قصة

شظايا الشّجوِ

من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي
من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي

شظية جمعٍ:

دخل الصالة متأملاً، جمعٌ عجيب مرحٍ، بدأ الحفل يحتفي بتكريم أحد فرسان المدينة المغمورين، وقف صامتاً يصغي لمن يشتري ويبيع، يهمس لنفسه: حفلٌ غريبٌ، سأله أحد المحتفين وقد تأمله بدهشٍ: هل يمكنك أن تخبرنا عن نفسك؟  فجأة نسيّ لماذا حضر الاحتفال، آثر الصمت، انبسطت الحروف الحبيسة فوق لسانه، لا أحد سيتقبل اِجابته الصريحة.. لسبب ما أو لآخر أحسّ بأنّ الصالة مملة للغاية والريح خارج الصالة تعزف للصمت لحن السؤال المفقود بين الفراغ وبين الحُجب.

شظية كهولة:

قال في نفسه دون أن يدري: ربما تنام ذاكرتي في موطن كهولتي، ذاكرتي مجرد مسافة من الزمن، بيني وبين مسقط رأسي رصاصة أردت برئبال في دروب ضيعت الخطى ما بين جيئةٍ وذهوب وفي حمى الليالي الغوابر.

شظية نمرً:

يعرف أنّه ليس أكثر من نمرٍ من ورق، يناضل من أجل شهية الوطن المفقود، تمرّ أيامه مسرعةً من البكور للعشيّ لدجى الليل خشية أن ينقضّ عليه النمر ويفترسه.

شظية سرٍّ:

كهلٌ عجوز من الهنود ” الحمر”، يجلس فوق صخرة يحدث أقرانه: سرّ أسرار المكان يكمن في اِحتضانه لأشياء كثيرة، ويملأ جوهره بها: مطر غزير، خيول ترقص، ليلٌ طويلٌ، أرضٌ كالفردوس تعدو للفراغ السحيق، وإنْ تلاشت جميعها فسيظل يحملها المكان تحت ضوئه ريانةً يافعةً.

شظية أمسٍ:

اعتدل الكهل في جلسته وأضاف: غداً دون أن ندري سيكون أمساً، ومع انتشار النجوم الشاردة في دجى سحائب الظلام ستعرف أنّها عند الفجر تكنسها أصابع الشمس فلا يبقى أمسٌ ولا يبقى غداً.

شظيةٌ أريج عطور:

اِمرأة عجوز تقطن في أحد جناين المغار بمدينة درنة، أُسمها رُقية، تُقطر ماء الزهر بلا توقفٍ.. تعتني بكل شيء حتى الأشياء المنكسرة: كانون الشاهي، شجرة التين، البياصة الحمراء، الرّحى العتيقة، مدينتها التائهة بين الضباب والسراب، تبتسم طفلة مرحة وتشدو إنّ الصبح يقتربُ.

شظية أزمةٍ:

لا يعاند، تشتدّ أزماته ولا تنفرج، يستأنس بما يلقيه الزمان أمامه من نصبٍ، يركض خلف وطنه المُجهد المنكود، وطنه يركض خلف الريح، الريح تركض خلف التيه التائه، التيه لا يملّ ولا يستريح.. صوتٌ من الداخل يُناديه: فلماذا يا وطني لا تُولد من جديد علك تهدأ وتستريح.

مقالات ذات علاقة

أم الرزق

رشاد علوه

آلهة في قبـــو

محمد المصراتي

الحصّالة

محمد المسلاتي

اترك تعليق