طيوب عربية

بين يدي تمرة الغراب

زكريا محمد | فلسطين

ديوان تمرة الغراب للشاعر الفلسطيني زكريا محمد
ديوان تمرة الغراب للشاعر الفلسطيني زكريا محمد

أمسكت بيدي مجموعتي الجديدة (تمرة الغراب) هذا الصباح. وصلتني أمس لكنني لم أفتحها. قلت في نفسي: بشوفها بكره.

وقبل السابعة وضعت حقيبتي على ظهري، ومشيت في الشوارع المحفرة، والمملوءة بأكياس البلاستيك وعلب الكولا الفارغة. السماء غير صافية، وهناك رائحة رطوبة. حرّ ورطوبة معا. سال العرق من إبطي، وتدحرج على خاصرتي. مع ذلك فقد قررت ألا ألعن آب، وحتى أن أغنيه إن استطعت. فما هو الإنسان إن لم يكن مغنيا للشهور والفصول، ما هو؟

مشيت حتى وصلت إلى التينة الكبيرة. الأشواك حولها والهشير، وأكياس البلاستيك وعلب الكور الفارغة، وأصناف أخرى من العلب. مع ذلك فهي تينة. لقطت عشر حبات، ومضيت إلى المقهى: التين في يدي وآب يدخن أرجيلته فوقي منذ الصباح.

في المقهى كانت هناك صبيتان: واحدة أعرفها وصاحبتها التي لا أعرفها. أخذت من كيسي حبتي تين، ووضعت حبة أمام كل واحدة، فابتسمتا. ثم أخذت حبة ثالثة ووضعتها أمام الشخص الثالث في المقهى. كان هذا الشخص قد عرف، بشكل ما، أنني أهتم بالنجوم وبالآركيولوجيا الفلكية، فاشترى كتابا لغراهام هانكوك ووضعه أمامي قبل شهور، وقال: هذا لك. وأنا أرد هذا الصباح هديته بحبة تين. التين هدية كونية.

أخذت طاولتي التي أعادها إلى مكانها متفضلا مقهى زمن والشباب العاملون فيه. وأمسكت بمجموعة (تمرة الغراب) حذرا كأنني أمسك برمانة يدوية تهدد بالانفجار في وجهي. قلبت المجموعة على غلافيها الأمامي والخلفي. بدا لي أن الغلاف ساذج، وأن الشخص الذي يركض على الغلاف ملون أكثر مما ينبغي. قلت لنفسي: توقفي عن هذا، فأنت اخترت أن يكون الغلاف ساذجا عامدة متعمدة، توقفي.

قرّعت نفسي بما أملك من قوة.

لكنني لم أجرؤ على فتح الكتاب. أمسكت به في يدي اليسرى، ثم بإبهامي ضغطت على صفحاته كما تضغط أوراق كوتشينه: تررررررر. وتوقفت عند صفحة محددة. كانت مقطوعة قصيرة مرمية في أسفل الصفحة. لم تكن الوقفة موفقة. أكلت حبة تين كي أعدل مزاجي. قلبت الصفحات سريعا كي أعثر على مقطوعة أحبها، فبدت لي كل المقطوعات متشابهة، وغير متماسكة. أغلقت المجموعة، ونظرت إلى مقطوعة حذيفة على الغلاف الخلفي. آه يا حذيفة يا أخي، لا يستطيع الإنسان حتى أن يفخر بمقطوعة واحدة، مع أنه من البؤس أصلا أن يفاخر الواحد بمقطوعات مصنوعة من كلمات.

أعدت الكتاب إلى الحقيبة. ليس هناك ما يثير. من الأفضل للإنسان ألا ينظر إلى فعل يده. عليه أن ينظر إلى فعل يد الله. إلى حبة التين. ومضغت حبة تين، فذهبت حلاوتها مباشرة إلى دماغي. هكذا هو فعل الله. وهذه هي يده.

طيب، لا يمكن لي أن أفخر بتمرة الغراب. فالصفحات تتابع متشابهة، والحلاوة قليلة. ربما علي أن أفاخر بكتاب: (سنة الحية: روزنامات العصور الحجرية). الأخطاء الطباعية واللغوية والسهوات فيه كثيرة، لكن هناك على الأقل حيات متطويات وحيات منسابات. هناك أرقام ومعتقدات. وهناك أناس يكتبون وأنا افهم ما يكتبون. أما في (تمرة الغراب) فهناك كلام أكتبه أنا نفسي لكنني لا أفهمه.

آه يا حذيفة، ضائع أنا بين (سنة الحية) و(تمرة الغراب). ضائع بين حبة تين من يد الله، ومقطوعة قصيرة من يدي.

جمعت أغراضي عن الطاولة، ووضعتها في الحقيبة التي علقتها على كتفي. ثم مرّ (مؤمن) حاملا طلب قهوة لزبون، فأعطيته نسخة (تمرة الغراب) التي كانت في يدي. قلت له: من دون إهداء. رد: لأ، بدي إهداء. قلت: طيب بكرة بكتبلك إهداء. قال: لا، ما بتزبط. بدك توقعها هسه. أنزلت الحقيبة عن ظهري، وبحثت في جيوبها العديدة عن قلم، وحين وجدته كتبت: إلى مؤمن، محبة زكريا محمد.

وهكذا نفقت نسخة واحدة، وظلت 499 نسخة أخرى في مخزن مؤسسة الناشر برام الله.

5-8-2022

مقالات ذات علاقة

أيام البرد

آكد الجبوري (العراق)

منتدى المنارة للثقافة والإبداع يحتفي بكتاب “ترانيم اليمامة”

فراس حج محمد (فلسطين)

مفاتيح السماء بالسريانية تصدر بالعراق للشاعر الأديب: وهيب نديم وهبة

المشرف العام

اترك تعليق