هل الدراية بالحقل الذي تثار فيه مسألة ما شرط ضروري، أم شرط كاف، لإبداء رأي وجيه فيها، أو اتخاذ مواقف سديدة منها؟ هل كلما كان المرء أكثر دراية بالحقل المعني كانت فرصه أوفر في إبداء رأي وجيه فيما يثير من مسائل؟ أم أن درايته به لا ترجّح فحسب، بل تكفُل بالمطلق قدرته على إبداء مثل هذا الرأي؟
في تقديري أن الدراية بالحقل ليست شرطا كافيا ولا ضروريا لإبداء آراء وجيهة أو اتخاذ مواقف سديدة مما يثار فيه من مسائل. كون المرء عالما في الاستنساخ لا يضمن بذاته قدرته على إبداء آراء وجيهة بخصوص ما يثيره من قضايا؛ وليس هناك ما يحول ابتداء من أن يتّخذ ذو دراية ضئيلة بتقنية الاستنساخ مواقف سديدة من قضاياه. وبالمجمل، لا حق لأي شخص في أن يصادر حق أي شخص آخر في إبداء رأي أو اتخاذ موقف من مسألة ما بذريعة أنه غير مختص في الحقل الذي تثار فيه. ومن يفعل هذا إنما يقع في الأغلوطة الشخصية، لأنه لا يعاير الرأي وفق ما يطرحه قائله من مسوغات بل وفق اعتبارات تتعلق بشخصه. كم من أصوات، لعل لديها ما تقول، أُخرست بذريعة أنها ليست مختصة في الحقل المعني، وفي هذا إضفاء لطابع كهنوتي على الحقول المعرفية يئد براعم الأفكار والتبصّرات في مهدها. إذا كنتُ غير متخصص في حقل ما، وتزعم أنه لا يحق لي إبداء رأي فيه، لأن هذا الرأي سوف يكون وفق رأيك خاطئا، فلماذا تخشى من إدلائي به؟ ألا يسهّل عليك عوزي للدراية بما تدري إثبات تهافت رأيي؟ وفي النهاية، ألا “نستفتي” عموم الناس على بنود دستورية لا يفقه فيها سوى الخبراء، ومع ذلك نأخذ بما “يفتون” به، بل ونقيم على أساسه دولة بأسرها؟
ملاحظة: سياق الحديث هو أحقية إبداء الرأي وليس التدريس ولا الوعظ.