة شائكة

مهنّد سليمان

الدنقلي يحلق بجمهور السعداوي على جناح ديوانه الرابع فيك شي

المشرف العام

تونس تحتضن الاجتماع الأول لوزراء ثقافة دول غرب البحر المتوسط (حوار 5+5)

المشرف العام

اترك تعليق