مكسيم غوركي.. المؤلفات الكاملة تحاكي عالمه المّر والمضني
رقية العلمي | فلسطين
لعل من أهم الأمور في المكتبة المنزلية ترك الكتب على الرفوف أو عرضها في مكتبة زجاجية، لتصبح مع مرور الوقت جزءا من ديكور المنزل قد يعود مقتنيها لقراءتها أو تبقى مهملة تفتح أبوابها لتنظيف الكتب من الأتربة من حين لآخر.
في الآونة الأخيرة عزمت الأمر على جرد الكتب وتنظيم محتويتها في مكتبة عائلتي؛ تخلصت من بعضها، بدل رميها قمت بالتبرع بها للمكتبات العامة والمدرسية، وأبقيت على بعضها كونها مخزونا ثقافيا لا يمكن الاستغناء عنه. من بين هذه الكتب وجدت ست مجلدات عنوان: ” المؤلفات المختارة” للكاتب الروسي ” مكسيم غوركي” فاخترت عرضها والكتابة عنها، كيف لا وهي سيرته الذاتية وسيرة الطبقة الفقيرة المعدمة في روسيا أبان عصره.
يقدم لها الكاتب الاجتماعي مؤرخ الأدب الأكاديمي والدبلوماسي أناتولي لوناتشارسكى 1875-1933 بترجمة سهيل أيوب.
المجلد الأول: طفولتي
كتاب “طفولتي” (1928) هو الجزء الأول من الثلاثية المستوحاة من سيرة حياة أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف الذي سيصبح فيما بعد كاتباً يكتب تحت اسم مستعار ” مكسيم غوركي “!
يتحدث هذا الكتاب عن الخطوات الأولى على درب الحياة لشخص مكسيم غوركي؛ بطل القصة هو الكاتب نفسه، يتناول في السرد تلك السنوات العسيرة والمريرة من عمره، عندما كان يعيش يتيماً في بيت جده القاسي بعد أن فقد أباه وأمه.
وهنا بالذات، في بيت الجد، احتك مكسيم غوركي لأول مرة بقسوة وظلم عالم روسيا القديم قبل الثورة.
وتنتهي طفولته عندما تموت أمه فينهره جده وهو يبكي:
[كفى، كفى تمالك نفسك! لا بد لكل ان يموت! حتى العصافير تموت! أسمع ان كنت تريد فسوف أضع بعض العشب حول قبر أمك. هل تحب ذلك؟ سوف نذهب الى الحقول الآن ونجمع العشب. أنت والحمامة وأنا. سوف نقتطع العشب وتضعه حول القبر. ولن يكون هناك قبر آخر ينازعه جمال ورونق. أعجبتني هذه الفكرة. فذهبنا جميعا الى الحقول]!
في نهاية “طفولتي” يقول:
[بعد أيام قليلة من تشييع أمي قال لي جدي: حسناً يا الكسى! أني بالضبط لا أستطيع أن أبقيك مدالية معلقة حول عنقي! ليس لك مكان بعد اليوم ههنا فقد آن لك أن تخرج الى ما بين الناس لكسب القوت… وهكذا خرجت، إلى، ما بين الناس].
المجلد الثاني: ” بين الناس ” و “جامعياتي “
وبه تكتمل ثلاثية غوركي المستوحاة من سيرته الذاتية، والتي بدأها بكتابة طفولتي وبقصتيه ” بين الناس وجامعياتي”.
نتعرف في هاتين القصتين على الأحداث في حياة الكسى الذي فقد والديه في سن مبكرة، فيشتغل صبيًا في أحد مخازن الأحذية، وسفانا على ظهر أحد مخازن الأحذية على ظهر المراكب الماخرة في الفولعا، ومعاونا في ورشة لرسم الأيقونات.
تبدأ قصة ” الناس ” من حيث أنتهت طفولتي…
[وهذا أنا بين الناس، أني الصبي في مخزن فاخر لبيع الأحذية جاثم في الشارع الرئيسي من المدينة].
وتنتهي القصة
[وهذا ما صح عليه عزمي. في خريف ذلك العام انطلقت الى قازان، يحدوني أمل خفي في أني سأجد وسلية أرشف فيها العلم هناك]
القصة الثانية في المجلد الثاني هي “جامعياتي”:
فيكمل المسيرة ويقول:
[وهكذا كنت في طريقي الى قازان أطلب العلم في الجامعة – ولا شيء غير ذلك].
وتنتهي ثلاثية السيرة الذاتية: ذهبنا من سمارا على ظهر مركب للمسافرين مختبئين تهربًا من دفع الأجرة. وفي سمارا استُجرنا للعمل على مركب للنقل حملنا خلال سبعة أيام دون أن يقع حادث يذكر الى شواطئ بحر قزوين. وهنالك عثرنا على عمل مع مجموعة صغيرة من الصيادين في مسمكة قذرة في كابانكول – باي] 1923
يصل الشاب الكسى بيشكوف مدينة قازان، وله من العمر ستة عشر ربيعا، آملا دخول جامعتها، وليصبح واحدا من طلابها. الا أن ما ينتظره هنا في هذه المدينة الكبيرة الصاخبة، الواقعة على ضفاف الفولغا الروسي، ليس غير عمل العامل الثقيل.
وبدل مقعد الدراسة لا يحظى سوى بحياة الفقر في قاع المدينة إلا ان كاتب المستقبل يتعرف هنا أيضاً على الفئات المثقفة ذات المزاج الثوري، ويمر هنا بالاختبارات الصارمة ” لجامعة الحياة ” التي تقوي عزم المناضل ضد الإجحاف واللاعدالة، وتقوى فيه الرغبة الجامحة ل “إعادة صنع الحياة”، يعينه في هذا الكفاح دائما الوعي بأن ” نباتات الحياة الساطعة النقية الخلاقة الطيبة تنمو منتصرة عبر التراكمات الرذيلة، مستثيرة أملاً لا يقهر بانبعاثنا نحو حياة إنسانية وضاءة”.
المجلد الثالث:
يضم المجلد الثالث من المؤلفات قصصاً مختارة مما خطه غوركي في الأعوام العشرين الأولى من مسيرته. كُتبت هذه الأقاصيص خلال السنوات 1892-1906
وكان هذا أول نتاج أدبي يحمل اسم مكسيم غوركي المستعار عام 1892 كان لمؤلفه، وهو عامل في مدينة نيجنى نوفغورود، من العمر آنذاك 24 عاما وهي:
- ماكار تشودرا
- رفيقي في الطريق
- الجد ارخيب وليونكا
- العجوز ايزرغيل
- تشيلكاش
- مرة في الخريف
- أنشودة العقاب
- كونوفالوف
- مالفا
- ستة وعشرون رجلا وامرأة واحدة
- مدينة الشيطان الأصفر
- أنشودة نذير العاصفة
المجلد الرابع:
أحتوى المجلد الرابع من المؤلفات المختارة على أقاصيص كتبها غوركي أثناء الفترة الممتدة من سنة 1912 حتى السنين الأخيرة لحياته:
حكايات من إيطاليا، الإضراب، أطفال بارما، النفق، الأم، نوتشيا، بيبا، مولد إنسان، انزلاق الجليد، الأحازين الغليظة، الحب الأول، قصص عن الأبطال.
المجلد الخامس:
الأم 1907
كتب غوركي رواية ” الأم ” خلال سنتين من الثورة الروسية 1905 -1907 وهي رواية تؤرخ التجربة السياسية لسنوات الثورة العمالية الروسية، وترسخ الوعي السياسي لأبطاله وتعكس حقيقة التاريخ في تلك الفترة، لهذا لم يكن بناء هذه الرواية قائماً على عقدة تحل، بل بناها غوركي على نمو روابط طبيعية تعكس الأقدار الشخصية فيها وما بينها من تناقضات. فالخصائص والغنى الداخلي عند كل من أبطال الرواية، وقابليته للانفتاح للحياة وللتأثير عليها، لينتهي الأمر بالحكم على بول واندريه، بتوقيف الأم، ولكن هذه الهزيمة لا تضعف شيئاً من الثقة بالنصر النهائي، نصر القيم الإنسانية التي يحملونها في أعماقهم؛ وكذلك فإن بول وأمه، شخصيات الرواية المحوريتان، كانا يدركان دائماً بألا حظ لهما بتجنب السجن والنفي ولكنهما يدركان أن مصيرهما شخصياً، وهو أبعد ما يكون عن إضعاف الحركة الثورية، التي يجب أن يُكرس لتنشيط هذه الحركة.
المجلد السادس:
والأخير ضمن مجموعة المؤلفات المختارة لمؤسس الأدب السوفيتي يضم المجلد مسرحيات مكسيم غوركي:
البرجوازيون الصغار، الحضيض، أعداء، ييجور بوليتشوف وآخرون، فاسا جيليزنوف
الكاتب مكسيم غوركي (1868-1936) هو الكسى مكسيموفتيش بيشكوف
أديب وناشط سياسي ماركسي روسي، مؤسس مدرسة الواقعية الاشتراكية التي تجسد النظرة الماركسية للأدب.
اسمه المستعار مكسيم غوركي وتعنى كلمة جوركى باللغة الروسية ” المّر” وقد اختارها الكاتب لقبًا له من واقع المرارة التي كان يعانى منها الشعب الروسي تحت الحكم القيصري والتي شاهدها بعينه خلال المسيرة الطويلة التي قطعها بحثا عن القوت.
ولد مكسيم غوركي في نجني نوفجراد عام 1868، أصبح يتيم الأب والأم وهو في التاسعة من عمره، فتولت جدته تربيته، وكان لهذه الجدة أسلوب قصصي ممتاز، مما صقل مواهبه القصصية. أسرته فقيرة وترك بيت جده في الثانية عشرة. ليمضي سنوات عدة هائماً يتعرف فيها على جميع أنماط البشر واستغل تجربته الواسعة في كتابة الأدب.
أما مترجم المجلدات الستة فهو المترجم والأديب المحامي السوري سهيل أيوب 1933 -1992
ترجم أكثر من 34 كتابًا من الأدب العالمي في الرواية والقصة القصيرة والسير وأدب الطفل، كما ترجم معظم أعمال مكسيم غوركي، بضمنها “المؤلفات المختارة” والصادرة في العام 1981 عن دار التقدم في موسكو في ست مجلدات.
كما قام على ترجمة أحدب نوتردام للكاتب فيكتور هوجو وكتاب الجذور للكاتب الأفرو أمريكي أليكس هيلي كما قام على ترجمة رواية الحاج مراد للكاتب الروسي ليو تولستوي.