عاشور الأطرش
ليس أوجع وآلم من كلمات ناقدة حال وقعها على نصٍّ ما وقد وطّن صاحبه نفسه على أنّه على أتمّ ما يكون من وضوح قصد، وجلاء معنى، وسلامة لغة، وإبداع فكرة، وبالتّالي له أتمّ القبول. وخفى عنه أنّ العمل الأدبي الّذي يُرى من عدّة نوافذ لهو أقرب إلى تبيان جوانبه بإضاءةٍ تُتِيح له أن يُقرأ من خلالها دون إطراءٍ مُخلٍّ أو عسفٍ وجور.
صحيحٌ أنّ هناك تباينًا في طرائق النّقد حسب ما يراه البعض تطوّرًا، ويراه البعض قساوةً مُرهقة للنّصّ، على أنّ أقساها تلك الّتي تُحيّد الذّات حال النّقد ليكون النّاقد جرّاحًا بمبضعه. فالنّاقد هنا لا يتماهى مع رسائل الكاتب فيما يبثّ من سبكٍ رآه من خلال جهده.
النّصّ الأدبي دعوة مفتوحة لصحبة الكاتب مع كلماته، والقارئ في ضيافته، فإن أحسن النّصَّ أحسن الضّيافة، وإن شوّه النّصّ لم يُحسن الضّيافة. على أنّ اختلاف الأطباق على المائدة له أثره على الضّيف، ولربّما كانت على أجود إعدادٍ ونضجٍ، ومِزاج الضّيف ليس على ما يُرام وهنا يكون الخلل وفرصة لفضاء التّأويل.
قد يقرأ الكاتب نقده بكلّ حساسية مُجَانَبَةً للحقيقة حال شعوره بأنّ وراء النّقد نيلاً منه لا من رؤية النّصّ من خلال نقده والّذي يكون فعلاً بثغرات واضحة، لذا يتحوّل النّقد إلى معركة أو سجال عقيم أو مُفيد للقارئ، وكم حفظ التّاريخ من تلك المعارك والسّجالات كانت تتباين فيها المقاصد والغايات.
ولا شكّ أن البيئة لها بصمتها على كاتب النّصّ والقارئ معًا، ولربّما تجرّأ الكاتب بأن مدّ رآه خارج بحره وتيهه ولا يُوافقه القارئ في ذلك، أو أنّه ” رشّ من تلك البهارات” ما يحسب القارئ أنّ ذلك يُفسد ذوقه خاصّة إذا كانت تلك البهارات ليست بنكهة تعوّدها. هنا يختفي شعورٌ باختلاف القرّاء؛ فمنهم من يُقبل، ومنهم من يُعرض، وليكون النّص بذوق قارئ وقارئ؛ وناقدٍ برؤية قد تنصف وقد تجحف.
17/6/2022م.